القاهرة 20 اكتوبر 2020 الساعة 09:02 ص
أجرى الحوار: محمد زين العابدين
* كتبت قصص الأطفال في عمر مبكر جداً فكنت طفلة تكتب للأطفال
* بدون أن نتكىء على تراثنا العريق ستصبح حضارتنا طفيلية تنهل من تراث الآخرين
* معظم دور النشر العربية تقوم بنشر كتب الأطفال الأجنبية بلغاتها الأصلية أو تترجمها دون تدقيق فى مدى ملاءمتها للطفل العربي
هى كاتبة تعيش بروح الطفولة المحلقة في عالم جميل لا يعرف الشرور، ولا الأحقاد والفتن. وقد وهبت قلمها وجهدها لخدمة الطفل العربي؛ سواء من خلال القصص التى كتبتها للأطفال، وتم تحويل بعضها إلى أعمال فنية أو سلسلة الكتب والمناهج التعليمية الموجهة للأطفال، بالإضافة لاهتمامها بالمشاركة الفعالة في أية أنشطة خيرية موجهة لصالح الأطفال خصوصاً الأيتام؛ فقد ذاقت مرارة اليتم بعد فقد أبيها،وحرمانها من العيش في بلدها العراق لظروف سياسية، وهى في عمر الزهور، برغم أن والدها كان زعيماً بارزاً لقبيلة بنى تميم العربية الأصيلة بالعراق. وبعد أن عاشت بحكم ظروف أسرتها معظم سنوات طفولتها وشبابها بالأردن، درست إدارة الأعمال في لندن،اتجهت إلى القاهرة الساحرة من أجل دراسة الإعلام، فعشقت القاهرة مقاماً لها، لما وجدته أن مصر حاضنة لكل العرب، وساحة نابضة بالحياة في الثقافة والأدب والفن،وفي هذا الحوار تؤكد الأديبة العراقية سارة طالب السهيل أن الكتابة للأطفال في الوطن العربي تعاني من التهميش، وأنه يجب ربط أطفالنا بتراثهم العريق.
• أولا نريد أن نستعرض أهم المحطات في تجربتك الإبداعية؟
بدأت رحلتي مع الكتابة في عمر صغير جدا، حيث بدأت أولا بكتابة الشعر، وإن كانت محاولاتي فيه وقتها مجرد خربشة على الورق غير مكتملة النضج، ثم اتجهت لكتابة قصص الأطفال، فكنت طفلة تكتب للأطفال، ثم نضجت تجربتي أكثر، فبدأت أكتب المقالات، وكان عمري ستة عشر عاماً عندما نشر لي أول مقال بجريدة الحياة اللندنية، وكنت قد أرسلته للجريدة كقارئة تراسل جريدتها المفضلة، وفوجئت بنشره أكثر من مرة، مما شجعني، ثم راسلت جريدتى الشرق الأوسط والقدس العربي، وكنت أسعد جداً بترحيب الصحف بنشر مقالاتي، وكأنها لكاتبة مخضرمة رغم أنني كنت ما زلت طالبة بالمدرسة الثانوية، ثم سافرت للدراسة الجامعية في لندن مع مواصلتي للكتابة الصحفية والأدبية، حيث كتبت الشعر وقصص الأطفال والمقالات، وقد تستغرب أن أول ديوان شعر صدر لي كنت وقتها طالبة بالمدرسة، كما صدرت أول قصة كتبتها للأطفال، وأنا في السنة الجامعية الأولى.
• متى بدأت إقامتك في القاهرة؟ وما الذى استفدتيه خلال تلك المرحلة من حياتك؟
جئت للقاهرة بعد إنهاء دراستي الجامعية في لندن، حيث درست إدارة الأعمال، ولكنني وجدت أن دراستي لإدارة الأعمال لم تكف لإشباع فضولي إلى المعرفة،فاتجهت لدراسة الإعلام في القاهرة، ثم حصلت على الماجستير فى علم النفس،وحالياً أخطو خطواتي الأولى نحو الحصول على الماجستير في الإعلام، فأنا شغوفة بالدراسة.
وقد استفدت كثيراً من وجودي بالقاهرة، فقد احتضنتني في فترة مبكرة من حياتي،عندما جئتها لدراسة الإعلام، وأخذت أتردد عليها باستمرار بعد ذلك، فكنت كلما جئت إليها أتزود بالوقود الروحي اللازم لي لمواصلة رحلتي مع الحياة والإبداع.. والأهم من الدراسة الجامعية، هو استفادتي من الانخراط في الحياة الثقافية بالقاهرة، واللقاء بالمبدعين والنقاد، والمشاركة في المنتديات الأدبية، ومشاركتي في الأمسيات الشعرية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فكل هذا أسهم في إثراء وجداني، وصقل تجربتي الإبداعية؛ خاصة أنني تلقيت تشجيعاً كبيراً من النقاد وكُتّاب الأطفال الكبار، مثل يعقوب الشاروني، وعبد التواب يوسف..
كما استفدت كثيراً من مجالسة المفكرين الكبار وسماع أفكارهم، مثل محمود أمين العالم وغيره، فالحياة الثقافية والفنية بالقاهرة تشكل زخماً كبيراً يفيد المبدع في كل دقيقة، فأنت تتعلم من كل ما يدور حولك شيئاً جديداً،ومن خلال تجاربي في العيش بعدة مدن عربية وأجنبية، إلا أنني أجد أن الإيقاع السريع للحياة في القاهرة هو أهم ما يميزها، ويجعلها مختلفة عن المدن الرتيبة الإيقاع، ويمكن أن أقول عن اقتناع أن حياتي في القاهرة قد أضافت لي عمراً فوق عمرى.
