القاهرة 11 فبراير 2021 الساعة 03:21 م
بقلم: علي سرحان
"قلد آبائك الذين سبقوك.. فالنجاح أساسه المعرفة. انتبه! الكتابة هي التي خلدت كلماتهم.. افتح ثم اقرأ ما كتبوه وقلد ما صنعوه فالخبير من تعلم".
إن تفسير التعبيرات والأساليب والأقوال والهتافات الدراجة التي كانت تجري على طبقات الشعب المصري فهي تعتبر نوعًا من أنواع الآدب المصري القديم ويجب مناقشتها مناقشة تضم الشمول والإحاطة في معالجة كل مظاهر الحياة اليومية للمصري القديم من تاريخ وجغرافيا، فإن تلك المقالة تتناول رصد وتحليل وتفسير التعبيرات، هذا بالإضافة الى أغانيهم الدارجة التي تعينهم على مداومة أعمالهم الشاقة وتذليل ما صعب منها لنستشف منها أحوال تلك الطبقات وتعاملاتهم في نواحي حياتهم اليومية كافة، تشكل اللغة الدارجة جزءًا من الوعي الثقافي لطوائف العمال والطبقات الكادحة من الشعب المصري آنذاك وتعد واحدة من أهم المظاهر لهذا الوعي، وإن التمييز بين طبقة المثقفين يستند أساسا على تلك اللغة التي تقوم بدور الأداة أو الواسطة لثقافتهم.
تُعد اللغة الدارجة بمثابة الصلة بيننا وبين ثقافة جماعة العمال والطبقات العادية في تلك الفترة فهي الحيلة الكلية للتقاليد والعادات والأعراف وطرق الحياة لتلك الطائفة الاجتماعية فثقافة تلك الجماعات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنمط لغتها لأنها تعكس نشاطات هذه الطائفة، تكمن الغاية من دراسة موضوع اللغة الدارجة في القيم والمعاني التي تقدمها لنا تلك اللغة لأنها تجسد لنا صورة الإنسان المصري البسيط في تلك الأزمنة القديمة، كما ترسم لنا علاقته بالناس القريب منهم والبعيد عنهم، فهي تشف عن أفكاره وعقيدته وتعبر عن إمكانياته المادية وقدرته على تشكيلها، وتحدد لنا أشغاله وأعماله اليومية.
هؤلاء الناس البسطاء كان من النادر أن نتصل بهم مباشرة لندرة ما خلفوه لنا من آثار عبر آلاف السنين، ولكن هناك شواهد كثيرة غير مباشرة تدل علي سلوكياتهم وحياتهم، كما يوجد القليل من تلك الشواهد التي ناقشها علماء الآثار، إلا إن كان دراستها مذهلة أطلعتنا على بعض من تلك المظاهر من الحياة اليومية وأهم ممارساتهم لتلك الحياة ببساطتها ومرحها .
سهلت الكتابة على المصري القديم عملية التدوين ونقل القصص والأساطير من مصدرها فكانت تلك الكتابة الباعث الأول لقيام تلك الحضارة بكل معانيها وتدل على ذلك ملاحظات "خنوم حتب" عن أسماء أسلافه على إيمانهم بسحر الكلمة المكتوبة وتأثيرها، لقد أصبح ما سجل خالدًا ما لم يحطمه أحد ولقد كان النص المكتوب على الحجر أبقى من المكتوب على الورق البردي فهو الأخلد والأبقى.
سجلت مناظر مشاهد القبور التي حاول المصري القديم تدوين كل ما يتعلق بالحياة اليومية، وكان يصور صاحب المقبرة وهو يراقب الأعمال الزراعية بنفسه، مثل المناظر المسجلة بمقبرة رخميرع بطيبة، تصورة وهو يراقب أعمال الزراعة، والذي كان من ضمن ألقابه "المحبوب من نبري" وهو إله الحبوب في مصر القديمة.
أيضا سجلت المناظر المسجلة بمقبرة "باحري" بالكاب مناظر الزراعة ويراقب "باحري" مواسم الحصاد والأنشطة الحقلية والدورة الزراعية حيث كانت حُسن إدارة الاراضي إحدى منجزات القدماء العظيمة.
تناولت نصوص الدولة الحديثة بعضًا من الحرف والأعمال الترفيهية التي كان المصري القديم يقوم بها، كان من أهم تلك الحرف الرياضة والمرح، كما حصل الشاب "نخت" والذي يُلقب بـ"قائد جيش الأرضين" حيث كان يقوم ببعض الألعاب الرياضية والصيد أو في صحبة الفتاة "نزمت: ابنة "جنخسو" التي استولت على قلبه.
وكان الملك أمنحتب الثالث صيادًا عظيمًا حتى أطلق عليه المؤرخون لقب "الرائع" في مجال الصيد وكان أمنحتب الثالث والدا للملك " توت عنخ أمون" وقد كان يفخر بصيد الأسود.
أما بالنسبة لمجال الحكم والأمثال والأغاني الشعبية فلقد دونت تلك المجالات على أوراق البردي وجدران المقابر والمعابد فكرت بردية متاعب الجندية من عصر الدولة الحديثة إذ يقول أحد جنود جيوش الشمس وقد أضناه الحنين إلى أمه أثناء وجوده في أحد الحروب خارج مصر:
"ترُى كيف حال أمي؟ لقد أوصتني أن أحسن القتال، فلا أقتل رجلًا أعزل وأكون مقدامًا فربما يكون لي شأن عظيم في الجندية، طالما إني لن أزرع، وقالت لي ما أن تعود حتى أزوجك فتاةً حلوةً وتنجب الأطفال فقد أصبحت رجلًا" تلك البردية هي نوع من الآدب التهذيبي للجيش المصري الأصيل.
أيضا نجد بردية أخرى وتسمي ببردية الحكيم المصري "إيبور" والتي تؤرخ بعصر الانتقال الأول والتي تصف حال مصر أثناء تلك الفترة المظلمة من تاريخ مصر إذ يقول: "خربت الأشجار وماتت الورقة ما عادت تُثمر وما عادت الأرض تُخرج وانعدمت مصادر العيش خلت القصور من القمح والشعير والطيور والأسماك، لا شيء هنا ولا ثمار ولا عشب ولا شيء سوى الجوع، وها هم أولاد الأمراء ملقون في الشوارع والسجون خربت، والكل هنا عظيم كان أو صعلوك يتمنى الموت، فهل ستنعدم الحياة على الأرض ويتوقف الصخب".