القاهرة 10 نوفمبر 2020 الساعة 11:38 ص
كتب : علي سرحان - باحث آثري
الفكر الديني هو كيفية تصور المصري القديم للإله الخالق أو الإله العالمي وأشكاله وصوره المختلفة وأماكن وجود هذه الأشكال ومدى أهميتها له في الفترة الممتدة من عصر الرعامسة حتى فترة الحكم اليوناني الروماني، فقد ظهرت بعض من النصوص التي توضح لنا الأشكال الرئيسية للإله العالمي وأهميتها وطبيعة وجودها بالإضافة لذلك فقد عبَّرت لنا هذه النصوص عن مدى اتساع الفكر الديني للمصري القديم وذلك بالنسبة للكون الشاسع الذي يحيط به، ومما يتكون وأين توجد عناصر هذا الكون؟
فعالم السماء الذي توجد فيه أرواح الموتى الصالح توجد فيه أيضًا روح إله الشمس، السماء هي المكان الذي تحلق فيه الروح في صورة قرص الشمس الذي يضيء الأرضَين ويسمو بضيائه على كل مكان، ويتخذ السماء مكانًا طبيعيًا لخط سير رحلة النهار التي يقوم بها من الشرق إلى الغرب.
ثم اختار العالم الآخر وهو مكان غير معروف الموقع، وهو عالم يتميز بالظلمة الحالكة والطبيعة غير المعروفة وهو مكان خفي ومناسب جدًا لإخفاء جثة الإله الغامض، وقد عبَّر النص عن الجثة هنا بالسر الغامض غير المعروف لكي يتناسب مع طبيعة العالم الآخر وهو أفضل مكان يمكن أن ترقد فيه جثته ولا تفارق هذا المكان الأبدي، وقد خلق الإله الأرض ومهدها لكي يكون عليها صورته المتمثلة في المعابد وأماكن العبادة المختلفة التي تنتشر داخل أرجائها تماثيله التي يُعبد من خلالها، ويؤكد النص الذي ورد في بردية ليدن (Leiden I 350 IV) هذه العلاقة موضحًا:
»العالم الآخر الخفي يحيط سادته التي توجد داخل توابيتها، روحه تكون في السما «
معبده يكون من أجل صورته في طيبة، وهذه الرحلة يأخذ فيها إله الشمس أسماء مختلفة ومراحل مختلفة ، فعندما يولد في الشرق يكون إله الشمس في صورة طفل وسرعان ما يتحول إلى شاب قوي يأخذ مكانه في كبد السماء ثم يتحول في نهاية رحلته إلى رجل هَرِم، منهك القوى في الغرب، وكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث لها اسم يعبر عنها ويمثلها، فقد ذكرت نصوص الأهرام (Pry. 1695) بأن إله الشمس يتخذ ثلاثة أسماء رئيسية على مدار اليوم، وعندما يصعد إله الشمس "خبري" الصباح عندما يولد إله الشمس من الشرق يكون اسمه » آتوم « وعندما يختفي عن الأنظار في الغرب يكون الاسم » رع « في السماء يكون اسمه.. وفي أسطورة رع وإيزيس والتي ترجع إلى نهاية الدولة الحديثة يتحدث إله الشمس قائلاً:
أنا خبري في الصباح ورع في الظهيرة وآتوم في المساء.
وعندما تربط هذه الأسماء مع مراحلها المختلفة يكون أيضًا هناك توافق بين المراحل الزمنية والأشكال أو الأسماء المختلفة لإله الشمس، بمعنى آخر عندما يولد إله الشمس من "خبر" ويكون ذلك في مرحلة الطفولة وعدم النضج ويأخذ شكل الجعران يكون اسمه "معن" وهو يمثل مرحلة البداية ويأخذ مكانه في مركب النهار ثم يبدأ إله الشمس رحلته صاعدًا السماء.. وعندما يكون في منتصفها، يأخذ إله الشمس شكلا آخر واسما آخر ومرحلة أخرى تعبر عن القوة والنضج والحيوية ويكون ذلك في وقت الظهيرة ويسمى رع.. وعندما ينهي إله الشمس رحلته النهارية وذلك في الغرب فإنه يأخذ شكلا آخر يعبر عن هذه المرحلة التي يكون عليها في شكل رجل هرم فاقد الحيوية والقوة، متكئ ويكون ذلك آخر مراحل إله الشمس أثناء رحلته » آتوم « على عصاه ، له رأس كبش ويسمى النهارية وهي مرحلة الشيخوخة.