القاهرة 27 اكتوبر 2020 الساعة 08:00 ص
بقلم: حاتم عبد الهادى السيد
تحيلنا الروائية جمالات عبد اللطيف محمد، بنت المنصورة، في روايتها: "بعيداً عن السماء" إلى الأرض وما يحدث بها من فظائع؛ إلى صراخ تلك الفتاة المسكينة، تلك المقدمة على الجنون في أجمل وأبشع معانيه في نفس الوقت؛ فهى "مريم" ستهرب من البيت لتتزوج من يوسف محمد السيد هريدى بحضور عمه مصطفى وسيتم العقد بمقام الحسين عصراً، بعد أن يبارك الشيخ الشعراوى العقد، ويوافق عليه، وفى نفس اليوم في المساء ستتزوج من عماد السيد زخارى في كنيسة العذراء بشبرا بعد مباركة خاله القس عاذر راعى الكنيسة.. إذن ستتزوج من رجلين في يوم واحد: أحدهما مسلم والآخر مسيحى، يا للهول.
ولعلها –ولا أعرف– ربما تخاتلنا في التمهيد الذى سبق الرواية والذى يحكى أن رجلاً غريباً أتى إلى مؤتمر الأدباء بمطروح وظل يتفرس في الحضور فظنوه شاعراً أو قاصاً؛ لكنه لم يكن كذلك، ولما انتهى من التفرس اختار الشاعر والمثَّال/ علاء أبو خلعة ليسلمه المظروف الذي يحوى بيانات مهمة جداً وخطيرة – كما ذكر – وقد طلب منه أن يسلمه إلى الإسم الموجود على المظروف السيدة/ جمالات عبد اللطيف، وفعلاً أرسله إليها عن طريق الشاعر بهاء الدين رمضان، لتجد أوراقاً كثيرة، رواية لقصة تراجيدية ممتدة ، فما كان إلا أن نشرتها –كما تذكر الكاتبة– بكل ما فيها تحرياً للأمانة، وهى عبارة عن قصة طويلة لتلك الفتاة المقبلة على الزواج الغريب من رجلين في آن واحد.
ورغم مخاتلنا بما تقول؛ منذ البداية، وعلى الرغم من غرابة المقدمة، واستهلال الرسالة/ الرواية بقصة مثيرة، غرائبية إلا أنها نجحت عبر المماهاة بين الواقع والتخييل في نسج رواية فارقة، موضوعاً ولغة وسرداً، والعهدة على الراوية لأنها تحيلنا إلى شهود حقيقيين نعرفهم، فبهاء رمضان شاعر من الصعيد، وعلاء أبو خلعة شاعر ومثال سكندرى، وكلاهما –صديقاى– كذلك، لكنها أحالتنا إليهما –ربما لتهرب مما في الرواية من أحداث مقززة وخارجة عن السياق، وهذا احتمال المخاتلة الأول، وربما كانت هذه القصة حقيقية، وتريد لمن لا يصدق أن تحيله للشاعرين، كشاهدى عدل على ما حدث، وفى كُلٍّ سواء أكانت رواية واقعية حقيقية، أم متخيلة، فإنها طالما وضعت اسمها على الغلاف، فسنحيلها إليها، وسنعتبر المقدمة كنوع من المماهاة، والمخاتلة للإيهام بالسرد، وهى حقيقة ساردة رائعة؛ وروائية بامتياز، ولقد استطاعت أن تستلبنا، وتستفز مشاعرنا كقرَّاء؛ منذ البداية.
وتأتى الدهشة عبر السرد المثير: "سأتزوج من الرجلين، فكلاهما يحبنى، وأحبهما معاً! كفنى وثوب عرسى يتأرجحان الآن أمام عينى، ولا أدرى أيهما سيكتسى بدنى غداً، سأكتب مجموعة من الرسائل لعمى عمران وخالى بكرى، وعمدة قريتنا، وإمام مسجدنا، وأصحاب المقاهى، وسائقى الميكروباص، وسأكتب لشقيقى خالد في السعودية، سأكتب ما يصلح للحيلولة دون قتلى، ولتخفيف وطأة العار عن عائلتى.. للكلمات أرواح، ونفوس وطبائع وملامح ورائحة ومذاق، لأنها كائنات حية، السحر كلمات، والفرح كلمات، والحزن كلمات.. كلمات تجعلنا نعشق، نحلم، أو نألم ونبغض، نؤمن أو نكفر، نموت كمداً، أو نثور وننتفض وننهض.
