القاهرة 06 اكتوبر 2020 الساعة 10:52 ص
كتب: محمد علي
تشكل أفلام حرب السادس من أكتوبر جزءا مهما من أرشيف السينما المصرية، ذلك كونها تشكل حيزا كبيرا من الوعي الجمعي لدى المصريين الذين تشكلت رؤيتهم الخاصة بالحرب من تلك الأفلام التي يتم عرضها على مدار ذكرى يوم الحرب من كل عام.
الهدف الأساسي من أفلام الحرب هو تخليد الذكرى من خلال شريط سينمائي يسهم في إعادة التعريف بهذا الانتصار العظيم، وتحديدًا للأجيال التي لم تشهد سنة النصر وبدأ يتشكل وعيهم بعد سنوات عديدة من ذلك التاريخ. لذا كان واجبًا على صناع الفن في مصر أن يعملوا جاهدين للتأريخ لتلك الحرب.
لم ترتكز الأفلام على يوم السادس من أكتوبر تحديدًا، بل تنوعت الأفكار من خلال الأحداث التي سبقت الحرب من عمليات استخباراتية ونماذج لوحدات من الجيش أثناء حرب الاستنزاف، وغيرهم من العمليات التي كانت تنفذ خارج أرض الصراع/ الحرب.
تنوعت أيضًا الخطوط الدرامية في هذه الأفلام، فيما يلائم الحدث الرئيسي ألا وهو الحرب من أجل استقلال الوطن، فظهر العديد من النماذج للشخصيات التي من نفس البلد نعم ويشغلها هم الاستقلال واسترجاع الأرض، على الرغم من اختلاف ثقافتهم عن بعضهم البعض، كونهم يأتون إلى معسكرات الجيش من محافظات مصرية مختلفة.
•سينما وثائقية في الطريق إلى إيلات:
يصور الفيلم إحدى العمليات التي نفذتها القوات البحرية بالتعاون مع المخابرات المصرية، إبان حرب الاستنزاف. وكما أشار صناع الفيلم في العديد من اللقاءات التلفزيونية بأنهم كانوا حريصين على أن تخرج الصورة النهائية للفيلم كما كان عليه الحدث في الواقع، وهذا قد جعل مدة التصوير تطول لعام كامل، كونهم كانوا يتعاملون مع الفيلم على أنه وثائقي وليس سينمائيا.. وما يؤكد ذلك هو الحرص الشديد من صناع العمل بقيادة المخرجة إنعام محمد علي أن تكون أماكن التصوير في الواقع الحقيقي وليس في أماكن تم إعدادها، خصيصًا للتصوير، وكذلك الإكسسوار المستخدم من متفجرات وقوارب بحرية.
يظل الفيلم الذي من إنتاج عام 1993 عالقًا في أذهان كل المصريين، كونه يعبر عن تحقيق خطوة مهمة في 1969 أثناء حرب الاستنزاف، فالفيلم خلد بطولة خاصة في تاريخ تلك الحرب بتفجير المدمرة إيلات "بيت شفيع – بات يام" والجدير بالذكر أن تلك العملية قد غيرت شكل الحرب البحرية في الصراع بشكل كبير، لذا يحتل الفيلم مكانة مهمة لدي المصريين.
• عندما يختلط الثأر الشخصي وثأر الوطن في الرصاصة لا تزال في جيبي:
يستحوذ الفيلم الذي تم إنتاجه في 1974 ومن إخراج حسام الدين مصطفي، على عاطفة الكثير من الشعب الذين يتعاطفون مع البطل السينمائي، كما يتعاطفون مع قضية وطنهم الأهم وهي تحرير الأرض، فالبطل يذهب للحرب وهو يمني النفس بالأخذ بالثأر لابنة عمة. والفيلم جاء على مستوى فني جيد إلى حد كبير ويحسب له الخط الدرامي القوي الذي لم يغفله صناع الفيلم.. والجدير بالذكر هنا هو الاستعانة بمخرج إيطالي الجنسية لتنفيذ مشاهد الحرب ودمج الحقيقي بالمشاهد التمثيلية التي نفذها الممثلون. وأشار صناع الفيلم سابقًا أنهم قد استخدموا محافظة الإسماعلية كمكان تصوير للفيلم، كونها تحتوي على عدد كبير من الحكايات التي عاشها الكثيرون في الحرب.
