القاهرة 17 نوفمبر 2020 الساعة 10:29 ص
بقلم: شيماء حسن الباشا
في ترقب شديد تابعت حلقات مسلسل ما وراء الطبيعة، منتظرة أن أرى هل سأتفق أم سأختلف مع الآراء التي قرأتها حول هذا العمل الفني الجريء في رأيي، خاصة بعد أن قرأت التعليمات الفوقية التي نصها مخرج العمل على المشاهدين والمنتظرين للعمل وألزمهم بها، حيث إنه قبل بدء عرض المسلسل المنتظر على منصة نتفلكس، كتب عمرو سلامة بوست نشره على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك موجهاُ تعليمات وقواعد صارمة للمشاهدين يجب أن يتبعوها لمشاهدة المسلسل، منها أنهم حتى يستمتعوا بالإضاءة والتصوير والمؤثرات يجب أن يشاهدوا المسلسل في إضاءة خافتة وعلى شاشة كبيرة، ويفضل أن يشاهدوه ليلاً، أيضاً أوصى بعدم تناول الطعام والشراب أثناء المشاهدة، وأوصى بعدد آخر من التوصيات، التي هي بالمناسبة مشروعة جداً وذكية ووجدتها سبيلا مضمونا للدعاية والإعلان والتشويق، ولكنه لم يكن موفقاً في طريقة عرضها على الجمهور، حيث تلقى الجمهور هذا البوست أو هذه "التعليمات" بسخرية وأصبح عمرو سلامة حديث منصات التواصل الاجتماعي والتريند الجديد في إطلاق النكات قبل ساعات من موعد عرض عمله المنتظر، ولذلك فقد كانت الانتقادات لاذعة لكل العيوب التي وجدها المشاهدون في العمل، رغم أنه من البديهي لأي عمل أنه لن يكون كاملاً، ولكن عمرو سلامة أسهم في تضخيم عيوب العمل في عيون منتظريه، لأنه بدا لهم في توجيهاته وإرشاداته وكأنه منزه تماماً عن ارتكاب الأخطاء.
فقد اتخذ مخرج العمل عمرو سلامة وأيضا صناع العمل قرارا جريئا بخصوص اختيار الأساطير التي ستتناولها حلقات المسلسل "البيت – لعنة الفرعون – حارس الكهف – النداهة – الجاثوم – العودة للبيت" وهذا لم يكن – في رأيي – سوى لسبب بسيط أن هذه الأساطير تحديدا دون غيرها تدعم الصورة الذهنية التي استقرت أسرة العمل على تقديمها لرفعت إسماعيل، مع خلق خط درامي يكون بمثابة رابط بين هذه الأساطير حتى يكون هناك فكرة معينة لهذا الموسم من السلسة وهذا في حد ذاته جاء موفقا ومشوقا للمتلقي.
إلا أن هذا الخط الدرامي الرابط لم يكن مستغلاً على أكمل وجه، حيث كان هناك بعض الأحداث غير المبررة مما يشير إلى خلل ما في السيناريو – إلا لو كان العمل مقدما فقط لمن قرأ سلسلة ما وراء الطبيعة للدكتور الراحل أحمد خالد توفيق.. ولكن على أية حال لم تكن من ضمن تعليمات المخرج أن يقرأ المتلقي السلسلة أولا – فمثلا في الحلقة الأولى لماذا كان من الضروري أن يخرج رضا إسماعيل للبحث عن الطفل طه الذي خرج يبتاع لخاله علبة سجائر وقامت الغارة قبل أن يعود؟؟ لماذا لم يخرج رفعت نفسه على اعتبار أنه الشاب الأصغر سنا وحتما سيكون أسرع في البحث عن طه من أخيه المصاب في قدمه؟ على الرغم من أن السيناريو يحتاج ويحتم وجود رفعت داخل المنزل؛ إلا أنه كان من الممكن أن يبدأ رفعت بالبحث على سطح المنزل أو خارج المنزل ثم يرى طه بالأعلى فيصعد له؛ مما سيكون أكثر منطقية.
