القاهرة 12 يناير 2021 الساعة 08:39 ص
بقلم : د. هبة سعد الدين
كان خبر وفاة الكاتب والممثل والمخرج والمنتج السوري "حاتم علي"؛ مفاجأة ثقيلة العيار على قلب محبيه ومتابعي أعماله والعاملين في مجال الدراما على مستوى الوطن العربي، فقد كان اسمه كفيلًا بالثقة في العمل على المستويات كافة وافتقاده يعد اختفاءً لمساحة من الدراما التاريخية السورية العربية لم يعد لها وجود؛ خاصة أنه اشتبك مع الماضي بصورة خاصة ومبتكرة وأعاد رؤية الأحداث في معادلة خاصة لا يقدر علي تقديمها سواه، وكانت إجابته عن هروبه من الواقع ومواجهة مشكلاته "أن الماضي يعيد نفسه ويمكننا من خلال تأمله أن نرى الواقع والمستقبل".
توقف قلب حاتم علي يطرح السؤال لماذا يصاب بعض المبدعين الحقيقيين في قلوبهم؟ فقد توقف قلب المخرج المتميز عاطف الطيب منذ سنوات وغادرنا مبكرًا، وها هو الكاتب الكبير وحيد حامد يرحل كذلك بداء القلب مؤخرًا وغيرهم الكثير من المبدعين الذين قدموا فنًّا يصيب قلوبهم بالوجع والتعب وعدم القدرة على الاستمرار!
تألق اسم حاتم علي عربيًّا من خلال مسلسل "التغريبة الفلسطينية" والتي سبقها بمجموعة من الأعمال التاريخية التى مهدت لتلك الأيقونة وبدأها برائعته "صلاح الدين" وانطلق منها نحو (صقر قريش/ ربيع قرطبة)، أعمال جاءت بوجه آخر للتاريخ وإعادة للقراءة والمشاهدة بعد حين من الزمن لنتأمل ما كان بعيون متوازنة قادرة على الرؤية والتحليل والاستنتاج، ثم جاء للجمهور المصري بمسلسل "الملك فاروق" ليعيد إلى الأذهان فترة مهمة من عمر الوطن ويسعى بصورة ما لإعادة "الرؤية" من جديد لنفكر بصورة متكاملة علنا نصل لحلول لذلك الواقع، ولم يخشَ عش الدبابير فكان مسلسله "عمر" الذى أُعيد تقديمه كفيلم مختصر، فقد كان حريصًا من خلال أعماله أن يبتعد حتى يرى، ويصنع عودته الخاصة لذات المكان والتاريخ، ليكشف الستار عن التفاصيل والمشاعر والشخصيات وكل مادفع بالأحداث نحو ما كان، ذلك العمق في شخصيته جعله يبعث بالماضى من جديد.
لذلك ليس غريبًا أن يكون آخر أعماله "أهو ده اللى صار" للكاتب عبد الرحيم كمال الذي مزج في هذا العمل بين الأزمنة فأعاد إنتاج واقع جديد، ذلك ما جعل المخرج حاتم على يقول إنه وقع في غرام "الورق" وقدمه كجراح ماهر يمسك بالمشرط في جراحة قلب مفتوح، يدرك أن ميل المشرط قد يؤدي إلى كارثة ليسير طوال الأحداث على الحبل بحرص وكأنه لاعب أكروبات فأي قدر من الإخفاق سيوقع به في هذا الجانب نحو النار أو فى الآخرنحو الماء وكلاهما نهاية للحياة، ولا سبيل لديه سوى خوض الرحلة حيث النجاة.
بقدر نجاة الأعمال التي أخرجها حاتم علي؛ إلا أنها تركت آلامًا وجراحًا لا تراها العين المجردة، وجمعت بينها المسافات حتى صار قلبه لايحتمل كل هذا، ليغادرنا بعد اللوحات الدرامية الجميلة التى باحت لنا بما عاناه قلبه الرقيق.