• الممنوع من العرض حائط البطولات 1999:
الفيلم من إخراج حسين السيد.. يستعرض قوات الدفاع ودورها في بناء حائط صد الصواريخ، ويتخلل الفيلم جوانب اجتماعية لحياة شخصيات يدفعها الثأر الشخصي قبل القضية الوطنية وبينما هم يعملون لم يعد وجود لتلك الإشكاليات وغلب عليهم الثأر من أجل الوطن. وعلى الرغم من تقديم يد المساعدة لصناع الفيلم وتدريب العاملين فيه على كيفية استخدام السلام بل وصل الأمر على حد قول صناع العمل أن القوات المسلحة قد أمدتهم بالسلاح والمعدات التي ظهرت بالفيلم، توقف الدعم في المراحل الأخيرة، وتم الاعتراض عليه من جانب الشئون المعنوية على الرغم من الميزانية الضخمة التي جاوزت الـ16 مليون جنيه.. والجدير بالذكر هو ما اتضح من أسباب لمنع العرض والتي قيل إنها قد بخست دور القوات الجوية في الحرب. ومن ناحية أخرى أرجع البعض المنع بسبب تجسيد عادل حسني -المنتج المنفذ للفيلم- لشخصية حسني مبارك رئيس الجمهورية الأسبق حينذاك؛ والذي لم يربطه أي شبه به مما تخوف البعض من غضب الرئيس.
• أسد سينا لحسين السيد 2017:
حرص السيد على أن يكون هناك جانب اجتماعي كبير في الفيلم وذلك من خلال تجسيد شخصية الجندي سيد زكريا خليل الأشهر ضمن سلاح المظلات والذي قام بالتصدي لكتيبة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، واعتمد الفيلم على المكان الواقعي في أيام التصوير.. والجدير بالذكر هو استمرار الدعم من القوات المسلحة الذي وصل حد التصوير بمجندين الصاعقة من داخل القوات المسلحة خوفًا من أن يصاب أحد العاملين.
الخلاصة.. إن أفلام الحرب تعد نوعًا من أنواع التأريخ، حيث يضم شريط الفيلم السينمائي العديد من التفاصيل التي تبرهن وتؤكد على ذلك الحدث التاريخي المصري. كل هذه الأفلام وأكثر شكلت جزءا كبيرا من وعي المصريين، حتى إن المعلومات التي يتداولها الكثيرون، هي في الأصل مستمدة من هذه الأفلام. والأهم من ذلك هو العامل الأكثر أهمية لتلك الأفلام، حيث تسهم في تنمية الأجيال الحديثة وتعريفها بذلك الحدث الجليل في التاريخ المصري. ربما تكون الصورة السينمائية لهذه الأفلام لا تضاهي جودة الصورة في الوقت الحالي إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها على الإطلاق.
قدمت القوات المسلحة من خلال هيئة الشئون المعنوية يد المعونة لكل من أراد صنع مادة فيلمية عن حرب السادس من أكتوبر، وذلك على كل مستويات الصناعة بدايةً من الكتابة والتحضير بإمداد الكتاب بالملفات والأسرار التي كانت تخص الحرب والتعريف بأبطال عملوا في الخفاء من جنود وضباط ومواطنين ساعدوا القوات المسلحة على أرض الواقع. وكذلك المساعدة من خلال التدريب على كيفية استخدام السلاح وتقديم الأسلحة والذخيرة التي استخدمت في هذه الأفلام، وكل ذلك بجانب تقديم الدعم المادي والمعنوي لصناع هذه الأفلام.
يختلف بعض النقاد أحيانًا حول هذه الأفلام بسبب المبالغ الطائلة التي كانت تُصرف على الإنتاج، ويرون أنه كان من الأفضل استثمار كل تلك الأموال في صنع أفلام وثائقية وإعادة ترميم فيديوهات حقيقة من الحرب، إلا أنهم يشيدون بالدور المعنوي والنفسي الذي يقوم بشحن المواطن تجاه قضية وطنه والإلمام بالسياق الزمني والتاريخي لهذه الفترة العصيبة من تاريخ الوطن.