القاهرة 12 يناير 2021 الساعة 08:24 ص
كتب: أحمد مصطفى عمر
في رواية "صالة أورفانيللي" يعود أشرف العشماوي إلى فترة حكم ما قبل ثورة 1952، حيث القاهرة الخديوية وبريق مجتمع المال والسلطة والمو?امرات والجريمة، حيث كان اليهود جزءًا من المجتمع المصري، وكانت لهم أياد خفية في مجتمع المال.
تقود مصادفة غريبة "أورفانيللي" الشاب اليهودي المصري المنحدر من أصول ا?يطالية، ليشارك صديقه "منصور التركي" في صالة مزاد، لن تلبث أن تقلب حياتيهما رأسًا على عقب بفعل لعنةٍ ما، لتتبدل مصائرهما بعدها للأبد وبوتيرة لاهثة من الا?حداث والتحوُّلات، قبل أن تظهر شخصية ثالثة تربط بين الاسمين، لنصبح أمام ثلاث شخصيات رئيسة هي أضلاع مثلث رواية أشرف العشماوي المنتظرة "صالة ا?ورفانيللي."
سلسلة من الجرائم الغامضة المتلاحقة، رسائل غريبة، فاعل مجهول، تشابُك معقد بين كواليس صالة المزاد وكواليس المشهد المصري اجتماعيًّا وسياسيًّا، وصولًا لخبايا كواليس الحكم نفسها في خمس حقب من السلطة، يشملها زمن روائي شاسع وممتد من أوائل القرن العشرين وحتى سبعينياته فترة حكم السادات.
إنها رواية تستلهم التاريخ المصري القريب وتعيد قراءته؛ لنتعرف على مجتمع غامض ومليئ بالمؤامرات والمغامرات التي كانت تحكم عالم الشهرة والمال.
ويتضافر التاريخي مع البوليسي لنقرأ حبكة بوليسية درامية محكمة، ونتعرف على مجتمع "صالة ا?ورفانيللي" وما يدور فيها من مزايدات على الأعمال الفنية.
ثلاث شخصيات رئيسة تروي حكاياتها، تقدم الوقائع عبر وجهات نظر مختلفة تمنح القاري? رو?ية بانورامية للا?حداث والوقائع.
لن تكتفي الشخصيات الثلاثة بسرد الحكاية، لكن كلًا منها تقلب ما ظنناه الحقيقة مرة بعد مرة، لتقدم حقيقة جديدة ولتزيح الستار عن تفصيلة غائبة تجعلنا نعيد ترتيب الا?حداث من جديد كلما ظننا أنها استقرت ولم تعد تحتمل التكذيب أو التشكيك، وكأننا نشهد الأحداث لحظة وقوعها ونكتب الرواية رفقة أبطالها. وفضلًا عن الشخصيات الرئيسة تنهض العديد من الشخصيات التي لا يمكن وصفها بالثانوية، حيث تلعب أدوارًا فاعلة وحاسمة في تحريك الصراع وتشكيل الحدث ما يجعلها قادرةً على البقاء للا?بد في ذاكرة قارئها.
في "صالة أورفانيللي" تتشابك العلاقات فيما بينها وتتعقد حتى يظن القارئ أ?نه يستحيل فكها، لنفاجأ بخيط رفيع يربط بينها في نهاية كل جزء من ا?جزاء الرواية، يجذبه المو?لف برفق كل مرة لنجد أنفسنا أمام تحولات درامية جديدة مُربكة، وأحداث متسارعة شديدة الغموض، تتسلل عبر النص بسلاسة فائقة لتعرية سلوكيات مجتمع تعامل بعض أفراده في علاقاتهم الا?نسانية بنفس طريقة مزايدتهم على قطعة فنية غالية، لكن لا أحد يخسر دائمًا، ولا يوجد فائز للنهاية.
بقراءتك لهذه الرواية ستتعرف على خبايا المزادات، هذا العالم الغامض الذي سيطر عليه اليهود المصريون من بدايات القرن الماضي وحتى ما بعد قيام ثورة يوليو، ستقرأ وكاأنك ترى كل الحيل وطرق الخداع ونوعية الزبائن وانفعالاتهم، لتكتشف جانبًا من حقيقة الوجوه المدفونة خلف الأقنعة.
ولن يغيب عن العشماوي في خضم هذا التشابك السردي تحليل أسئلة الواقع والعالم والنفس الا?نسانية، واستخلاص الأفكار العميقة من تُربة الحدث، بحيث تكون المحصلة رواية شديدة الحيوية يسكنها التأمل.
"صالة أورفانيللي" ليست فقط رواية التاريخ، ليست فحسب تلويحة للماضي أو مساءلة له أو حتى محاكمة جديدة لعدد من وقائعه، لكنها في عمقها رواية الحاضر، وسو?ال مفتوح مثل جرح على المستقبل، حيث تنعكس تناقضات لحظتنا على مرايا جميع ما فات.