القاهرة 10 نوفمبر 2020 الساعة 11:23 ص
كتبت: سماح عبد السلام
يذهب المبدع وتبقى أعماله ومواقفه مثالاً حياً على خلوده ودرساً لأجيال لاحقه، ولعل أبرز الأمثله لهذا النوع من المبدعين هو ما ينطبق على الفنان ناجى العلى رسام الكاريكاتير، المقاتل بريشته، ذلك الفنان الذى عبر عن أفكاره وآرائه السياسية بدون مواربه، فاستحق أن يوصف بصاحب الريشه والسيف ويصدر عنه كتاباً فى هذا الإطار".
فقد صدر عن دار خطوط وظلال الأردنية للباحث والناقد الأردنى الدكتور غازي أنعيم، كتاب "ناجي العلي: الريشة والسيف"، وقد بلغ عدد صفحات الكتاب ( 588) صفحة من ضمنها ( 386 ) لوحة كاريكاتورية للفنان الشهيد ناجي العلي.
تضمن الكتاب إهداءً من مؤلفه إلى روح الفنان الشهيد ناجي العلي المثقف الثوري الذي واجه التهديد والابتزاز، بروح المحارب الصلب المؤمن بقضيته؛ حيث كان الكاريكاتير بالنسبة له توأم البندقية وأداة كفاح ودعوة إلى غد أفضل... وكان قادرًا في الحالتين على استخدام الأداتين في التسديد باتجاه فلسطين، لذلك لم يسقط في فخ فصل معركة فلسطين، عن معركة الأنظمة العربية، وجماهيرها العريضة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتحرير والديمقراطية، سيما أنه تمثّلَ تلك الجماهير في داخله فدافع عنها من خلال ريشته، وكلماته..
وقد أشار أنعيم فى تقديمه للكتاب بمدى تواصل وتفاعل العلي من خلال الصحف والمجلات مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، حيث يعبر من خلال رسوماته التي تجذَّرت وصارت زمنـًا لا تحده جغرافيا ضيقة أو حدود سياسية عن همومهم وتطلعاتهم، حيث أنه كان مؤثرًا في وجدانهم.
كما أشار الكاتب أن العلي أصبح له أسلوب مميز خاص به، جعله علامة فارقة في تاريخ الكاريكاتور العربي والعالمي؛ بالإضافة إلى ذلك هو صاحب رؤية وموقف ومضمون إنساني وثوري ملتزم.. كما كان من أكثر الرسامين العرب إبداعًا ووعيــًا لتقنية الكاريكاتير ومفهومه وفاعليته وأهميته؛ الذي اتسم ببساطة الرسم، واعتماد الإيجاز الذي يحمل تعبيرًا ينشد الكشف عن معاناة شعبه وأمته مع العدو الصهيوني وأمريكا والأنظمة العربية التي تتبعهما؛ ومن ناحية أخرى يتابع الأحداث السياسية اليومية أولاً بأول.. لذلك كان الكاريكاتير عنده بمثابة سلاح سياسي، استطاع عبر بضعة خطوط قليلة قول ما قد تعجز عشرات المقالات والبيانات السياسية الرنانة عن التعبير عنه بوضوح ومن دون إسهاب في التحليل..
وأضاف الكاتب.. لم يكن العلي الذي أشهر ريشته السيف مبكرًا يخشى أو يجامل أحد، لأنه كان مؤمنـًا بأن الوطن العظيم، يحتاج إلى فن عظيم لا يقبل المساومة أو المهاودة أو المهادنة أو التفريط والتنازلات بأية حجة من الحجج، وكان يعترض على ما يكون..! ويقترح ما ينبغي أن يكون.. ويدير ظهره لكل ما يجري.. لذلك كان نصيبه طلقة قاتلة في رأسه من طغاة لا يعرفون إلا لغة الرصاص سبيلاً لتكميم الأفواه وهذا ما تنبأ به ناجي العلي في رسومات كثيرة منها "أكلهُ الذئب" و " لا للاغتيال السياسي" و "كاتم الصوت " و "النهاية".