لقد لخصت الأمور في البداية، فالمسكينة عاشقة، مجنونة بحب الحبيبين معاً، تخالف النواميس والقوانين والشرائع لتفوز بمن اشتهت، غير عابئة بشىء، وتكتب الرسائل للدنيا جميعاً، لتعرف قصتها، فلربما خففت الكلمات، ومعرفة الناس بالحكاية من إمكانية قتلها من قبل العائلة، أو من قبل المسلمين والنصارى معاً، فهى قد أباحت دمها للعالم كله، وسيتم الحكم بكفرانتيها، ومحاسبتها حتماً على فعلتها المشئومة التى ستهز المجتمع فقد هربت من بيت أهلها، وسوغت الزواج بشيخ "الشيخ الشعراوى"، ثم بعاذر "راعى الكنيسة" فهل ستدخل بالزوجين كذلك على سرير واحد، وفى وقت واحد كذلك، وهى بحق –كما قالت– ربما فقدت عقلها، أو أنها مقدمة على الجنون، لكنها مستيقظة، وتفعل ذلك بكامل إرادتها، فقد خططت، ثم نفذت بدقة، فيا للهول ويا لفظاعة ما فعلت.
ومع أنها بدأت في التبرير لما أقدمت عليه الأم، والتي تعاملهم بقسوة شديدة هى وأختيها الصغيرتين: "يسرا" و"آيات" أختيها الصغيرتين، وأخويها: "عامر"، "سلامة"، فالأم تريد تزويجها من زوج أختها التى ماتت لتربى الأطفال، وهى ترفض لأن قلبها كان معلقاً بمن خفق له ذلك القلب الرهيف، فما كان من الأم إلا أن ضربتها، وسجنتها وأرغمتها إلى ترك عملها كممرضة بمستشفى سوهاج لتزويجها بالقوة من زوج أختها المتوفاه، وهى التى خفق قلبها ليوسف عندما رأته يزور أمه المريضة في المستشفى في الصعيد.
إنها حكاية بنت صعيدية، وربما هذا ما يعقد المشكلة لديها أكثر؛ فمعروفٌ صرامة أهل الصعيد، ونخوتهم كذلك ، وقسوتهم، وجمالهم كذلك
وتصور لنا حياتها الصعبة، منذ موت الأب، وأختها التى كانت تحلم بأن تكون طبيبة مشهورة، وأخوها خالد الذى ذهب إلى العمل في المزارع السعودية كى يعود بمال يتزوج به، والجدة المتهالكة الحنون مثلها، والتي تريدها أن تبكى عند موتها لأنها تعرف أن أمها القاسية، لن تبكيها كذلك، فالأم رمز القسوة والعذاب هنا وليست رمز الحنان والدفء كذلك.
هذا وتبدو جمالية السرد وفرادته، فهو سرد سحرى لواقع صعب تسرده بلغة سلسة تجعلنا نلهث ونتابع الأوراق بشغف، لنرى التفاصيل المسيرة عبر تقنيات –الفلاش باك – السينمائية، الاسترجاع الذاتى لشريط أحداثها الحياتية، بلغة الساردة العارفة بتفاصيل السرد المتنامى، السرد النفسى الذى يحيطنا بواشائج وتعالقات لمجتمع الصعيد، شريحة منه – وليس كله بالطبع، ولأم قاسية، وظلم للبنت التى لا تستشار في الزواج، والقهر والمعاناة النفسية والفقر، وموت الأب ، والأخت، وسفر الأخ، وتشتت الحياة الاجتماعية، وقسوتها، وخشونتها كذلك.
