القاهرة 17 نوفمبر 2020 الساعة 10:46 ص
كتب: أحمد مصطفى الغـر
قالوا إن "الكتابة هي الطريق إلى الشعور بالحرية، لكن أول ما قد يواجهه الكاتب هو الخوف من هذه الحرية"، من هنا جاءت الكتابة تحت أسماء مستعارة، فهى ليست بالظاهرة المستجدة، فقديماً.. استخدم الفيلسوف "فرانسوا ماري أرويه" اسماً مستعاراً وهو "فولتير"، ولعل الناس لم تعد تعرفه سوى بهذا الاسم، أما الروائي الشهير "جورج إليوت" فقد كان في الواقع امرأة، واسمها الحقيقي "ماري آن إيفانس"، ويقال أيضا أن "بنجامين فرانكلين" قد استخدم في كتاباته ما يقرب من الـ100 اسم مستعار، لكن في عصر الانترنت والعولمة والسماوات المفتوحة، هل مازال هناك ضرورة للكتّاب والمؤلفين وأصحاب القلم والرأي أن يتخفّوا تحت خمار الأسماء المستعارة؟، ألم يعد التخلص من القيود الرقابية أمراً سهلاً في زمن السوشيال ميديا؟، وماذا لو عرف القارئ أن كاتبه المفضل ليس سوى اسم فقط دون هوية حقيقية يمكنه الكشف عنها أو معرفتها؟
هناك أسباب عديدة للكتابة المتخفية تحت أسماء مستعارة، ولعل هذا الأمر راجع الى ما يواجهه أصحاب الرأي في بعض المجتمعات، أو لرغبة هؤلاء الكتّاب في الخوض فى الموضوعات المحظورة، لاسيما النساء الكاتبات اللواتي يواجهن تحديات كبرى في هذا المجال، وبالرغم من أن المجال قد أصبح مفتوحًا للجميع كي يكتب، إلا أن هذه الظاهرة لم تتلاشَ، بل على العكس فهي في ازدياد مضطرد، ففى القرن السابع عشر؛ كانت نظرة الناس إلى التأليف والكتابة وخصوصًا للمسرح سلبية بعض الشئ، بل وتتسم بالدونية، لذا قرر "جان باتيست بوكلين" أن يكتب باسم "موليير" كي يتفادى ردود الأفعال السلبية تلك، فبالرغم من أنه ينحدر من عائلة مرموقة وبرجوازية، إلا أن نظرة أسرته له لم تكن على النحو الملائم، ومن أشهر مسرحياته كانت "مدرسة الزوجات" التى أحدثت ضجيجًا حولها نظرًا لوصفها بغير الأخلاقية من جانب العديد من فئات المجتمع في تلك الفترة، إلا أن موليير قد واجه تلك الاحتجاجات بعمل مسرحى آخر أسماه "انتقاد مدرسة الزوجات"، وبشكل عام فإنه في كل زمان ومكان تبقى هناك أمور تضطر الكاتب أن يوقعها باسم مستعار، حتى ولو كان اسمه الحقيقي معروفاً كعلم؛ وذلك لضرورات تفرضها الظروف أحياناً، ولعل هذا ما جعل الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية السودانية "محمد بشير أحمد"، أن يكتب مقالاً يعترف فيه بأنه هو الذي كان يختبئ وراء اسم "عبدالعزيز حسين الصاوي" طوال ربع قرن من الكتابة حول القضايا الفكرية والسياسية.
قبل عامين قام الصحفي "ماريو بودينو" بإعداد كتاب عن الكتّاب المستترين وراء أسماء وهميّة، وأطلق بودينو على كتابه اسم "لا تعرفون من أنا"، وفيه يتعقّب قصص أهم الشخصيات الأدبية التي كتبت بأسماء مستعارة، ويبحث عن الأسباب التي تدفع الكتّاب لذلك. وفي الكتاب تناول قصة الطيار والدبلوماسي "رومان غاري"، الذي أنهى في العام 1981م روايته "إميل أجار" بعبارة "شكراً إلى اللقاء، لقد استمتعت كثيرا"، وفي الصيف السابق لصدور الرواية، انهى الكاتب واسمه الحقيقي "رومان كاسو"، حياته برصاصة أطلقها في فمه في منزله في باريس، تاركاً إرثا ضخما من الأعمال الأدبية، وقد نال في حياته جائزتي جونكور باسمين مختلفين، رغم أن هذه الجائزة لا تمنح للكاتب نفسه مرتين، وقد قال بودينو عن غاري: "كان رومان غاري يستخدم أسماء بداعي الاستفزاز، وأيضا لأنه كان يؤمن بفكرة أدبية هي الرواية الشاملة حيث يصبح الكاتب شخصية في كتابه".
