القاهرة 16 فبراير 2021 الساعة 09:15 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
المتتبع النهم للروايات يجد سيلًا رائعًا من الروايات التي تصدر بشكل شبه يومي من دور النشر، بل وزاد عدد دور النشر حتى أن السوق وصل الي حالة تشبه التشبع.
دور النشر تنقسم إلى ثلاثة أقسام، دور نشر حكومية أي تتبع وزارة الثقافة، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة، ومثلها أيضا الإصدارات من الجرائد والمجلات الحكومية مثل كتاب الأخبار والجمهورية والأهرام وروز اليوسف ودار الهلال، القسم الثاني من دور النشر هو الدور الشهيرة الخاصة وهي لا تقوم بالمخاطرة باسمها الذي صاغته علي مدار عشرات السنوات فتنتقي المشاهير من الكتاب أو الروايات الجيدة التي تتوسم في كاتبها أن يحقق مبيعات جيدة وأن يظل اسم الدار متربعا في خانته.
أما القسم الثالث وهو الأخطر، وقد شبهتها يوما بدكاكين الثقافة، وهي دور نشر تقوم بطلب مساهمة من الكاتب (بدل نشر) قد يصل في بعض الأحيان الي مبالغ طائلة، لمجرد القيام بتصميم الغلاف وتنسيق الرواية ومراجعتها لغويًّا، ثم بعد ذلك تقوم بطباعة عدد محدود للغاية من النسخ التي تتوه بالطبع وسط أساطين النشر في هذا المجال ويكون الخاسر الوحيد هو المبدع الذي يفرح بوجود رواية بين يديه ولكن لا يجد من يقرأها.
هذه الدور تقم باستصدار أوراقها بأنها شركة للدعاية والإعلان والنشر، وتتخذ من إحدى الشقق المؤجرة مقرًّا، وتبدأ في اصطياد ـ إن صح التعبيرـ زبائنها عبر الإنترنت، ثم في النهاية تحقق مكاسبها من تلك المساهمة التي يدفعها الكاتب، فإذا علمنا أن تلك الدور تقوم بالطباعة في أرخص الأماكن فهي حتما تحقق مكاسب جيدة.
القسمان الأول والثاني يقومان بقراءة العمل الإبداعي جيدًا، من خلال لجنة متخصصة من النقاد والأدباء، ووضع رأيهم مكتوبًا، ثم يحرر عقد واضح بين الدار والكاتب تلتزم فيه تلك الدور بموعد محدد للنشر والتوزيع والإعلان وغيره من الدعاية للكتاب والكاتب.
أما الدور الأخرى فتستغل حالة الشبق لدى الكتاب الصغار ورغبتهم في نشر إبداعاتهم حتى ولو كانوا يتعلمون الكتابة، فتقوم بطبع الكتاب الذي يخرج في كثير من الأحيان ضعيفا مما يسبب للكاتب حالة إحباط.
أذكر في بداية كتاباتي أنني قد جمعت عددًا من القصص القصيرة في ملف، ذهبت به إلى أحد الناشرين، كنت صغيرًا للغاية، وكنت أحسب نفسي عبقريًّا للغاية، رفض الناشر القصص وشعرت بالإحباط، ولكنني بعد ذلك فهمت، فلو كان هذا الناشر قد قام بطبع ما كتبت ثم وجدت نقدًا قاسيًا وأنا في تلك السن الصغيرة فمن المحتمل أن أترك فكرة الكتابة تمامًا، وبعد ذك شكرته على موقفه معي.
مسألة النشر الآن بهذا المنطق لها شقان، أحدهما إيجابي وهو وجود وفرة في الكتابات، وزخم بين المبدعين، وتنوع جيد في الأفكار، أما الشق السلبي فهو اقتصار النشر من الدور الكبيرة على الأسماء ذاتها، ومن الدور الصغيرة عدم التدقيق فيما ينشر من الكتاب الصغار أو الذين مازالت موهبتهم في طور التكوين فتكون النتيجة عشرات من الروايات الضعيفة التي تذوب مثل مكعب ملح في بحر ضخم.
في معارض الكتاب تشترك الدور الصغيرة تحت اسم دار أخرى، وتقوم تلك الدور بعرض الروايات من الدور الصغيرة معها، وبالطبع في كل معرض للكتاب نجد أسماء كتاب جديدة وعشرات العناوين ولكننا نحن القراء نضطر الي أن نقتني كتب الكبار، فتكون النتيجة انطفاء تلك الدور بكاتبيها.
كانت لي تجربة مع إحدى تلك الدور، أصر صاحبها أن أعطيه رواية، لم أكن متخوفًا منه بل كنت أثق فيه تمامًا، واتفق معي الرجل أن يقوم بنشرها وعمل دعايتها بشكل جيد، وبالفعل خرجت الرواية للنور، ولكن كانت الكارثة، فالناشر الذي وثقت به لم يطبع سوى خمسين نسخة فقط، وبعد ذلك تعرض لأزمة مالية طاحنة، اضطرته لأن يغلق الدار ويلقي بالرواية في الطريق.
هذه التجربة تعلمت منها الكثير، فما أنفقته من تعب أثناء كتابة الرواية ضاع بسهولة بسبب ثقة زائدة وعدم تقدير للوضع، مع رغبة في أن يخرج مولود للنور، ولكنه خرج مبتسرًا وماتت الرواية في النهاية.
دور النشر الخاصة الصغيرة تحتاج إلى وقفة، حتى لا يتعرض المبدعون الصغار الذين مازالوا يتحسسون الطريق نحو الشهرة والإلمام بالكتابة بالإحباط والخيبة من تلك الدور الصغيرة التي تحولهم إلى مجرد يد تدفع المال وفقط.
