القاهرة 24 سبتمبر 2020 الساعة 09:22 ص
أتابع عن كثب مبادرة عيادة "تحيا مصر أفريقيا" منذ وصول الفريق الطبى المصري إلى جنوب السودان، برئاسة الدكتور محمد جاد رئيس هيئة الإسعاف والمشرف على قطاع العلاقات الصحية الخارجية بوزارة الصحة والسكان فى 25 من سبتمبر 2019؛ وذلك ضمن مبادرة السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، لعلاج مليون أفريقى من “فيروس سي”، وهى مبادرة لها شأن من التأثير فى قارتنا لو تعلمون عظيم، يكفى أنها تعيدنا لمشهد سابق كانت عليه الدولة المصرية وقطاع الصحة المصرى عندما كان قصر العيني جامعة للأطباء من كافة دول العالم؛ يأتون إليه للدراسة والتعلم وممارسة الطب، ثم يعودون الى أوطانهم أطباءً ممارسين محترفين.
توجد عيادة "تحيا مصر أفريقيا" فى كل من جوبا عاصمة جنوب السودان، وأرتيريا، وأنجامينا العاصمة التشادية، وتدعمها وزارة الصحة المصرية بـ 1,2 طن أدوية ومستلزمات وأجهزة طبية، شملت 3 آلاف عبوة سوفوسبيفير، 3 آلاف عبوة داكلاتاسفير، المعالجين لفيروس سي، وألف عبوة تينوفوفير لعلاج فيروس بي، 10 آلاف كاشف سريع لفيروس سي، 10 آلاف كاشف سريع لفيروس بي، و5 آلاف كارت مريض، وجهاز pcr، و1500 محاليل اختبار لجهاز ال pcr، وألفي سرنجة، و1500 أنبوبة جل خاصة لتحاليل pcr، كما تم افتتاح وحدة غسيل كُلوي شملت 15 ماكينة غسيل، ووحدة معالجة مياه، وجهاز تحليل المياه، وجهاز موجات فوق صوتية، كما تم إيفاد فريق هندسي طبي مصري لصيانة الوحدات المعطلة، بالإضافة إلي تجهيز إحدى عيادات قسم طب وجراحة العيون وصيانة ورفع كفاءة عيادتين أخريين، كما تم تسيير قوافل في مجال جراحات الرمد.
وتأتي مبادرة الرئيس فى إطار سياسة مصر الخارجية التى تعمل على استعادة دور الدولة المصرية إقليمياً منذ سنوات؛ وهى مبادرة لا تقل أهمية عن مبادرات الدولة المصرية فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر؛ أبرزها دعم حركات الاستقلال القومي في القارة الافريقية والإقليم ورموزها من أمثال نهرو، سوكارنو ونيكروما وبن بيلا، ولومومبا، وهي مبادرة ودور مازال أبناء القارة الأفريقية يحفظونه فى قلوبهم حتى يومنا ولن ينسوه.
ما قدمته مصر من دعم دائم لأفريقيا منذ ستينات القرن الماضى لم ينقطع إلا فى سنوات لاحقة بنهاية عهد الرئيس السادات، ومنذ تسعينيات القرن الماضى فى عهد الرئيس مبارك عقب محاولة اغتياله فى أديس أبابا، وقد عاد مرة أخرى وبقوة فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى ظل التأكيد على أن انتماء مصر لمحيطها الإفريقي يتجاوز الأبعاد الجغرافية والتاريخية التقليدية، حيث يعد هذا الانتماء مكونا رئيسيا من مكونات "الهوية" المصرية على مر العصور، وعنصرا محوريا في تشكيل المعالم الثقافية للشخصية المصرية، تلك الهوية التي تشكلت من خليط عربي اللغة، وإسلامي وقبطي الديانة، وبحري متوسطي، ونيلي أفريقي.
وللتذكرة وحتى لا ننسى ما قام به الرئيس الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ توليه الرئاسة في يونيو 2014 تجاه قارتنا الأفريقية والذى تمثل فى مشاركته بقمتي الاتحاد الأفريقي بغينيا الاستوائيـة وأديس أبابا، كذلك الجولات الأفريقية لرئيس مجلس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب إلى العديد من دول القارة مثل: غينيا الاستوائية وتشاد وتنزانيا واثيوبيا، وإرسال مبعوثين رئاسيين إلى عدد من الدول الأفريقية ذات الثقل من أجل توضيح حقيقة الأوضاع في مصر عقب ثورة يونيو 2013، كما استقبلت القاهرة زيارات متكررة للجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى لمصر برئاسة السيد ألفا عمر كوناري رئيس مالي الأسبق.