إنها تجيد الحكى –عبر الواقعية السحرية– والمعادلات الضمنية والموضوعية، والتناصات والإحالات الرامزة التى تستدعى بواطننا، وتحيلنا إلى ذواتنا، نرأف لحالها مرة، ونستنكر ما فعلته تارة، ونتشابك مع درامتيكية المشاهدن وجماليات السرد الشاهق الباذج كذلك.
حتى زوج الأخت يبتز الأم بتهديده بعدم رؤية أولاد بنتها إذا لم يتزوج من مريم، وكلها أمور جعلت مرآها ليوسف ملاذاً للهروب من كل هذه القسوة، وجحيم البيت وظلمته، لكنها تنظر للجدة ولإخواتها الصغار فتتمزق، والأخ الكبير هاجر البلاد، والخال قدرى مشغول عنها كذلك، وكلها أمور ربما خلخلت تركيبتها النفسية وجعلتها حزينة؛ إلا أن ما أقدمت عليه هل هو محاولة للانتحار من زواجها برجلين في ليلة واحدة، أم أن لديها مرضاً نفسياً بسبب القهر والظلم والفقر والقسوة والحرمان؟
أسئلة مجتمعية تكشف عنها الرواية عبر واقع مصرى، وشريحة منه في الصعيد الجميل، القاسى، الحانى، والمظلم كذلك!
فهل هى البنت المتمردة –كذلك– والمتعلمة المثقفة التى تقرأ روايات ماركيز وتعشق القراءة والولوج إلى عوالم أخرى لتهرب من واقعها الصعب لتعيش في عالم أكثر رحابة، ولو على سبيل التخيل، أو التَّصَبّر على الحياة، ومحاولة تماسكها قبل أن تسقط في بئر الهموم و "فتنة الغواية" كما لدى ماركيز في روايته؟!
وعبر صديقتها نرجس بدأت حكاية الحب ليوسف، فقد مرضت عمة نرجس وأصيبت بحصوات بالكلى، وتم حجزها بالقسم الاقتصادى وأوصتها بعمتها/ رحمة ناروز عبد المسيح لتوليها العناية التامة، وهنا كانت الأقدار تخبىء لها المزيد حيث تعرفت إلى يوسف، الذى بادرها بالسؤال: آنسة؟ فأجابت بنعم، ثم طلب منها أن يطلع على الرواية فأعطتها إياه وخرجت، لتجد زميلتها زينب تستحلفها بأن تقضى الليل بدلاً منها في "النوبتشية" لأن خطيب زينب سيجىء من القاهرة، وقد قبلت على مضض؛ بعد أن أبلغت أمها بالهاتف، لتلعب الأقدار لعبتها وتتوثق علاقتها بيوسف، بعد أن رأته يقرأ في الإنجيل من سفر أيوب، فلما التقت عينها بعينيه، حسبته يوسف الذى قرأته في القرآن، وكأن الأقدار باسم الحب تعيد تريب القلوب، وتتخطى فوارق الأديان والزمان والمكان معاً، ثم رأينا يوسف يرجع لها الرواية ويقول: "إن هذه الرواية ما هى إلا ملخص لمائة عام من العزلة لجبرائيل جارثيا ماركيز، وأخبرها بحبه للروايات، كما أنه شاعر كذلك، ومن هنا بدأت خيوط الحب تسرى بشرايينها الوالهة، فقد وقعت في شرك الغواية/ الحب/ الجنون كذلك. ولنلاحظ مخاتلة السرد، فيوسف هنا قد قرأ من الكتاب المقدس "الإنجيل"، ثم تمتم بعبارات من القرآن، ثم الصليب الموجود المنقوش كالوشم على ساعد يده، ثم رأيناه يستأذن ليؤدى صلاة العصر، فما هذا السرد العبثى المخاتل، وهذه اللاتراتبية، والخلط بين كونه مسيحياً أم مسلماً؟! إنه المسيحى المسلم إذن، وقع حبها في قلبه، تقول: "طوال الليل لم أنم، أفكر في ذلك المسيحى المسلم، الذى يحمل ساعده صليباً، وتحمل جبهته زيتونة الصلاة، لا أنام!.. إنها مخاتلة السرد عبر الدهشة، الحقيقة والحلم، تكاملية الأديان بالحب، رغم تشاكليتها وتفارقيتها كذلك، وفى هذا تأرجح عقل، وواقع سحري، ومعادلات تفضى إلى الحيرة والتشاكلية، والإلغاز، والتشويق كذلك!!