باب: رواية
في رثاء الرواية (4)
بقلم: أحمد محمد صلاح
المتتبع النهم للروايات يجد سيلًا رائعًا من الروايات التي تصدر بشكل شبه يومي من دور النشر، بل وزاد عدد دور النشر حتى أن السوق وصل الي حالة تشبه التشبع.
دور النشر تنقسم إلى ثلاثة أقسام، دور نشر حكومية أي تتبع وزارة الثقافة، مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة، ومثلها أيضا الإصدارات من الجرائد والمجلات الحكومية مثل كتاب الأخبار والجمهورية والأهرام وروز اليوسف ودار الهلال، القسم الثاني من دور النشر هو الدور الشهيرة الخاصة وهي لا تقوم بالمخاطرة باسمها الذي صاغته علي مدار عشرات السنوات فتنتقي المشاهير من الكتاب أو الروايات الجيدة التي تتوسم في كاتبها أن يحقق مبيعات جيدة وأن يظل اسم الدار متربعا في خانته.
أما القسم الثالث وهو الأخطر، وقد شبهتها يوما بدكاكين الثقافة، وهي دور نشر تقوم بطلب مساهمة من الكاتب (بدل نشر) قد يصل في بعض الأحيان الي مبالغ طائلة، لمجرد القيام بتصميم الغلاف وتنسيق الرواية ومراجعتها لغويًّا، ثم بعد ذلك تقوم بطباعة عدد محدود للغاية من النسخ التي تتوه بالطبع وسط أساطين النشر في هذا المجال ويكون الخاسر الوحيد هو المبدع الذي يفرح بوجود رواية بين يديه ولكن لا يجد من يقرأها.
هذه الدور تقم باستصدار أوراقها بأنها شركة للدعاية والإعلان والنشر، وتتخذ من إحدى الشقق المؤجرة مقرًّا، وتبدأ في اصطياد ـ إن صح التعبيرـ زبائنها عبر الإنترنت، ثم في النهاية تحقق مكاسبها من تلك المساهمة التي يدفعها الكاتب، فإذا علمنا أن تلك الدور تقوم بالطباعة في أرخص الأماكن فهي حتما تحقق مكاسب جيدة.
القسمان الأول والثاني يقومان بقراءة العمل الإبداعي جيدًا، من خلال لجنة متخصصة من النقاد والأدباء، ووضع رأيهم مكتوبًا، ثم يحرر عقد واضح بين الدار والكاتب تلتزم فيه تلك الدور بموعد محدد للنشر والتوزيع والإعلان وغيره من الدعاية للكتاب والكاتب.
أما الدور الأخرى فتستغل حالة الشبق لدى الكتاب الصغار ورغبتهم في نشر إبداعاتهم حتى ولو كانوا يتعلمون الكتابة، فتقوم بطبع الكتاب الذي يخرج في كثير من الأحيان ضعيفا مما يسبب للكاتب حالة إحباط.
أذكر في بداية كتاباتي أنني قد جمعت عددًا من القصص القصيرة في ملف، ذهبت به إلى أحد الناشرين، كنت صغيرًا للغاية، وكنت أحسب نفسي عبقريًّا للغاية، رفض الناشر القصص وشعرت بالإحباط، ولكنني بعد ذلك فهمت، فلو كان هذا الناشر قد قام بطبع ما كتبت ثم وجدت نقدًا قاسيًا وأنا في تلك السن الصغيرة فمن المحتمل أن أترك فكرة الكتابة تمامًا، وبعد ذك شكرته على موقفه معي.
مسألة النشر الآن بهذا المنطق لها شقان، أحدهما إيجابي وهو وجود وفرة في الكتابات، وزخم بين المبدعين، وتنوع جيد في الأفكار، أما الشق السلبي فهو اقتصار النشر من الدور الكبيرة على الأسماء ذاتها، ومن الدور الصغيرة عدم التدقيق فيما ينشر من الكتاب الصغار أو الذين مازالت موهبتهم في طور التكوين فتكون النتيجة عشرات من الروايات الضعيفة التي تذوب مثل مكعب ملح في بحر ضخم.
في معارض الكتاب تشترك الدور الصغيرة تحت اسم دار أخرى، وتقوم تلك الدور بعرض الروايات من الدور الصغيرة معها، وبالطبع في كل معرض للكتاب نجد أسماء كتاب جديدة وعشرات العناوين ولكننا نحن القراء نضطر الي أن نقتني كتب الكبار، فتكون النتيجة انطفاء تلك الدور بكاتبيها.
كانت لي تجربة مع إحدى تلك الدور، أصر صاحبها أن أعطيه رواية، لم أكن متخوفًا منه بل كنت أثق فيه تمامًا، واتفق معي الرجل أن يقوم بنشرها وعمل دعايتها بشكل جيد، وبالفعل خرجت الرواية للنور، ولكن كانت الكارثة، فالناشر الذي وثقت به لم يطبع سوى خمسين نسخة فقط، وبعد ذلك تعرض لأزمة مالية طاحنة، اضطرته لأن يغلق الدار ويلقي بالرواية في الطريق.
هذه التجربة تعلمت منها الكثير، فما أنفقته من تعب أثناء كتابة الرواية ضاع بسهولة بسبب ثقة زائدة وعدم تقدير للوضع، مع رغبة في أن يخرج مولود للنور، ولكنه خرج مبتسرًا وماتت الرواية في النهاية.
دور النشر الخاصة الصغيرة تحتاج إلى وقفة، حتى لا يتعرض المبدعون الصغار الذين مازالوا يتحسسون الطريق نحو الشهرة والإلمام بالكتابة بالإحباط والخيبة من تلك الدور الصغيرة التي تحولهم إلى مجرد يد تدفع المال وفقط.