وفي الحلقة الثانية "أسطورة الفرعون" لم يكن هناك مبرر درامي لاستدعاء رفعت إسماعيل لتشريح المومياء، حيث إنه لم يتم الإشارة إنه حقق شهرة في مجال ما وراء الطبيعة فكان من الضروري أن نستخدم بعض التفاصيل والأحداث الدرامية لنبرر مشهد الاستدعاء درامياً، كما أنه في الحلقة الثالثة روى رفعت أنه كتبت عنه الجرائد بأنه أنقذ العالم من الوباء مما يعد غير منطقي فمن الطبيعي أن يكون هناك شكوكا حول ارتباط الحدثين ببعضهما اختفاء الوباء ودفن مومياء الفرعون، فكيف كان الأمر مقنعا للشعب والحكومة والصحافة ومسلما به لدرجة نشره في الجرائد فور حدوثه؟
وفي الحلقة الرابعة ابنة الشيخ الفتاة الغجرية التي طعنها والدها بخنجر في بطنها عدة مرات ومع ذلك فهي تسير دون عناء وتجري في الحقل دون خطى متثاقلة وظهرها ممشوق غير محني بسبب الألم الذي يحتل بطنها إثر الطعنات وجرت أيضا مسافة طويلة حتى وصلت للبحيرة ثم قام والدها بذبحها وهي واقفة، فكان من الممكن أن يقتلها والدها في المنزل ثم يلقي بجثتها مثلا في البحيرة حتى يكون المشهد مبرراً أو أكثر منطقية، وفي الحلقة الخامسة عندما ذهب رفعت لبيت الخضراوي وقابل أحد أهل القرية وأعطى له ظرفا مغلقا وأخبره أن إبراهيم كتب المنزل باسمه؛ مما أوحى لي كمتلقي أن الأمر بسيط وأنه إذا كتب شخصا ما عقارا باسمي أو تنازل لي عنه سيكون ملكي دون أن أقوم بالتوقيع وبعض الإجراءات القانونية المعقدة، فبالتأكيد الأمر لم يكن بهذه البساطة؛ لذا كان يحتاج هذا المشهد لإضافة بعض التفاصيل الدرامية ليكون مبررا، كما أن قدرة ماجي على الوصول لرفعت بمنزل الخضراوي في الحلقة السادسة لتكون حل اللغز والعقدة لم يكن مبررا درامياً فكيف استطاعت الوصول إليه قبل أخته حتى؟ وكيف علمت بمكانه؟ وكيف استطاعت الذهاب للمنزل نفسه بمفردها ومن المفترض أنها أجنبية ليست من أهل القرية؟
كما أن اختيار عمرو سلامة لشخصية أحمد أمين – الذي لم أتفهمه إلا عندما رأيت رفعت إسماعيل أمامي– كان موفقا في رأيى إلى حد كبير، فقد اختار عمرو سلامة أن يجسد الصورة الذهنية المطبوعة بأذهاننا –كقراء– عن رفعت إسماعيل متطابقة للصور التي رُسمت على أغلفة كتبه وبين صفحاتها، ولم تكسر أفق توقعات المتلقي عن الصورة الذهنية التي رسمها في خياله لرفعت إسماعيل، شخص منطفئ، شبه مكتئب، نحيف، لم تفارقه السيجارة المشتعلة في يده طوال الوقت حتى وإن تعرض لأزمة قلبية وصحية، ثقيل الحركة بالرغم من نحافته، يبدو منهكاً طوال الوقت فهو لا يبذل مجهودا بدنيا بقدر المجهود العقلي الذي يبذله، وحيد، منطوٍ غير اجتماعي، نظراته ثاقبة، أصلع مع وجود شعر على الجانبين، بالإضافة لحديثه الدائم الساخر بينه وبين عقله الذي لا يضطر لتحريك شفتاه وبالرغم من هذا نسمعه "كفويس أوفر" معلقاً على الأحداث بكل سخرية في حين ويسمح لنا أيضا بالاستماع إلى أفكاره في حين آخر.
وهذا التوازن بين الجانب الساخر والجانب الكئيب في شخصية رفعت أكثر ما أبدع فيه أحمد أمين باعتباره شخصية مرحة كوميدية مقدم برنامج البلاتوه، ومما أدى إلى أن يأخذ المتلقي مشاهد الرعب في المسلسل على محمل الجد.
