القاهرة 22 سبتمبر 2020 الساعة 10:14 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
دارالنشر: الدار المصرية اللبنانية
سنة النشر: 2019
عدد الصفحات: 239
عندما يحكي القاضى عن "يوميات قاضِ فى الأرياف" فلابد أن تصاغ كتحفة فنية. وهذا ما سنراه فى رواية"بيت القبطية، للروائي القاضى أشرف العشماوي".. الرواية غير التاريخية هذه المرة. تحكي الرواية عن واحد من أكبر التبوهات المحرم التحدث عنها، حكاية الفتنة الطائفية فى مصر، وخصوصا فى صعيدها. فى الرواية تتقاطع طرق الشخصيتين الرئيستين فيها.. شخصية وكيل النيابة"نادر" المسلم. وشخصية"هدى" القبطية، المتهمة والضحية فى آن.
ينتقل فى صباح أحد الأيام وكيل النيابة"نادر فايز" ليتسلم عمله فى قرية"الطايعة" المجهولة، أو التايهة كما يطلق أهلها عليها، أما الزمان فهو فى الفترة التى سبقت 2011 أثناء المظاهرات التى تنبأت بالثورة. ومنذ اليوم الأول لنزوله للاستراحة المخصصة لإقامته تبدأ الغرائب ترتمى على أذنيه، منذ أن استقبله معاونه"رمسيس" والذى سيكون ضالعا فى الكثير من الحوادث لأغراض وأسباب طائفية، والذى سيخبره عن عدم صمود وكلاء النيابة قبله أكثر من أسبوع أو عدة أيام أخر على الأكثر. ثم استقبال حشد"رضوان" ومن معه وإصرارهم على أن يبدأ فى عمله منذ منتصف ليلته الأولى بينهم.
ما إن يشرق صباح اليوم الأول لوكيل النيابة فى"التايهة" التى يدين معظم أهلها بالمسيحية، وعلى الرغم من ذلك يمتلك المسلمون فيها معظم وأكبر أراضي القرية تتوالى عليه الحوادث التى يكون بطلها الوحيد وفاعلها الذى لا يُشك فى غيره"الفاعل المجهول" فلا أحد يتهم أحدا حتى لو كان الأهالي متأكدين من الفاعل ولا التحريات الرسمية تتوصل إلا "ضد مجهول".
ثم تكتمل غرائب الليلة الأولى بظهور"هدى" المسيحية الهاربة من قريتها بعد مشاجرة بينها وبين زوجها والتى انتهت بضربها له بحجر على رأسه ظنته مات بعدها؛ ففرت هاربة خوفا من العقاب خاصة وهى لم تقصد قتله بل كانت تريد صد الأذى عن نفسها فحسب. بعد رحلة هروب قصيرة قفزت فيها من قطار وساقتها قدماها للقرية الطايعة، أو التايهة كحالها، وبعد ليلة بغيضة انتهت بهروبها من حارس استراحة مرفقة بالمسجد بعدما سمح لها الإمام بالمبيت حتى الصباح إلا أن الحارس وبعدما رأى الصليب على يدها طمع فى اغتصابها بعدما أقنع زميلا له أن الشيخ أباح لهم نساء وأموال المسيحيين، ووضع لها مخدرا فى الطعام؛ لكنها سمعت المؤامرة وهربت من نافذة الاستراحة إلى استراحة وكيل النيابة التى رأتها بالصدفة. دخلت ورحب بها "رمسيس" وأقنع الوكيل بالسماح لها بالمبيت بعدما قصت حكايتها على أن يأخذها فى الصباح إلى الكنيسة حتى يرعاها هناك الأب إسطفانيوس.
