القاهرة 13 اكتوبر 2020 الساعة 11:17 ص
قصة: محمد أبوزيد
- شرابات يا ولادي شرابات يا بني
تلك العبارة أصبحت جزءا من يومي، في كل مرة أمُر عليها ذهابًا وإيابًا، تقولها لِلْمَارِّينَ، إمرأة مُسِنة في الستين من عمرها، حركتها ضئيلة.. ذات مرة دَخَلَت المقهى لا تسير خطوات إلا وتستريح بكرسي، قلت في نفسي أين أولادها ليتركوها هكذا.. بدا الأمر في رؤيتي لها أول مرة كسائلة للمال، وبعد مُتابعتها طيلة عام ونصف، أصبحت تمتلك عددا من جوارب الرجال وتمر بالمحلات، ولا تبعد عن هذه المنطقة بعينها، صحتها جذريًا لن تسمح أبعد من ذلك.. وفي الآونة الأخيرة اتخذت مقرا بجوار مسجد وهذه عباراتها المشهورة.. شرابات يا ولادي شرابات يا بني.. وأرد كالمعتاد:
- تسلمي ياما
- تسلم يا بني من كل سوء، تعالى يا بني شيلي الشنطة.. البيت هنا مش بعيد طلعهالي الدور التاني وسيبها.
- طب هاتي الشنط كلها وهاتي أيدك
- لا.. كفاية أنا هسند على العربيات، وديهم انت وروح لمصلحتك.
هي حريصة دومًا أن تكون خفيفة الظل، حتى سؤالها للمال لم يَطل، واشترت بِضَاعَتهَا تلك، وما يأتي من رزق ترضى به، ولا تقبل سوى ما يُقابل بضاعتها، تتساهل في البيع لأقصى درجة، ونحن في طريقنا لبيتها..
- فين ولادك يا حاجة؟
- ....
كررت السؤال؛ فأجابت.
- كله راح لحاله..
- طب حتى يكونوا معاكي
- ربنا موجود...
وصلنا المنزل الكبير وأشارت إلي أن أتركهم "وأشوف مصلحتي" ودَعَت بما فيه الخير، وكأني ضغطت بسؤالي على جُرح غائر ظل ينزف في كلماتها، ومع كل درجة من السُلم تصعدها يصعد معها الألم، تُردد:
- كل حي راح لحاله، ربنا موجود، كل حي راح لحاله، ربنا موجود.