• ما هى أهم مؤلفاتك للأطفال؟
أنا أعتز بما أصدرته من كتب، ومناهج تعليمية للأطفال؛ وصل عددها إلى 54 كتاباً، وهى متداولة بالعراق، وقد وجهتها لمرحلة الروضة، وأنوي تكملة هذه الإصدارات بكتب موجهة للسنوات الأولى من التعليم الابتدائى، وأنوي إصدار هذه الكتب بمصر أيضاً بإذن الله.. وآخر قصة كتبتها للأطفال، وصدرت في القاهرة عن دار المعارف بعنوان "ندى وطائر العقاقير".. وصدر قبلها عن دار المعارف أيضاً قصة "أميرة البحيرات".
أما أول قصة كتبتها للأطفال فكانت بعنوان "سلمى والفئران الأربعة"، وقد صدرت في شكل كتاب، وشريط كاسيت؛ أحكي فيه القصة بصوتي للأطفال، وقد تم تحويل قصة "سلمى والفئران الأربعة" إلى مسرحية، قامت بتمثيلها الفنانة دلال عبد العزيز على مسرح فيصل ندا، كما تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.. وهناك أيضاً قصة "نعمان والأرض الطيبة" التي تم إصدار طبعة خاصة منها بطريقة "برايل" للمكفوفين، وقصة حب صينية، أو "سور الصين الحزين"، وقد صدرت باللغتين العربية والصينية، وقصة "اللؤلؤ والأرض" وهى مهداة إلى الطفل الفلسطيني، بالإضافة إلى قصة استوحيتها من ليلة عيد الميلاد بعنوان "ليلة الميلاد"، أهديتها للبابا شنودة رحمه الله، وكتب بنفسه مقدمتها، كما أقام لي حفلا لتوقيعها بالكاتدرائية.
• وماذا عن إنتاجك الأدبى؟
أصدرت ثلاثة دواوين شعرية، هى: "صهيل كحيلة"عام 2000 باللهجة العامية،ثم "نجمة سهيل"عام 2002؛ والذي تضمن قصائد بالفصحى، وآخرها ديوان "دمعة على أعتاب بغداد "عام 2005؛ والذي عبرت فيه عن حزني من الأوضاع في العراق، ومن فراقي له.
• كيف استفدت من الكتابة للأطفال على المستوى الإنساني؟
الحقيقة أن الكتابة للأطفال تمثل طاقة روحية إيجابية بالنسبة لي، وأنا لا أكتفي بالكتابة للأطفال بل أحرص على أن تكون لي مشاركات تفاعلية معهم، فأنا أقرأ لهم القصة قبل طباعتها وبعد طباعتها، من أجل أن أعرف بنفسي ردود أفعالهم عليها،وأتصور أنني يصدق عني ما قاله النقاد من أنني "طفلة تكتب للأطفال"، فروحي الطفولية لا تفارقنى أبداً.
• برأيك.. هل هناك اهتمام كافِ بالكتابة للأطفال في الوطن العربي لربط الطفل بثقافته العربية؟
الإجابة لا بكل أسف، فالكتابة للأطفال عندنا غير مجزية مادياً أو أدبيا؛ لأن كاتب الأطفال في الغالب غير معروف، ومن الممكن أن تجد في الوطن العربي كُتّابا للأطفال حائزين على جوائز عالمية، مثل الكاتب الراحل الكبير عبد التواب يوسف، وربما لا تعرفهم الغالبية، كما أن دور النشر لدينا بكل أسف لا تتحمس كثيراً لطباعة كتب الأطفال، وربما يعتبر هذا من أهم أسباب تراجع أدب الطفل في الوطن العربي، هذا بالرغم من أن الاستثمار في الطفل يعتبر أعظم استثمار؛ لأنه استثمار من أجل المستقبل، ومعظم دور النشر العربية تقوم بنشر كتب الأطفال الأجنبية بلغاتها الأصلية أو تترجمها دون تدقيق فى مدى ملاءمتها للطفل العربي.
• ختاما، كيف ترين أهمية توظيف التراث فى الكتابة للأطفال، وهل استخدمت الرموز التراثية فى كتاباتك؟
التراث يشمل مجموعة من الآداب، والقيم، والعادات، والتقاليد، والمعارف الشعبية، والثقافة المادية، والفنون سواء الرسم أو الموسيقى، والاهتمام به من الأولويات الملحة،لكى ينتقل من جيل إلى آخر عبر العصور حفاظاً على ميراث الآباء والأجداد، وقد وظفت التراث في كتاباتي القصصية للأطفال، كمحاولة لتعريف الطفل بالتراث الإنساني، وظهر ذلك مثلا في قصة "اللؤلؤ والأرض"، والتي استوحيتها من التراث الفلسطيني، ولم أقتصر على تراثنا العربي، بل امتدت تجاربي مع التراث إلى التراث الصيني فى قصة "سور الصين الحزين".
وأنا بصفة عامة مهتمة بتوظيف الرموز التراثية في كتاباتي، حتى في استخدامي للتراث الشعبي في أغلفة قصصي للأطفال،كما في قصة "نعمان والأرض الطيبة"، حيث استخدمت صورة الحصان العربي بكل ما يرمز له من أصالة وشموخ، وذلك لأن التراث وسيلة للمعرفة؛ ولا وجود لحضارة بدون التراث، خاصة أنني ابنة العراق؛ صاحب الحضارة الممتدة عبر التاريخ، وبدون أن نتكيء على تراثنا العريق ستصبح حضارتنا طفيلية، تنهل من تراث الآخرين دون ارتباط بتراثها الأصيل؛ شأن الطفيليات التي تتقوت مما تنتجه الأشجار الأخرى، فما أن تحبس عنها الأشجار قوتها اندثرت مهما بلغت طولا وعرضا.