القاهرة 09 فبراير 2021 الساعة 04:17 م
بقلم: د. فايزة حلمي
كيفية الهروب من القفص الذي بناه مفترس عاطفي
طوال حياتنا؛ نبني علاقات تدعونا لتقديم أفضل ما في أنفسنا، ولكن يمكننا أيضًا أن نجد أنفسنا منغمسين في علاقات مدمرة تستهلكنا، حتى ينتهي بنا الأمر؛ بتدميرنا من خلال حبسنا في أقفاص بناها مفترس عاطفي.
مثلما توجد حيوانات مفترسة في الطبيعة تقضي على الآخرين الذين هم أضعف منها، يمكننا أن نواجه ظاهرة مماثلة في البشر، لا يتغذى هؤلاء المفترسون العاطفيون على الأشخاص الأضعف، لكنهم بدلًا من ذلك؛ يتغذون على أولئك الذين يمتلكون هدية يُحسَدون عليها.
لمحة عن مفترس عاطفي
حياة المفترس العاطفي هي لعبة استراتيجية ذات أهداف أنانية، على الرغم من أن كل مفترس عاطفي له خصائصه الخاصة، يبدو أنهم جميعًا يتشاركون في سلسلة من الخصائص:
إنهم سادة التنكّر
المفترس العاطفي هو سيد التنكر، الذي يمكن أن ينتشر عَبر جميع الأعمار والأجناس والطبقات الاجتماعية، واستراتيجياتهم أكثر فاعلية مع أقرب العلاقات الشخصية، مثل تلك التي مع شريك، مثلما يمكن للحرباء أن تغير مظهرها ليناسب ألوان محيطها، فإن المفترس لديه أيضًا هذه القدرة على التكيف، بحيث يلحق ضررًا بالغًا بالضحية دون أن يلاحظه الناس من حولهم.
يمتصون الطاقة من الآخرين
إنهم أناس متعطشون للطاقة التي يمتلكها الآخرون، منغمسون في عالم من الكراهية والاستياء تجاه أولئك القادرين على الإحساس والتألق.
ضحاياهم هم أناس طيبون وسعيدون وصادقون يتمتعون بالحيوية والحماس الكبيرين، أولئك الذين يظهرون سمات يفتقر إليها المفترس العاطفي، ويحسدهم لأنهم يمثلون كل ما هو غير قادر على أن يكونه، وهذا هو سبب شعورهم بالحاجة إلى هدم وإبادة وإهانة وتدمير أي شخص يذكّرهم بذلك.
إنهم غير قادرين على الشعور
السمة الرئيسة للمفترس العاطفي هي عدم قدرته على التواصل بمشاعره، بسبب عدم وجود اتصال عاطفي بين عقله وعواطفه، عادة ما يبدأ هذا النقص في التناغم منذ سن مبكرة، وهذا هو السبب في أن المفترس تكيف معه ولا يرى أنه خلل وظيفي.
نجد العديد من حالات الانفصال هذه؛ أصلها في الطفولة، عندما شعروا بالإرهاق من مشاعرهم الخاصة، وانفصالهم عنها كآلية دفاع، لذلك اختفت عواطفهم من العالم وترُكوا مع الفكر، وهو نفس المنطق الذي بموجبه يتم التسليم بأنه يمكن معاملة الناس كأشياء من أجل تحقيق أهدافنا.
يرفضون أنفسهم
يشعر المفترسون العاطفيون برفض قوي ونفورمن أنفسهم؛ بسبب عدم قدرتهم على الشعور، والاختباء وراء قناع حتى لا يتم الكشف عنهم.
يشعرون بالارتباك والاختلاف، وفي كثير من الحالات؛ مثل ضحايا مصيرهم بطريقة ما، فهم يفهمون أن الطريقة التي يعاملون بها الأشخاص الآخرين؛ هي مجرد تكرار للمعاملة التي تلقوها.
إنهم ممثلون رائعون
إنهم لا يشعرون، لكنهم يُظهِرون غير ذلك، استراتيجيتهم متعمدة ومخادعة، وتمشي دون أن يلاحظها أحد بين كل من حولهم.
بداية؛ يغوون ضحاياهم من خلال التقارب ومضي الوقت، فيما بعد؛ يتمكنون من التأثير عليهم، وفي النهاية ينتهي بهم الأمر بالسيطرة عليهم؛ وحرمانهم من كل الحرية والاستقلالية، عملية معقدة وصامتة؛ ينشئون فيها استراتيجية شبكة عنكبوتية لمحاصرة ضحاياهم.
