القاهرة 09 فبراير 2021 الساعة 03:55 م
بقلم: أحمد صلاح
أسير بين أرتال الكتب في سور الأزبكية، أصبحت وجهًا معروفًا للتجار وأصحاب المكتبات، دائما ما أقابل صيحات الترحيب ودعوات شرب الشاي منهم وسؤالي عما أريد من الكتب، بل إن بعضهم قد عرف مزاجي، فأصبحوا ينادونني بأنهم يحتفظون لي بكتابات المؤلفين الذين أحرص على اقتناء أعمالهم.
كنت كثيرًا ما أقابل شعراء وكتاب كبار، بل وأكاديميين في مجال النقد، والفنون التشكيلية وموسيقيين وغيرهم، ما كان يتعبني هو فقط الازدحام الشديد وموقع سور الأزبكية بين محطة مترو العتبة وبين الباعة الذين يبيعون بجوار كل شيء.
وطلبت من أحد أصحاب المتاجر أن يجهز لي عددًا من الكتب التي أبحث عنها، اتصل بي يخبرني أنه قد حصل على بعضها، ذهبت إليه وجلسنا أمام متجره أطالع الكتب وهو يعد الشاي ثم سألني بهدوء: لماذا لا تقرأ روايات الرعب؟
كانت المناضد أمام كل متاجر الكتب تحمل فوق وجهها روايات مرعبة، تفنن مصممو الأغلفة في رسم وجوه مشوهة أو حتي مناظر مستقاة من أشد الكوابيس رعبًا، مططت شفتيّ قائلًا إنني لم أجرب قراءة مثل هذا النوع من الروايات وأعتبرها مثل أفلام الرعب التي تلقى بعض الرواج في بدايتها وأيضا نوعية معينة من المشاهدين.
أمّن الرجل على كلامي وهو يعطيني كوب الشاي قائلًا إن معظم من يشتري هذه الروايات بالفعل هم الشباب الصغار، بل إن كُتّاب تلك الروايات يحظون بشهرة لديهم كبيرة، وينتظرون صدور روايات الرعب بفارغ الصبر، ابتسمت ونحن نشعل السجائر، فأردف.. إن سوق الكتب يتحمل مثل هذه الكتابات بشكل جيد ونصحني أن أجرب بقراءة بعضها.
لا أعلم ما الذي يجعلني أنفر من تلك الظاهرة، أو هذا الفرع من الأدب ـ إذا أسميناه مجازًا أدبا ـ فالروايات أما اجتماعية أو بوليسية أو روايات أجيال أو فلسفية أو فانتازيا أو سياسية أو تاريخية، وقد أكون نسيت فرعًا أو اثنين، أما الرعب فقد استهوى العديد من الكُتّاب بعد أن وجد نجاحًا كبيرًا لهذا الفرع وخاصة في مجال المبيعات، فاتجه الكثيرون نحو هذا النوع من الكتابات رغبة في تحقيق عائد مادي وشهرة.
لا أخفي سرًّا أنه أثناء الحوار مع تاجر الكتب الذي كان مدافعًا عن هذا النوع من الكتابات قال إن بعضًا من أحداث تلك الروايات تدور حول أمور حقيقية، وحكايات حدثت بالفعل، بل إن بعضها ذكر في التاريخ وفي كتب السحر التي تذخر بها المكتبة العربية، وما فعله هؤلاء الكتاب أنهم قاموا بإعادة صياغة هذه الأحداث في قالب روائي مثلما يفعل كتاب الرواية التاريخية هم فقط يعيدون صياغة الأحداث.
بالطبع قد يكون للرجل منطقٌ مقبولٌ، فما الضير من صياغة الأساطير مرة أخرى، أو إعادة تدوير مخاوفنا التي كانت تُحكى لنا في صغرنا، الأمر مقبول، إذا فلأشتري أحدها وأكثرها شهرة ولأضحي ببضع جنيهات أخرى للتعرف على هذا النوع الأدبي المجهول بالنسبة لي، وحتى وبعدما قرأت عددًا لا بأس به من هذه الروايات.. مازلت لا أستطيع أن أضع حكمًا محددًا على هذا النوع من الكتابة.. قد أضع الحكم بعدما تعذبني إحداها!