القاهرة 26 يناير 2021 الساعة 10:56 ص
كتب: صلاح صيام
• نجيب الريحاني عشق "الحنطور" وكره السيارة ومات قبل مشاهدة فيلمه الأخير
"لا يصح إلا الصحيح".. ولا يبقى إلا الأصح" عبارة تنطبق تماما على رحلة المبدع نجيب الريحاني الذى آمن بموهبته, ودافع عنها, وعاش من أجلها, فاستقر في قلوب محبيه إلى الآن.
نجيب الريحاني أحد رموزه وعلاماته عبر التاريخ وُلد في 21 يناير عام 1889 بحي باب الشعريَّة بالقاهرة لِأبٍ عراقي كلداني يُدعى «إلياس ريحانة» كان يعمل بِتجارة الخيل , ورحل عن دنيانا في الثامن من يونيو عام 1949، استقر به الحال في القاهرة وتزوج من مصرية وأنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب الذي تعلم في مدرسة الفرير وانضم إلى فريق التمثيل المدرسيّ، وكان مثقفا يحب الشعر القديم وعشق المسرح والفن منذ طفولته, ليهدي إلى الفن مجموعة من الروائع منها على سبيل المثال الأستاذ حمام أو سي عمر، وسلامة أفندى، و كشكش بيه، وغيرها.
عمل نجيب الريحاني في بداية حياته موظفا بشركة السكر في صعيد مصر، وتنقل خلال هذه الفترة بين القاهرة والصعيد وكان لِتجربته أثر كبير على العديد من مسرحياته وأفلامه.
وكان المسرح والفن المصري قبله يعتمد على النقل والترجمة من المسرح الأوروبي، ويرجع الفضل للريحاني ورفيق عمره بديع خيري في تمصير الفن والمسرح وربطه بالواقع والحياة اليومية ورجل الشارع المصري.
عرفناه من خلال أدواره المتميزة والمتنوعة والتي أداها بعبقرية نادرة تجاوزت حدود التمثيل، حتى تراه كتلة من الأحاسيس والمشاعر تمشي على الأرض، وجهه المنحوت يشبه شوارع مصر، ترى في ملامحه المرسومة وجه أبيك وجدك وجارك الطيب، وحين يبكي يبكي الجميع الرجال قبل النساء, وحين يضحك ترى خفة ظل تجبرك على الضحك حتى ولو على همومك وأحزانك.
أحد أهم رواد الفن والمسرح والسينما وأشهر الكوميديانات في التاريخ, من كلماته الخالدة: "عايزين مسرح مصري، مسرح ابن بلد، فيه ريحة الطعمية والملوخية، مسرح نتكلَّم عليه اللُغة التي يفهمها الفلَّاح والعامل ورجل الشارع".
كان هذا هو المبدأ الذى تعاهد عليه الريحاني وبديع خيري الذين اشتركا في كتابة الأعمال المسرحية والسينمائية التى قدماها معًا.
واشتهر الفنان الكبير نجيب الريحاني طوال حياته بعشقه لركوب الحنطور وتفضيله دائما عن ركوب السيارات، حتى أنه كان يصطحب صديقه الشيخ محمد رفعت دائما في نزهة الحنطور وهو ما ذكره في مذكراته، لدرجة أنه لم يقتن سيارة طوال حياته, وكان لذك سر وقصة ذكرها في مذكراته، حيث أشار إلى أنه عام 1913، كان يعمل موظفا بسيطا يتقاضى أجرا لا يتعدى 14 جنيها شهريا، وحينها أخبرته عرافة بنبوءة غريبة كان يخاف منها طوال حياته، حيث قالت له إن هناك تصادمًا سيحدث لسيارة يستقلها وسينجيه الله من الموت.
ورغم ذلك أكد الريحاني أنه ظل طوال حياته يخشى هذا اليوم، قائلا "امتنعت بتاتا عن اقتناء سيارة لنفسي، كما أننى كلما دعيت لركوب إحدى سيارات الغير، أو حتى سيارة تاكسى أتوسل إلى السائق بكل عزيز لديه أن يرحم شباب العبد لله، وأن يسير على أقل من مهله لأني مش مستعجل أبدا.
وتابع الريحاني في مذكراته :"كانت عبارة مش مستجعل".. أقولها دائما كلما ركبت سيارة، حتى ولو كان باقي على القطار الذي سأسافر فيه دقيقة واحدة, وأكد الريحاني أن هذه النبوءة كانت سببا في أنه كان يفضل دائما ركوب الحنطور، قائلا "إنني أفضل دائما ركوب عربات الخيل، لا رفقا بالعربجية بل حرصا على حياتي الغالية، والحنطور فوقك يا أتومبيل".