لبعض الوقت صارت أمورها بخير، وزوّجها"رمسيس" مِن أحد رعايا الكنيسة"رزق" الذى أحبها وهى أيضا أحبته بعدما استطاع أن ينسيها زوج أمها الذى اغتصبها، ورضيت أمها بالأمر خوفا من أن يطلقها الزوج، ثم أرغمتها على الزواج من"خضر" المسلم الذى رضى أن يتزوجها بعد هذا الاغتصاب، ومع هذا الزوج كرهت كل الرجال.
تزوجت هدى وعاشت فى القرية التى تحول فيها مصيرها تماما، فبعدما كان الجيران ينبذونها، ويطلقون عليها لفظة"هدى القبطية" تحولت إلى رمز للبركة بعدما خدمت بعد الحوادث التى وقعت، وكانت هدى وسطها بالصدفة، خدمت تلك الحوادث المخيلة الأسطورية للناس فى القرية وعن بركة هدى، فجاءها المسلمون قبل المسيحيين يطلبون بركتها، سواء للإنجاب، رغم إنها هى نفسها ظلت كثيرا لم تحمل بعد زواجها، وزيادة الرزق، وغيره من احتياجات أو أطماع. وهم أنفسهم نفس الناس الذين سيحرقون بيتها فى النهاية وينعتونها بأقذع الألفاظ، وسيبخلون عليهابقليل من الدم ينقذها من الموت بعدما نزفت عقب ولادة توأمها، وحين ماتت رفض دفنها المسلمون والمسيحيون.
كل الحوادث التى تحدث فى القرية تضع هدى، ونادر، أمام بعضهما سواء كانت طالبة مأوى فى ليلتها الأولى فى القرية أو شاهدة على حادث، أو حتى متهمة بعدما عثر عليها أخو الزوج الذى كشف لها أن من ضربت رأسه بحجر لم يمت وينوى أن يقتلها ثأرا.
فى الرواية تُحكى، ربما بموضوعية إن جاز التعبير. بمعنى أنه عقب كل حادثة طائفية فى القرية، ووسط كل التعصب من الطرفين نجد ذلك الصوت الذى يحدث فى الواقع فى مثل تلك الحوادث، وهو صوت هؤلاء الذين لم يصابوا بمرض الطائفية ولا يهمهم إلا الإنسان. وذلك عندما كان المسيحيين يؤون بعض جيرانهم المسلمين خوفا من أن تطالهم نار الغضب، وتهريب بعض المسلمين لجيرانهم المسيحيين قبل انهيار بيتوهم فوق رؤوسهم، أوالفتك بهم من الغاضبين بلا سبب. وهذا يحدث كثيرا فى الواقع يحيث يبقى بعض ممن لديهم روح إنسان وسط توحش غابة محيطهم.
الحيرة هى الإحساس المسيطر على كل أبطال الرواية وبخاصة هدى التى لم تكن تعرف لماذا تتحول حياتها دائما لمأسأة وهى لا تريد إلا العيش تحب الحياة، ونادر وكيل النيابة الذى لم يدرلما تكون العدالة دائما عمياء معصوبة العينين، والذى كان يرى أن عماها لم يكن للغرض المعروف وهى حتى لا تميز أحدهما على آخر فى العدالة، وإنما لتكون حجة لها إن هى أخطات فى الحكم، وحينها تستطيع القول بضمي مطمئن"أعتذر عن الخطأ فى الحكم فأنا عمياء". وهو أيضا الذى كاد يقتل نفسه حيرة من عدم وجود إجابة لسؤاله الأبدى: لماذا يشغل الناس أنفسهم بديانة الآخر ومحاسبتهعليها بدلا من عيش الحياة بسلام؟
القضية الرئيسية فى الرواية هى الفتنة الطائفية،وحرق الكنائس، إشعال الفتن والقتلى فى كل مكان، والمستفيد الوحيد هو صاحب المصلحة، ربما الخفي الذى يحرك كل هولاء ضد بعضهم بعضا؛ ليحصد من دماء الجميع المكاسب دون النظر إلى ما إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو من دون ملة أصلا.