القاهرة 12 يناير 2021 الساعة 08:55 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
مشهور وسط رفاقي بأنني قارئ نهم، ودائم الاستيلاء على الكتب، ليس سرقتها بالمعنى المفهوم؛ ولكنه استيلاء برغبة صاحبها، فكان الرفاق يُخبِّئون الكتب عن ناظري، ولا يأمنون جانبي إذا استعرت منهم كتابًا خوفًا ألا أُعيده، حتى رأيت ذات يوم إحدى الزميلات تقرأ في رواية تجاوزت صفحاتها بضع مئات ونيف، وتناولتها من الزميلة أطالع العنوان، ووجلت الزميلة من أن أستولي على الرواية، ثم بدأت أفرّ الورق لأجد أمامي شيئًا عجيبًا، فالرواية كلها بالعامية، مططت شفتيّ وأعدت لها الرواية الضخمة وسط دهشتها ورفع حاجبيها غير مصدقة أنني لم آخذها.
حدث بيني وبين الزميلة خلاف، أنا باعتباري (دقة قديمة) في فن الأدب، أقول إنه يجوز كتابة الحوار فقط في الرواية بالعامية، أما هي فترى أن الرواية فن يجوز فيه التجديد والابتكار والإبداع، وما زاد في لغطنا حينما اتصلت هي بأحد كبار النقاد الذي أيد رأيها قائلًا إن فن الرواية يجوز فيه كل ألوان التجديد.
لا أخفي سرًّا إذا قلت إن لي تجربة روائية بعنوان (أمينة ثقب إبرة على العالم) لم يكن السرد فيها منطقيًّا بل اعتمدت على (الإيهام) وجعلت الرواي هو القارئ، بل بدأت الرواية من منتصفها معتمدًا على الـ (فلاش باك) ليربط القارئ البطل الأحداث، وعرفت أن أحدهم قرأ الرواية أو اطلع عليها فهاله لخبطة الصفحات فذم أمينة ومن كتبها.
يقول د. محمد عبد الله القواسمة إن الرواية فن لغوي يقوم علي السرد والوصف والحوار، وقد درج الروائيون علي استخدام اللغة العربية الفصحى في السرد، ولكن بعضهم جنح إلى استخدام اللغة العامية في الحوار وحجتهم أنها أصدق وأكثر واقعية من اللغة الفصحي في بناء الرواية بوصفها الفن الذي يجمع بين التخيل والواقع، ويعدد القواسمة الكتاب الذين كتبوا بالعامية ومن خلطوا بين العامية والفصحي أو ما يعرف باللغة الثالثة، ومن استمسكوا بعروة اللغة الفصحى في الحوار رافضين تمامًا مبدأ كتابة حوار الرواية بأية لغة غير الفصحى.
أما من يكتب الرواية من أولها لآخرها، حوارها ووصفها وسردها بالعامية، فهو أمر جديد، أفرزه الحكي، واستسهال الفضاءات الإلكترونية التي أصبح كل ما فيها عاميًّا، مع ظهور أجيال جديدة من القراء التي لا تثبت علي مقعدها لتقرأ رواية معقدة اللغة، فتتململ وتمل، إذن فالمسألة أصبحت (سوق) يحتاج البائع فيه أن يقدم سلعة تجد رواجًا لدى المشتري، وهذا ما يحيلنا الي رثاء الرواية في سوق النشر.
وأعتقد أن التجديد في فن الرواية بين السرد والوصف والحوار أمر لا حوار عليه إذا التزمنا بالأساس في فن الكتابة، ومازلت متمسكًا بالدقة القديمة في الكتابة، فالسرد بالفصحى والحوار يجوز أن يكتب بالعامية، أما أن تفقد اللغة هويتها وتضيع من أجل ناشر يريد أن يبيع بضع مئات من النسخ للشباب فهو أمر جلل ولابد من وقفة أمامه.