كيف نحدد أن لدينا علاقة مع مفترس عاطفي؟
يمكن للضحية الحفاظ على علاقة مع مفترس عاطفي لفترة طويلة جدًا دون أن يلاحظ ذلك أبدًا، في بعض الأحيان؛ لا يعرفون ذلك حتى يشعروا بالاستنزاف العاطفي ويشعروا أنهم فقدوا جوهر ما كانوا عليه من قبل.
من أجل معرفة ما إذا كنت منخرطًا في هذا النوع من العلاقات السامة، سواء كان ذلك مع شريكك، أو أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء، أو حتى في بيئة العمل، فمن الجيد أن تفكر في الأسئلة التالية:
- هل تشعر بالعزلة؟ هل فقدت الاتصال بأحبائك؟ هل لديك مشكلة تتعلق بأسرتك وأصدقائك؟
- هل تغيرت قيمك وطرق تفكيرك؟ هل تعتقد أن هذه التغييرات جعلتك تنأى بنفسك عن الشخص الذي اعتدت أن تكون عليه؟ هل تعتقد أنك فقدت هويتك؟
- كم تقدر نفسك؟ هل تشعر أنك مليء بالذنب؟ هل تخاف من التعبير عن نفسك أو إبداء رأيك؟
إذا وجدت نفسك منعزلًا بدون أي دعم عاطفي تلجأ إليه، وتغيرت قِيَمك، وتخشى التعبير عن نفسك، ورؤيتك لنفسك سلبية، فقد تكون لديك علاقة مع مفترس عاطفي.
الهروب من القفص العاطفي
الهروب من قبضة مفترس عاطفي؛ ليس بالمهمة السهلة، لا سيما لأن الخوف وانعدام الأمن والشعور بالذنب تمكنوا من الإقامة داخل الضحية بطريقة عميقة للغاية، لم يعد الضحية هو الشخص الذي اعتاد أن يكون عليه وسيتعين عليه إعادة هيكلة أفكاره وعواطفه.
يتكون التحرر من هذا الموقف، قبل كل شيء؛ من عملية بطيئة تكون فيها المساعدة المهنية أمرًا لا مفر منه؛ من أجل التعافي.
- الوعي هو الخطوة الأولى لتحرير نفسك؛ من أجل الهروب من هذا الفخ؛ الذي يجب على الضحية أن تلاحظه، من الممكن ألا يدركوا أن الموقف خطير أو أن قضبان الذنب الحديدية؛ قد تكون قوية جدًّا بحيث لا تسمح لهم برؤية مَخرج.
- يجب على الضحية تحديد عملية الافتراس العاطفي، التي تجعلهم يشعرون بالمسئولية والذنب خلال الصراع؛ حتى يتمكنوا من وضع كل طاقاتهم في إنقاذ أنفسهم، عليهم أن يفهموا أنه يجب عليهم حماية أنفسهم ولهذا، يجب عليهم التوقف عن التبرير للمعتدي.
- مجرد أن يكون الشخص على دراية بالموقف الذي وقع في شباكه، فإن البحث عن شبكة دعم أمر أساسي، وإعادة الاتصال بشكل خاص مع هؤلاء الأشخاص الذين اعتادوا أن تكون لهم روابط عاطفية قوية معهم والتي قطعها المفترس، يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص بمثابة الدعم العاطفي الذي يحتاجه الشخص؛ لمساعدته على تحرير نفسه من قفصه.
- يصبح الذهاب إلى أخصائي لا غنى عنه في هذه الحالات، يميل الضحية إلى مواجهة صعوبات في الهروب وعندما يفعل ذلك، يدرك أنه لم يعد نفس الشخص. إنه يراكم معاناة هائلة مصحوبة بمشاعر الذنب والخوف، ويمكن للمعالج النفسي أن يساعدهم على طول الطريق؛ ليجدوا أنفسهم مرة أخرى، وفي إعادة تأسيس رفاهيتهم واستقلاليتهم الشخصية.
قد يكون من الضروري حتى أن تتدخل السلطات لحل هذا النوع من الصراع، ومع ذلك؛ قد تكون هناك تعقيدات عندما يُطلب منهم إثبات يوضح الحقائق، حيث يصعب إثبات الإذلال والتخويف والجرائم، لهذا؛ يُقترح أن يحتفظ الضحايا بجميع أنواع الوثائق والمحفوظات التي يمكن الاعتراف بها كدليل.