القاهرة 09 فبراير 2021 الساعة 08:55 ص
كتب: حاتم عبد الهادي السيد
أبناؤنا قرة أعيننا؛ عيوننا التى نرى بها الحياة؛ وحين نفقد أحدهم؛ فإنما يسبقنا إلى الجنة؛ نحزن، نبكي بالدموع لفراق الأحبة؛ لكننا في النهاية نعود من جديد من أجل أن تستمر الحياة.. هم عصافير الجنة، ينتظروننا هناك؛ ويخففون عنا الذنوب؛ ونذكرهم دوما بكل خير؛ وهذه سنة الله في خلقه، الموت؛ الشهادة، الحب والدموع.
إنه كتاب الحب عبر دموع الرثاء؛ سجله الشاعر الرائع أشرف عزمي، في تخليد روح ابنته الجميلة شذى؛ وأعده وأشرف على إخراجه الشاعر الجميل السعيد المصري، وكتبه أصدقاء الشاعر في رثاء المحبوبة ابنته؛ ابنتهم؛ ابنة الخلود والحب والنور، تسبق والديها واخوتها إلى الجنة هناك.
يقول الشاعر أشرف عزمي في مقدمة الكتاب: "كلما خاطبنى أخي وصديقى الحبيب الشاعر السعيد المصرى أن أعجل في كتابة مقدمة لهذا الكتاب التذكاري، كي ننتهي من طباعته، فرحت أجمع قواى وأتأهب للكتابة؛ ولكني سرعان ما أفر من الكتابة فاقدا القدرة على إكمال جملة أو جملتين، فبالله عليكم كيف ومهما امتلكت من البلاغة والفصاحة في القول، أن أقدم مقدمة لكتاب في رثاء ابنتي الفقيدة؛ إن الأمر يبدو في غاية الصعوبة؛ وغاية في الألم".
بهذه الكلمات المملوءة بالدموع يكتب الشاعر أشرف عزمي المقدمة بعد إلحاح من الشاعر السعيد المصري معد الكتاب، ليظهر كتاب "شذى ملاك عابر" ليخترق قلوبنا، وأفئدتنا، فإبنته هى نور عيوننا جميعا.
لقد قسم السعيد المصري الكتاب إلى مقدمة، وكلمة شكر من أشرف إلى الصديق والصحفي والإعلامى الجميل محمد عبدالسميع مدير تحرير مجلة "الحيرة من الشارقة" والصديق الأعز الذى واساه في محنته الكبيرة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: قسم للكتابة النثرية في رثاء ابنة الشاعر؛ وقد تصدرت مقالات الرثاء د. محمد السيد اسماعيل: "الجميلة التى سبقتنا إلى الجنة"؛ كما كتب الصحفى القدير محمد عبد السميع مقالا: "ما تزال خطواتك تسبقك إلينا"؛ يقول: "أخي العزيز؛ سلام على روحها الطاهرة؛ وهي تأخذ قلوبنا معها، وتشعل فينا الأحزان التي لا يطفئها غير لجوئنا إلى الله وطلب الصبر من عنده، إنه على كل شىء قدير.. أيتها الغالية على قلبي: شذا.. لقد كنت فعلا الشذى الذي نتنسمه في كل أركان البيت، وفى كل مكان، كانت خطواتك فيه تسبقك إلى أهلك الكرام؛ الذين يعيشون اليوم على ذكراك يانبضهم الذي سيظل يسري في عروقهم في كل وقت وآن".
وجاء القسم الثاني عن قصائد الفصحى التى كتبت في حفل تأبينها إلى الجنة؛ وكتب الشعراء أجمل قصائد الحب لشذا ولأسرتها، في عودة لتراثنا العربي لإحياء فن الرثاء الإنسانى النبيل، وتبارى الشعراء، وتصدرت قصيدة والد الفقيدة المشهد، حيث يقول أشرف عزمي:
"شذى/ أيتها الملاك العابر /سبعة عشر ربيعا / منحت من حولك/ حكمة وتأملا / لم نكن ندرك / طيبتك / هدوءك / ملامحك الملائكية /هدية الله لنا / كيف أخبرك عن الدنيا بعدك / لم تعد الأشياء / بذات البهاء السابق / لم يعد للصباح / بكارته ونداه / لم تعد للسماء / زرقتها المعتادة / صفاؤها / بريق النجوم / دفء الشمس ونورها / محاكاة القمر / وإلهامه / لم تبق الأشياء كما هي / أو بالأحرى / لم تعد تحرك شعوراً لدىّ.. / هل لدىَّ شعور بعدك / يا ابنتى؟!".