ولعلها تمكيج السرد بالمماهاة، بمخاتلة الحوار، فيوسف الذى فتن بزليخة في المستشفى، وبمريم المسكينة، لما رآها أراد أن يغازلها فقرأ من الكتاب المقدس "الإنجيل"، وهى تقف قبالته كحبيبين يتناجيان، ويوثقان حبهما بكلمات الإنجيل، فلما رآها يوسف أمسك الكتاب وبدأ يقرأ: "أيتها الجميلة بين النساء حوّلى عنّى عيناك فقد غلبتانى، من هى المشرقة مثل الصباح، الجميلة كالقدر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيش بألوية، كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتى بين البنات؟
إنها جماليات الحوار المدهش، عبر فرادة وجمال وطهر الحوار للغرام المخاتل، فهو يناجيها عبر الكتاب المقدس، وهى تستمع بقلبها معه، فتخش الكلمات إلى منطاد ذاتها، فتطير إلى سماوات غير مُحَدَّة، عبر سيكودراما سرد أنيق، معطر، كعطرها النورانى البهيج.
لقد بدأ حبها له، وغيرتها منذ قدوم كريستنا قريبته، والتي تحاول ممازحته، فما كان منها إلا أن قامت بطرد يوسف بحجة الخروج لتُغَيِّر الجرح للمريضة، وأرادت بغيرتها أن يبتعد، وكانت هذه أول علامات دق القلب بقوة، وبعنف، وبحب جارف، طاهر، وبغيرة غريبة كذلك.
ولعلنا نلمح مخاتلة وتناقضات الموقف، فيوسف يحمل في يده مسبحة وصليباً، وتناديه البنت ب"أبونا" فما هذا العبث والمخاتلة للعقل، وهل توحدا: الإسلام والمسيحية، في قوله، وفى أفعاله فاندغما ليشكل عجينة متماسكة بفعل الحب، ام أنها تريد أن تقول بأن الأديان كلها تتعانق، وتتعالق دون قيود، فأن تكون مسيحياً مسلماً، وأن تكون مسلماً مسيحياً فهذا يجوز، وكأنه دين ثالث جديد، تنادى به، أو تدعو إلى ذوبان الفوارق بين الأديان كذلك، لتقول عبر اللغة الإنسانية الغريبة، والمخاتلة، والإدهاشية: لا فرق بين الأديان في العبادة، وكذلك في التطبيق؟!
من المؤكد أنها منطقة شائكة تحاول الدخول إليها عبر السرد الذى يشبه صوفية جديدة، أو شيوعية وفوضى، وترابطية، وتساوقية، وتناقضات لا تفرق بين الأديان في الممارسة والتطبيق، ربما!! بل يدعو السرد لإنسانية وسماحة، فأخت يوسف المسيحية هربت لتتزوج بالمسلم، وظلت على مسيحيتها، بل رأيناها تعلق صورة الشيخ الشعراوى، والبابا كيرلس في شقتها، كرمز لتعانق الأديان في محراب الحب الطاهرالجميل، ولعلنا نلحظ رد فعل يوسف عليها فقد تبرأ من اخته التى تزوجت المسلم، ثم نراه يذهب ليصلى!!
وكأن الكاتبة تريد أن تشير إلى قضايا الصعيد ومشاكله، والتعصب بين المسلمين والمسيحيين هناك، وهى من جانبها تريد التآخى بالحب، والصلاة للجميع في الكنيسة والمسجد أيضاً.