أما بالنسبة لزيارات وفود دبلوماسية مصرية، فنجد أنها شملت العديد من دول القارة منها: أوغندا- بوروندي- تنزانيا- الكونجو الديمقراطية- إثيوبيا- السودان- جنوب السودان -أريتريا- كينيا- تشاد- نيجيريا -الجابون -غانا- السنغال- مالي -بوركينا فاسو- الكاميرون -سيشيل- غينيا الاستوائية، كذلك زيارة العديد من رؤساء الدول الأفريقية لمصر: السودان، وجنوب السودان، وغينيا الاستوائية، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، واريتريا، وجنوب أفريقيا، وبورندي، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وتونس، وزيارات العديد من الوزراء والمسؤولين الأفارقـة لمصر.
ولم ننس ما وقعته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من مذكرة تفاهم لإقامة تعاون ثلاثي بين مصر والمنظمة في أفريقيا في مجالي الزراعة والأمن الغذائي، خاصة في دول حوض النيل ودول القرن الأفريقي .
ولن نغفل اهتمام مصر بالقضايا والنزاعات الواقعة في وسط وغرب القارة، ولاسيما في أفريقيا الوسطى ومالي وكوت ديفوار، ومكافحة الأوبئة والأمراض وفي مقدمتها وباء الإيبولا خصوصا في ليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري، ومكافحة الإرهاب وأمن الساحل فى تشاد والنيجر ونيجيريا.
أما على مستوى المشاركة المصرية في القارة، فجاء أبرزها مشاركتنا فى القمة العربية الأفريقية والتي عقدت في الكويت يومي 19 و20 نوفمبر 2013, والمشاركة في قمة الكوميسا المنعقدة بكينشاسا في فبراير 2014, والمشاركة في اجتماعات على المستوى الوزاري لتجمع الساحل والصحراء المنعقدة في مارس 2014 بالخرطوم, ومشاركة مصر بفاعلية في العديد من الاجتماعات اللاحقة كقمة أفريقيا الاتحاد الأوروبي ببروكسل في أبريل 2014، وقمة أفريقيا الولايات المتحدة بواشنطن في أغسطس 2014، بالإضافة إلى المشاركة البناءة في اجتماعات التكتلات الثلاث: الكوميسا – السادك- تجمع شرق أفريقيا ببوروندي في أكتوبر 2014، وأخيرا استضافة شرم الشيخ قمة التكتلات الثلاث في يونيو 2015، والتي شهدت إطلاق منطقة التجارة الحرة.
كما شهد مركز القاهرة الإقليمي للتدريب على فض المنازعات وحفظ السلام في أفريقيا نقلة نوعية سواء من حيث عدد الأنشطة التي ينظمها -والتي بلغت خلال عام 2014 نحو 24 دورة تدريبية شارك فيها 578 متدربا من 30 دولة أفريقية بزيادة تقدر بحوالي 120عن عام 2013- أو من حيث تنوع مجالات التدريب.
تعمل مصر بالتوازي لدعم جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية لتأمين تحقيق السلام في عدد من مناطق النزاعات الممتدة في قارة أفريقيا؛ حيث تعد مصر من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وتساهم حاليا بنحو 2585 فردا في البعثات الأممية، كما بدأت الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية عملها في الأول من يوليو 2014، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 959 لسنة 2013، حيث تم دمج كل من الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، والصندوق المصري للتعاون مع دول الكومنولث في كيان واحد، وتأسيس وحدة أفريقيا داخل مجلس الوزراء كإطار مؤسسي ينسق بين مؤسسات الدولة المصرية المعنية بالقارة الأفريقية.
وأخيرا، نرى ان مبادرة "عيادة تحيا مصر أفريقيا" تأتى ضمن سلسلة من المبادرات المصرية تجاه القارة التى أهملناها لسنوات فى العقود السابقة، وهي عودة تستعيد لمصر قوتها الناعمة التي كانت عليها من قبل، وستتبعها مزيداً من المبادرات مصرية أفريقية فى إطار الدور المصرى الإقليمي.