التاريخ يخبرنا أن الحكام والأمراء أنفسهم قد يتخفوا خلف أسماء مستعارة، فالأمير عبدالله الفيصل كتب تحت اسم "المحروم"، والأمير خالد الفيصل هو "دائم السيف"، والأميرة المغربية فاطمة أخت الملك الحسن الثاني، كتبت مجموعة من المقالات تحت اسم "باحثة الحاضرة"، أما "غادة الصحراء" فهي الأميرة مشاعل بنت عبدالمحسن آل سعود، وبحسب ما يراه البعض فإن الكتابة تحت أسماء مستعارة لا تزال ظاهرة معقدة، خاصة في ظل النزاعات أو وجود مشكلات سياسية تفرض على الكاتب ألا يكشف عن شخصيته الحقيقية، وأحيانا ما تكون الكتابة باسم مستعار لها أسباب أخرى، منها أن يكون للمؤلف سابقة نشر كانت الآراء سلبية حولها، لذا تلجأ دور النشر إلى تلك الحيلة خوفًا من ألا يُقبل القراء على شراء الكتاب نظرًا للموقف السلبى من كاتبه. لكن هل مازالت هناك حاجة ملحة للكتابة تحت أسماء مستعارة؟، هل حقا لا قيمة للإبداع ولا صدى له إلا بالاسم الحقيقي للكاتب؟
المعضلة الأكبر التي تواجه المرآة الكاتبة/الشاعرة.. هي كتابة اسمها الحقيقي على منتوجها الأدبي والإبداعي، وبحسب ماريو بودينو فقد استخدمت الكثير من الكاتبات أسماء مستعارة لذكور، لأن الأوساط الأدبية لم تكن تستسيغ وجود النساء فيها كثيرا، ومن أمثلة ذلك أورو دوبان التي بدأت في العام 1829م الكتابة باسم جورج ساند، وكذلك الشقيقات شارلوت وإميلي وآن اللواتي كنّ ينشرن بأسماء كورير وإيليس وأكتون بيل. أما عربياً فقد كتبت ميّ زيادة بعدد من الأسماء المستعارة، منها عائدة وإيزيس كوبيا وغيرها، أما "بنت الشاطئ" فهي الكاتبة "عائشة عبدالرحمن"، وحتى اليوم مازالت بعض النساء الكاتبات/الشاعرات يتمنعن عن النشر بأسمائهنّ الصريحة، بعض الاسباب تعود إلى ممانعة الأهل أو القيود الاجتماعية التي تعتبر اسم المرآة عيباً!، وقد يكون مرجوع ذلك إلى وضع المرأة في مجتمعنا فهو مازال ضبابيا بشكل كبير، ولعل هذا ما دعاها إلى التخفي تحت اسم مستعار كي تنطلق وتعبر دون قيود.
الغريب أنّ هناك بعض الأدباء الرجال الذين تخفّوا تحت أسماء نسائية!، كالكاتب الكبير إحسان عبدالقدّوس، الذي خطّ عشرات المقالات الموجهة للمرأة تحت توقيع "زوجة أحمد"، أما الكاتب أحمد السباعي (شيخ الصحافة) فكتب في بعض الأحيان باسم "فتاة الحجاز" و"خديجة"، والشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي وقّع بعض قصائده باسم "ليلى"، وقد قام الشاعر والكاتب "محمد عبدالرزاق القشعمي" بإصدار كتاب (الأسماء المستعارة للكتّاب السعوديين)، معتبراً أنّه يكرّم فيه أصحاب الأسماء المستعارة عبر الكشف عن هويّاتهم الحقيقية، وقد أصدر من الكتاب طبعة ثانية، أضاف فيها 50 اسماً إلى لائحته السابقة، فكانت النتيجة أنه رصد نحو 450 اسماً مستعاراً على مدى قرن من تاريخ الكتابة فى المملكة العربية السعودية، وقد قال في مقدمته: "أقول إن كشف المستور من تلك الأسماء ليس القصد به الفضح أو التشهير بصاحبه بل ذكره وشكره، فله الفضل في الجهر بالقول والرأي في وقت لا يستحب الجهر به، فمثلا الدعوة لتعليم البنات قبل إقرارها بشكل رسمي".