القاهرة 17 نوفمبر 2020 الساعة 10:50 ص
كتبت: نضال ممدوح
قال عنه الروائي الكبير جمال الغيطاني: ساخر عظيم وإنسان رائع، قارئ نهم ومثقف رفيع، يجمع فنون النكتة والحكي والقفشة، ويمثل مرحلة ذهبية في تاريخ طويل ينتظم فيه الساخرون العظام الذين عبروا عن روح الشخصية المصرية.
ووصفه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي بأنه: رجل وطني شريف لا يخفي ما في ضميره، ورغم إنسانيته وطيبته كان مقاتلا فذا لا يخشى في الحق لومة لائم، قاتل ضد كل النماذج التي تشبه النباتات الشوكية والشيطانية التي تنبت لتمتص خير هذا البلد.
أنه فيلسوف السخرية الكبير أحمد رجب? بطل لكتاب الزميل الصحفي أيمن الحكيم? والصادر حديثا عن سلسلة أخبار اليوم? تحت عنوان "عزيزي أحمد رجب.. أسرار وأوراق الفيلسوف الساخر" بتقديم السيناريست عاطف بشاي. وهو أول كتاب تصدره المؤسسة التي انتمى لها أحمد رجب وكتب في مطبوعاتها لأكثر من ستين سنة.
الكتاب الذي يقع في 120 صفحة يقدم سيرة جديدة لأشهر الكتاب الساخرين في نصف القرن الأخير، ويقتحم الستار الحديدي الذي ضربه بقوة على حياته الشخصية، فقد كانت حواراته نادرة والمعلومات المتوفرة عنه شحيحة، خاصة ما يتصل بحياته الخاصة.
يقدم الكتاب وثائق جديدة عن أحمد رجب تنشر لأول مرة بينها قصة سينمائية كتبها لتكون فيلما يقوم ببطولته فريد الأطرش، ولكن فيلم "الرجل الصغير" لم ير النور بسبب مرض ثم رحيل مخرجه عز الدين ذو الفقار، وينشر الكتاب النص الكامل للفيلم المجهول لأحمد رجب.
بل ويكشف الكتاب عن محاولة رجب في التمثيل السينمائي? لكن علي أمين منعه: "في مرة أغواه المنتج السينمائي المعروف جمال الليثي بأن يقدمه في فيلمه القادم كوجه سينمائي جديد، وأقتنع أحمد بالفكرة وبدأ يجهز نفسه لغزو السينما، وقبل توقيع العقد فوجئ أحمد باعتراض شديد من علي أمين، وكانت وجهة نظره أنه غير موهوب كممثل، وأنه يعيش الوهم، وستكون نهايته مجرد كومبارس أو دوبلير يأتون به "لينضرب" مكان البطل، وبدلا من أن يصبح صحفيا مرموقا سيكون مصيره في عنبر الكسور في القصر العيني..!"
ــ حتي في جنازة عبد الناصر لم يفقد "رجب" حسه الساخر
يسرد الحكيم في كتابه واحد من أصعب المواقف في حياة أحمد رجب? ألا وهي لحظة خطاب الرئيس عبد الناصر لخطاب تنحيه الشهير عقب هزيمة 1967 وهو الموقف الذي حكاه له رجب بنفسه: كان الكاتب أحمد رجب يجلس في بيت صديقه عبد الحليم حافظ يستمع معه إلي خطاب التنحي? ومعهما عدد من الأصدقاء المقربين من شلة (العندليب) بينهم الأبنودي الشاعر? ومفيد فوزي المحاور? ومجدي العمروسي مدير دولة عبد الحليم.
كان أحمد أكثرهم حزنا وغضبا وهو الذي أطلق في لحظتها شعار (لا لتنحي عبد الناصر) واقترح عليهم أن ينزلوا (بربطة المعلم) ليتوجهوا إلي بيت عبد الناصر في منشية البكري ليعلنوا تمسكهم به رئيسا ورفضهم لتنحيه. فانحشروا جميعا في سيارة حليم? ولما وصلوا إلي منشية البكري وجدوا طوفانا من الجماهير سبقتهم للهدف نفسه وبالشعار نفسه? فلم يملك عبد الناصر إلا الاستجابة لمطالب الجماهير.
ويوم رحيل عبد الناصر ذهب أحمد ليكون بين أمواج البشر الذين خرجوا لوداع الزعيم? وحتي في تلك اللحظات المهيبة طغي عليه حسه الساخر? فكتب في مقاله: رأيت في الجنازة جلال (معيط) وحمدي (منديل) في إشارة إلى الإعلاميين الشهيرين جلال معوض وحمدي قنديل? والاثنان كانا من أعز أصدقائه وكانا كذلك من عتاة محبي عبدالناصر? وودعاه بدموع ساخنة ومازال الذين عاصروا هذه الأيام يتذكرون دموع حمدي قنديل علي الهواء علي شاشة التلفزيون العربي وهو ينعي عبدالناصر? ولم تكن دموع جلال معوض في الإذاعة المصرية أقل غزارة وسخونة.
ــ أكاذيب الإخوان التي طالت أحمد رجب
يفضح الكتاب الأكاذيب والافتراءات التي روجتها جماعة الإخوان الإرهابية عن أحمد رجب? ألا وهي تلك الفرية التي زعموها عن إهانة رجب يوم حفل تنصيب الرئيس السيسي. يؤكد الحكيم: في عز جبروت الإخوان هاجم أحمد رئيسهم وعشيرته? وفضح نفاقهم ومتاجرتهم بالدين? ولذلك كان الإخوان لا يطيقونه بل هللوا يوم رحيله? لأنهم تخلصوا من عدوهم الأكبر. بل امتلكوا الوقاحة لأن يروجوا شائعة سخيفة عنه قبيل رحيله فادّعوا أنه تعرض لإهانة بالغة علي أبواب القصر الرئاسي الذي شهد الاحتفالية الكبرى بتنصيب السيسي رئيسا.
وروجت كتائب الإخوان الإلكترونية إن أحمد رجب كان يصطحب رفيقه مصطفي حسين ويدفعه علي كرسيه المتحرك فلما وصلا إلي أبواب قصر القبة? اكتشف أحمد أنه نسي دعوة الدخول? ولم يتعرف عليه الحرس فمنعوه من الدخول? وعاملوه بفجاجة واشتبك معهم بحدة? واضطر في النهاية إلي الانسحاب والعودة وهو يسب ويلعن!
هذه رواية الاخوان وهي رواية كاذبة و (عبيطة) فحتي الكذب (خايبين) فيه? أولا لأن مصطفي حسين كان في رحلة علاج خارج مصر يوم تنصيب السيسي? وأحمد لم يتحرك من بيته لأن ظروفه الصحية لا تسمح له بالحركة فعلي أي أساس بنوا هذه الكذبة؟
أتصور أنهم أرادوا من وراءها التشكيك في علاقة رجب بالرئيس السيسي? وهو هدف فشلوا فيه بجدارة بدليل أن الرئاسة أصدرت بيانا تنعي فيه أحمد رجب يوم رحيله في لفته إنسانية ورسمية تدل علي تقدير الرئيس البالغ له ثم إن آخر (نص كلمة) كتبها أحمد وطلب نشرها يوم وفاته كانت تقول: «الآن يا مصر أموت مطمئناً عليك وعلى أهلي المصريين، إني لا أوصى حاكماً صالحاً بأهلي، ولكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده على الزمان، وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» ولا أظن أن أحدا كتب عن السيسي بتلك المحبة والروعة.