هو رفعت، نفس الهيئة والشكل، ونفس البدلة الكحلية التي تجعله فاتناً، كما أن هناك بعض التفاصيل التي جاءت عكس الصورة التي أراد المخرج ترسيخها في ذهن المتلقي، فكيف يمكن لشخص بطيء الحركة متثاقل الخطى ومنهك معظم المشاهد أن يتحول في بعض المشاهد فجأة لشاب نشيط يحمل جثة مومياء ويجري بها، يقفز في المياه بكل نشاط ويعوم كشاب عشريني، يحمل جثة شيراز ويصعد بها للطابق العلوي ليدفنها؟
أما عن رزان جمال في دور ماجي من الواضح أنها اجتهدت لتقديم الدور بشكل جيد، فهي استطاعت أن تجعل المشاهد مترقبا لها معظم الوقت وللتحول الذي سيتم في الدراما من خلالها، على الرغم من أن دور الشخصية نفسه لم يكن مؤثرا في الدراما بشكل كبير، فلم يكن هناك فائدة من اصطحاب رفعت لها لزيارة أسرته من الأساس، كما أنه كان من الأفضل أن يقدم الدور ممثل أجنبي لهذه الشخصية الدرامية الأجنبية بدلا من الاستناد إلى التحدث باللغة الإنجليزية في بعض المشاهد والعربية المكسرة في مشاهد أخرى، وكان من الضروري أيضاً أن يتم كتابة دور ماجي بشكل مختلف أكثر في السيناريو وأن يكون وجودها مؤثرا في الأحداث بشكل أكبر وله مبرر آخر غير إرضاء قراء السلسلة. فمن الطبيعي أن يأخذ مخرج العمل حريته عند تحويل العمل الأدبي لعمل درامي – حسب رؤيته الإخراجية – ولكن مخرج العمل لم يطلق لنفسه العنان ولم يستخدم خياله كما ينبغي، بل التزم بنطاق الأحداث الأصلية لم يتجاوزها في معظم المشاهد إلا في نطاق محدود.
جاء أداء معظم الممثلين رائعا يليق بمستوى الدراما المقدمة، فمثلا رفعت ورضا ورئيفة وهويدا وإبراهيم الطفل وطه كانوا مبدعين في أدوراهم، وهذا الأخير أتنبأ له بمستقبل باهر.
كان ديكور المسلسل في رأيي شخصية إضافية لشخصيات العمل، فكان بديعا مبهرا معبرا عن أجواء الستينيات، الشوارع والمنازل واللبس وتسريحات الشعر وأواني الطهي القديمة أيضا التى ظهرت في مشهد رئيفة وهي تطهي الطعام في الحلقة الأولى. وفي رأيي أنه كان يجب الالتفات بشكل أكبر للإكسسوارات فمكتبة رأفت احتوت على كتاب الطبعة رقم 70 منه ولم تكن تنتمي بأي شكل من الأشكال للحقبة التي ينقلها المسلسل بل بعدها بحوالي 30 عاما، وأيضا نظارة رفعت التى كانت على طراز "مودرن" وليست "كلاسيك" ولم تكن ماركة "الريبان" منتشرة أو موجودة من الأساس في هذه الحقبة الزمنية.
جاءت الموسيقى التصويرية للمسلسل ممهدة للأحداث، وكانت تحذيرية في مشاهد أخرى بأن هناك مثلا شبحا سيظهر أو شخصا سيقتل، فكانت تخدم الدراما في رأيي بشكل كبير، ووجدتها أكثر من رائعة، وقامت بعمل طابع خاص أو لون أو شخصية للمسلسل، كما أن التصوير أيضا كان رائعاً معبراً عن الرؤية التي يريد المخرج إيصالها للمتفرج، ومناسبا جدا لطبيعة الدراما المقدمة، فكانت معظم الكادرات واسعة مفتوحة وواضحة من أجل إدراك المشاهد لما وراء الكادر، وكانت معظم الكادرات في المسلسل ماستر سين.