لقد أصابت الرصاصة الغادرة جسد ناجي العلي النحيل، ولكن من يملك أن يصيب القيمة والتاريخ اللذين يمثلهما هذا الجليلي ابن قرية الشجرة؛ الذي جعل من الكاريكاتور أداة صراع على جبهة صراع الأفكار مع العدو.. ومن يملك أن يمحو من عقول الجماهير العربية حنظلة المشاغب، الذي وظفه العلي في أعماله الكاريكاتورية على خير وجه، وأدخله في عمق الصراع داخل اللوحة الكاريكاتورية، هذه الشخصية التي عكست فكر وتوجهات العلي من قوة وثبات ومواجهة وتطلعات وآمال في التحرر والوحدة، كانت نصيرًا للفقراء والكادحين والمعذبين في الأرض، وستظل أيضــًا تقف إلى جانب الشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها.
وأوضح مؤلف "الريشة والسيف" بأن رسومات العلى كانت منشورات سياسية تُحرّض على الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة؛ بالإضافة إلى ذلك كانت رسوماته تعكس أفكاره وتعبر عن تطلعات أمته في الحرية والكرامة والتحرر والاستقلال.
وقد تناول الكاتب المواضيع التالية: "الكاريكاتور: المصطلح والمعنى، مشوار الحياة والفن، عام الحسم، اغتيال ناجي العلي، كاريكاتور رشيدة مهران.. وحيثيات الاغتيال، الأدوات الرمزية والتعبيرية، الشخوص التعبيرية في كاريكاتور العلي:" حنظلة– فاطمة– الرجل الطيب– الطفلة سندريلا– الشخوص المتكرشة المترهلة– أبو عبد الكادر".
الكوفية الفلسطينية في كاريكاتير ناجي العلي، الكلمة واللغة، وثيقة السفر الفلسطينية، الوطن المحتل، الأسرى والمعتقلين، الحريات والديمقراطية، النفط، الخطاب الديني، التراث الشعبي، لبنان، أمريكا وأصدقائها العرب، التطبيع مع الكيان الصهيوني وأمريكا، كامب ديفيد، الوحدة العربية، المثقف الفاعل.. التزام وموقف، من أقوال الشهيد العلي، خاتمة".
وأشار أنعيم إلى أنه سعى لتقديم كتاباً عن "ناجي العلي: الريشة السيف"، كتبرئة لنفسه من خطيئة السكوت النقدي عن ظاهرة نادرة لا تبرز إلا في مفاصل القرون ومنحنياتها الصعبة.. سيما أن العلي رفيق الغربة والتشرد، المجبول بتراب الوطن، والمتوحد مع الألم، والمشارك في التصدي لجيوش الظلمة، والحالم دومــًا بمستقبل محملٍ بأكاليل الغار، استطاع أن يقفز بالكاريكاتور السياسي العربي قفزة واسعة، فأوصله إلى دنيا الاختزال والتجريد.. وقدم حكاية العلي الذي أشهر الريشة السيف في وجه الظلم والاحتلال والفقر والقهر والفساد.
كما لفت الكاتب إلى أن العلي كان يؤمن بأن قضية فلسطين هي أساس المعيار القومي والمعيار الإنساني، وأن فلسطين وشعبها جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والأمة العربية، وبأن النهوض القومي شرط أساس لتحريرها؛ لأن معيار الانتماء القومي عنده هو مدى الاقتراب أو الابتعاد عن عروبة فلسطين والعمل على تحريرها.
فالبعدان الوطني والقومي عند العلي يكادان أن يتوحدا في كثير من الصور والتعبيرات.. فهو يعتبر "الفلسطيني" مستهدف، كما " اللبناني" و "لأردني" و "السوري" و "العراقي" و "المصري" و "السوداني "... الخ، وإن تفاوتت حدة خطر ذلك الاستهداف من قبل العدو الصهيوني، الذي يعتبره العلي نقيضا للحرية والوحدة والحياة والتقدم.. كما يمثل القمع والسجون والتشريد والتهويد والقتل والإرهاب، ذلك هو مفهوم العلي للعدو الصهيوني الذي يعكس صورة الاعتقال والذبح والتهجير والاستيطان والقتل... سواء في فلسطين أو الجولان أو الجنوب اللبناني.
أخيرًا كان العلي يحك عقل القارئ ويقول: "منذ ثلاثين سنة وأنا أرسم نفس الأفكار والمبادئ، فلسطين بالنسبة لي ليست رفح والناقورة فقط إنها تمتد من المحيط إلى الخليج".