ثم أتبعها بقصيدة انشطار، التى تعبر عن حالته تجاه قرة عينه ونورها.
وحفل القسم الثاني من الكتاب بقصائد كبار شعراء الفصحى في مصر والوطن العربى؛ وتنوعت القصائد بين: "فن المواساة"؛ والرثاء، والحديث عن الطفولة والحب؛ ومنهم: ناجي عبداللطيف (مصر)، مليكة التليلي (تونس)، السيد حسن (مصر) ، هالة العكرمي (مصر) ، أيمن عبدالرحيم سليم (مصر)، سناء شمة (العراق)، حاتم عبد الهادي السيد ( مصر)، أميرة عبدالعزيز (فرنسا)، محمود حسن عبدالتواب (مصر)، فريزة محمد سلمان (مصر)، صفوت راتب ( مصر )، ربى محمود بدر ( سوريا)، مليكة بن قالة ( الجزائر)، فوزية شاهين (مصر) .
وحفل القسم الثالث من الكتاب بقصائد كبار شعراء العامية في مصر؛ الذين عبروا عن نبض الريف والمدينة؛ القرية، والنهر، الحلم والواقع؛ ومنهم: إبراهيم رضوان (الدقهلية)، مسعود شومان (القليوبية)، يسري حسان (القاهرة)، السعيد المصري (القاهرة)، أبو الخير بدر (دمياط)، د. منى حواس (الفيوم)، مصباح المهدي (القاهرة)، إيمان مصطفى (المنصورة)، مصطفى مقلد (كفر الشيخ)، تيام الشافعي (الغربية)، محمد على النجار (الدقهلية)، هيثم منتصر (الشرقية)، كارمن رحال (بيروت)؛ حسن المالح (دمياط)، عبدالحميد الشنتوري (مصر) محمود السماني (الخرطوم/السودان)، نادية لطفي (مصر) ، رضا عبدالوهاب (مصر)، ندى بوحيدر (طربية/لبنان)، قدورة العجني (مطروح)، هنادى المنصورى (الشارقة/الإمارات)، رضوان المنيعث (شمال سيناء)؛ مروة سويلم (العريش)، أبو الفتوح البرعي (المنيا)، أحلام أبو نوارة (المنيا)، ثم الشاعر القدير أحمد حافظ ( مدرس شذى)؛ ثم تجىء الخاتمة الجميلة لهذا الكتاب المفعم بالحب والحنين والرثاء لنكتشف شذى المبدعة الجميلة وهى تكتب (الخواطر.. القراءات.. وترسم المعاني بالرسوم الملونة الجميلة)، تقول:
"وتأتي لحظات تصبح مجنونا بها، وتتمنى الموت، فقط لأنك لم تعد تستطيع أن تتحمل شدة مرارتها وقسوتها) ... ثم تكمل: (الحياة أحيانا أشبه بفيلم رتيب؛ يحتاج لاكثر من فاصل، للخروج من رتابته".. ثم نراها تختم كلماتها الحكيمة التى تبدو فيها أكبر من أعوامها الصغيرة؛ لكنها وثقت كلامتها بالرسومات؛ تقول في النهاية: "إني أعيش حياتي كلها في ضوء؛ لا أود أن أختبىء وإن أخطأت، وإن فشلت، وإن كان بي خطب، ما لم أمت على ما أؤمن به".. ثم نراها عبر صوفية ابن الرومي تنشد الجمال، والحكمة، وتتغيا الحياة بشفافيتها وجمالها، وحزنها كذلك؛ تكتب: "أحيانا نصل لمرحلة يصبح الكلام فيها مجرد هامش؛ في صفحة امتلأت سطورها" .
إنه الجمال الملائكي، تموت في الضوء، وتتمسك بالقيم والمبادىْ، شامخة كالنخيل، ومضيئة كقلبها الجميل الصغير؛ فالجنة.. الجنةَ؛ إن شاء الله. ولعلنا نختم هنا بجملة من كلامها الأثير : "أرحل إلى أي زمان، وأنتقل إلى أي مكان، مع من أحب". نعم فلقد انتقلت إلى الله؛ من أحبته، ورحلت إلى جنته في هدوء؛ ومحبة؛ وما أجمل أن تضىء كلماتها شموع قلوبنا المضيئة عبر الكون والعالم والحياة.
• ديوان: "شذى ملاك عابر"، إعداد وإخراج السعيد المصري، تقديم أشرف عزمي، دار "شعلة الإبداع" للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، 2020م.