حياة الفنان الراحل نجيب الريحاني الشهير بالضاحك الباكي مليئة بالحكايات والقصص، والدراما واللحظات الإنسانية, منها قصة دخوله عالم الفن وكيف أحب الفن .
السبب الرئيس في التحاق نجيب الريحاني بالفن كانت قصة حب, فقد وقع فى غرام الفنانة "صالحة قاصين" والذي ارتبط بها قبل اشتغاله بالسينما ولولاها لما كان لدينا نجيب الريحاني الفنان, فهي التي دفعته للعمل في الفن وغيرت مساره من وظيفة متواضعة إلى نجم الكوميديا الأول في مصر.
نجيب الريحاني في مذكراته وصفها بأنها حبه الأول، واكتفى بالتلميح لها قائلا: "مهجة القلب السيدة ص" وهو يقصد بها صالحة قاصين فحب نجيب الريحاني لها أشعل نار الغيرة بداخله، فكان يغار عليها من المعجبين ومن أي شخص يقترب منها، وهو ما تسبب في مشاكل كثيرة بينهما، حتى أنه طاردها في كل مكان تذهب إليه، وذات مرة وجدته يقبل يد امرأة فرنسية فنشب شجار كبير بينهما.
ولم تتوج قصة الحب بين صالحة قاصين ونجيب الريحاني بالزواج بسبب اختلاف الديانة بينهما فصالحة يهودية ونجيب الريحاني مسيحي ووالده "إلياس ريحانة" يعمل بتجارة الخيل وعراقى الجنسية.
قصة ثانية لنجيب الريحاني هي قصة شخصيته "كشكش بيه" التي كانت سببا في شهرته فقد أبدى "الريحاني" تألقا في المسرح ليُعرف باسم "كشكش بيه" ومن أهم مسرحياته "كشكش بك في باريس" و"وصية كشكش بك" و"الجنيه المصري" و"الدنيا لما تضحك" و"الستات ما يعرفوش يكدبوا" و"إلا خمسة" و"حسن ومرقص وكوهين" و"تعاليلى يا بطة" و"مجلس الأنس" و"عشان سواد عينيها" و"المحفظة يا مدام" و"ياما كان في نفسي" وكانت تلك الشخصية هي إسقاط ساخر على ما يحدث في الواقع المصري آنذاك.
وقصة رحيل نجيب الريحاني تحمل كثيرا من الأسى والحزن, ففي عام 1949 دخل المستشفى اليونانية بحي العباسية بالقاهرة، بعدما انتهى من تصوير أخرمشهد له في فيلم "غزل البنات"، وكان قد أصيب بمرض التيفود الذي أثر على صحة رئتيه وقلبه فتوجه للمستشفي وزاره كل فريق عمل فيلم "غزل البنات" ليلى مراد وأنور وجدي وسليمان نجيب ليطلب منهم الريحاني أن يكرروا زيارته فقد كان لديه توقع لنهاية حياته حتى أنه قال لأنور وجدي سيعرض فيلم "غزل البنات" دون أن أراه يا وجدي فقال له أنور وجدي: متقولش كده يا نجيب هتشوفه، ولكن تحقق ما توقعه الريحاني فقد رحل قبل رؤيته لآخر أفلامه .
يذكر أن نجيب الريحاني تزوج من "بديعة مصابني" ثم انفصل بعد ذلك عنها، ليتزوج من الألمانية "لوسي دي فرناي". وأسس «الريحاني» مع صديق عُمره بديع خيري فرقةً مسرحية عملت على نقل الكثير من المسرحيات الكوميدية الفرنسية إلى اللغة العربية، وعُرضت على مُختلف المسارح في مصر وأرجاء واسعة من الوطن العربي، قبل أن يُحوَّل قسمٌ منها إلى أفلامٍ سينمائيَّة.
وشارك الريحاني في بطولة العديد من الأدوار السينمائية من أبرزها "سلامة في خير" و"أبو حلموس" و"لعبة الست" و"سي عمر" و"أحمر شفايف" و"غزل البنات " وأثر أسلوبه في التمثيل على العديد من الممثلين اللاحقين من بعده ومنهم "فؤاد المهندس" الذي اعترف بتأثير أُسلوب الريحاني عليه وعلى منهجه التمثيلي.