ثم تبدأ قصة أخرى –قصة داخل القصة– عبر رسالة يوسف إليها ليحكى لها تزوج أبوه المسلم / محمد السيد هريدى من أمه ، فتقاسم يوسف دينهما معاً : يذهب ليصلى الجمعة مع والده المسلم، ويذهب في ليالى الآحاد مع والدته ليصلى في الكنيسة فأصبح المسلم المسيحى يحتفل بعيد الفطر وعيد الفصح، وعيد الأضحى وعيد القيامة، معا ًتحت مظلة الأديان، التى ظللت بيتهما بعقد الزواج المختلط لوالديه ، لكنه مع ذلك في حيرة ، يقول : فلا المسجد شفع لى عند أهل أبى، ولا الكنيسة شفعت لى عند أهل أمى، وهو الحائر بينهما كذلك القريب/ البعيد/ المتشائل/ الغرائبى، وأصبح كالهجين، أو كإبن الحرام كما يقولون عنه في المجتمع ، فنصفه مسلم، والآخر مسيحى، وأصبح كالمطارد الغريب، لذا فكر بالسفر إلى أمريكا كى تنهى عذاباته. إنها تستعيد قصة يوسف عبر المثيولوجيا كذلك، وتقول لمن يرفضن هذا الحب: "لو جربتن لعذرتمونى، وما لمتننى فيه"، فهو الآن غدا زيتونتها في القلب تصدح، وعينها التى تبصر، وحياتها القادمة .كما نلحظ السردى الشاعرى، الذى يقترب من روح الشعر الباذخ، وهى المتمردة، لا تريد طاعة القسوة وعدم إبداء الرأى في الزواج كبنات الصعيد المساكين – كما تذكر- ، فتميت الحب داخلها، ولا هى تستطيع مجابهة المجتمع لتجأر بصراخها وتتزوج من تحب!! ثم تخاتلنا من جديد، تعود، وتعيدنا إلى صوابنا فهى لم تتزوج رجلين، بل تزوجت المحبة بين الديانتين، فرأيناها تهرب لتعقد قرانها على يوسف محمد هريدى، ويوسف عماد زخارى، فهو فرد واحد مسجل ببطاقتين: إحداهما مسلم، والآخر مسيحى، وقد أرادت أن تعقد قرانها في الحسين على يدى الشيخ الشعراوى رمز الإسلام، وفى الكنيسة على يد القسّ رمز المسيحية لتتعانق المحبة في أرومة روحها التى تسع المحبة في الديانتين، والتي وثق عقدها الحب والزواج، رغم نظرات المجتمع الغريبة، لتتزوج مسلماً كذلك، ولا تخالف دينها، لكنه المسلم المسيحى المعلق قلبه بالمآذن، وأجراس الكنائس أيضاً.
وتنهى جمالات عبد اللطيف المأساة/ الرواية بكلماتها: عزيزتى مريم، وبينما أقوم بنشر حكايتك، اتمنى من الله أن تكونى بخير وعلى قيد الحياة، وعلى قيد الأمل "تمت "
إنها مأساة التراجيديا عبر آلام الحياة الفظيعة، وعبر التقاليد، لكنها قصة مفعمة بالقضايا، منها تَنَصَّلَ الكاتبة، ولأول مرة –في حياتى– أرى تنصل الكاتبة من روايتها، بل والإتيان بشاهدين، كما ذكرت في البداية، فلربما لوعورة القضايا الشائكة التى طرحتها أرادت أن تهرب كذلك، وتضع القارئ والمجتمع على مشاكل كثيرة، وتربأ بنفسها عن المسئولة، وربما كانت مصيبة لتنشر حكاية الظلم والرهبوت لقسوة الأيام ومراتها، لكنها في مجملها تحمل روح "القصة العالمية"، "الإنسانية" التى ستخلد الكاتبة، كما خلدت قصة مريم أيضا.ً
تظل هناك كلمات لا نستطيع التفوه بها، نهرب منها، نطليها بطلاء ساحر، نخفى خوفنا؛ لكن شمس الحقيقة تأبى إلا أن تطلعنا إلى قصة من النوع الخالد، ورواية إنسانية بامتياز، بعيداً عن أوامر ونواه للديانات، لكنها رواية: حقيقة كانت أم خيالاً، تطرح أسئلة شائكة، وتفضح عرينا المجتمعى، وتوقفنا عند إنسانيتنا الغائمة، حيث للحقيقة وجوه مغايرة، وللحب وجوه مختلفة، وأبدية أيضاً.