القاهرة 29 ديسمبر 2020 الساعة 11:26 ص
قصة: أحمد دسوقي مرسي
قلبى يخفق فى رجاء.. الأمل يراودنى كالماء فى الصحراء.. أمعقول هذا؟ النحس أصدق أصدقائى يقرر فى النهاية قطيعتى وخصامى والحظ... الحظ الطيب النبيل يعود إلي من أرض التيه ويقرر صداقتى ويقود خطاى أمعقول هذا؟
هـــــــــل سأعوضك يا أمى عن أيامك العجاف بأيام تنسين فيها كل أيام الفقر والحرمان.. آه يا رب.. دموع الفرح و الرجاء تملأ عيني.
يعلو صوت صارخ بين همهمة الأصوات:
- يا بركة دعا الوالدين.. يا رب هون؟
ابتسمنا جميعاً قلوبنا باركت الدعاء.. التمورجى ينادى على أحدنا من ورقة فى يده.. الأصوات العالية تخفت همهمات تنطلق.. زميلنا يشق بجسده و يديه.. طريقه المحفوفة بالأجساد يهتف به صوت عابث:
توكل على الله يا أستاذ شد حيلك كلنا لها.. لماذا أنت خائف؟
تبسم الزميل فى مرارة ويده تدفع بالأجساد من حوله.. صوت التمورجى كالسوط الغليظ يحثه على الإسراع و يدخل ويمشى فى الصالة الطويلة و يختفى عنا فى الحجرة البعيدة.. آه قلبى بلغ حنجرتى أنا مضطرب العيون كلها تنظرنى وتجردنى، صرخت فى صوت مخنوق رزين:
نعم..
ورفعت يدى مشيراً بها نحو التمورجى
لو تسمح يا أستاذ..
جسدى المترنح يسبح بين الأجساد.. قدماى تمضيان فى اضطراب بين أحذية الواقفين فى استماته... التمورجى يصرخ فى شخصى:
أسرع يا أستاذ أسرع؟
جلست على الكرسى..
لماذا أنا مضطرب؟
تناول التمورجى ورقة مقواة غطى بها عينى اليسرى.. وقف الطبيب فى معطفه الأبيض يمسك بيده بمؤشر طويل.. حط الآن به قريباً من علامة
هتفت فى عجلة:
فوق
أزاح المؤشر. علامة أخرى تواجهنى وتطالبنى بحل سريع..
- تحت
- يمين
- شمال
الورقة الآن تحجب عينى اليمنى المؤشر يهبط فى ثقة ماكرة إلى العلامات السفلى.. طرفه المدبب يتلكأ عندها حدقت النظر مليا.. زلزال عنيف يرج صدرى.. الحلقات الملعونة تنغلق على نفسها فى دوائر تبدو كفوهات البنادق مصوبة إلى عينى.. يدى تمتد فى حركة لم أقصدها إلى منظارى تعدله.. صراخ الطبيب يفزعنى :
يعاد الكشف بعد عمل نظارة قانونية.. تفضل؟
وقفت أترنح.. تقدمت إليه:
ولكن نظارتى قانونية يا دكتور.. أنا كشفت عند الدكتور ".........."
أشاح عنى بوجهه:
- تفضل يا أستاذ لا تضع الوقت أرجوك، غيره..
أمسك التمورجى بيدى وشدنى إلى خارج الحجرة..
- تفضل وأفسح لغيرك بالدخول؟
حاولت تخليص نفسى منه..
النظارة قانونية والله العظيم أنا كشفت عند الدكتور " .........."
يده الغليظة دفعت بى خارج الحجرة..
مبروك يا أستاذ.
ألتفت إلى مصدر الصوت.. تمورجى آخر يهش فى وجهى.. يا للعجب أقسم أنه يسخر منى.. ألم يسمعنى؟
بارك الله فيك.. سقطنا فى كشف النظر و الحمد لله.
أشار الرجل إلى منظارى:
يبدو أن نظارة سيادتك غير قانونية..
سأجن... هل أسب الرجل.. أمسكت بكتفه:
- نظارتى يا سيد قانونية مئة فى المئة لكن ماذا أفعل لكم حتى تصدقونى؟
- بسيطة... اعمل نظارة أخرى؟
أعصابى تحترق.. الهدوء يا نفسى الهدوء..
- بسيطة.. بسيطة جداً يا سلام يا أخى
ابتسم الرجل:
يا أستاذ الأمر أبسط كثيرا مما تظن وتعتقد..
اقترب منى.. التصق صدره بكتفى.. كلماته أصبحت كالفحيح:
الدكتور كشفه فى العيادة جنيه واحد.
تبسمت بغيظ حبيس:
الجنيه ونقدر عليه، ولكن النظارة .. أنا بالعربى الفصيح..
شدد الرجل قبضته على ذراعى.. قاطعنى:
- أنا فاهم.. أنا فاهم.. سيمضى كل شىء كما تحب و تهوى..
- ولكن النظارة .. أنا شخصيا..
قاطعنى الرجل بصدر ضاق من غبائى
- افهمنى يا أستاذ.. حاول تفهم كلامي.. هل تريد النجاح أم تريد نظارة أخرى؟
- ولكن النظارة.. أنا....
- لا حول و لا قوة إلا بالله.. يا أستاذ حضرتك لابس نظارة و لا داعى لعمل غيرها..
ابتسمت.. هززت رأسى.. لقد فهمت.
فهمتنى طبعا.. أنت ابن حلال.. العيادة.. إذا أحببت أن تشرفنا تبدأ من الساعة الواحدة حتى السادسة مساء، عدا أيام الجمع طبعاً.
وشد على يدى مصافحا:
وألف مبروك مقدما..
ثم مضى بى حتى أخرجنى من باب آخر.
وإياك أن تنسى الحلاوة.. مع السلامة يا سيد.