القاهرة 15 سبتمبر 2020 الساعة 11:06 ص
بقلم: أسماء هاشم
يظهر التمايز الجندري بوضوح جلي في المجتمعات القبلية والمغلقة والتي لا تسمح بالتعرف على الثقافات الأخرى والتفاعل معها، الصعيد أحد هذه المجتمعات التي يظهر فيها بوضوح جلي التمايز الجندري. تمايز يبدأ من لحظة الميلاد.. وتحفظ الذاكرة الجمعية عددا من الأمثال الشعبية التي تعكس فكرا مجتمعيا تظهر فيها التفرقة الجندرية في أوقح صورها ليس أشهرها "لما قالوا جا ولد انشد ضهري واتسند ولما قالوا جات بنية اتردت الحيطة عليا" تمايز يظهر في جملة الممارسات والتفاصيل اليومية؛ ففي الوقت الذي يحتفى فيه بالذكر في كل حالاته وجميع مراحل حياته يبالغ في إخفاء الأنثى مبالغة في الإخفاء تصل حد الوأد المعنوي لكل ما هو مرتبط بها ككيان إنساني. الأم التي تبتسم بإعجاب لعبث طفلها بعضوه الذكري هي نفسها التي ستعاقب الصغيرة إن تخلت عن سروالها عفوا لا عمدا العقوبة جزء من إرث الجدات قرصة موجعة في الفخذ . في أكثر المناطق حساسية، وأيضا قريبا من المنطقة الموؤدة، غالبا القرصة تترك علامة حمراء على الجلد تدريجيا تتحول للون داكن يشبه الوشم. تحتفظ أفخاذ بنات الصعيد بهذا الوشم الذي يعتبر كحارس لهذه المنطقة، كما أن كل وشم يؤرخ لعقوبة عن ذنب غالبا لم تقترفه الصغيرة وربما لم تعيه أيضا؛ لكنها تلويحة صغيرة لما يمكن أن يكون عليه العقاب إن لم تتمكن من حماية هذه المنطقة وفق تصورهم لمفاهيم الشرف.
يتواصل احتفاء المجتمع الصعيدي بالفرد المذكر حتى إنه مع قرب مغادرة الصبي لعهد الطفولة تقام الأفراح وتنصب الأعرأس ليوم ختانه. عُرس لا يقل بهجة ولا فخامة عن أعراس الزواج. وفي نفس الوقت تختن فيه البنات في شبه سرية، جمع محدود من نساء العائلة، العجائز غالبا، المتشحات بالسواد غالبا، الجدات حارسات إرث المجتمع الذكوري. ختان البنات يتم في سرية تشبه عمليات الوأد، دون احتفال أو احتفاء ومع موقفي الشخصي الرافض للختان لا أورد هذا الفعل إلا لأوضح تناقض المجتمع في تعامله مع الجنسين ففي الوقت الذي يحتفي فيه المجتمع بالعضو الذكري يخجل من العضو الآخر/ الأنثوي ويعمل على بتر أجزاء منه ليضمن تحجيمه والسيطرة عليه. طقس ختان البنات أشبه بعمليات الوأد. حتى مشهد الجدات المتشحات بالسواد يذكر بالجنائز!
الختان ليس الفعل الوحيد الذي يرسخ لدى وعي الفتاة كراهية المجتمع الجندري لوجودها؛ إذ تتوالى الممارسات القامعة التي تربي الفتاة على تجاهل الجسد، تجاهل يصل في بعض الحالات إلى الكراهية لدرجة الإخفاء المادي له في ملابس معينة تنسدل عليه بالكامل وتصل إلى الإخفاء المعنوي بحرمانها من المشاركات العامة.
ومع تطور المجتمع الصعيدي تطورا ظاهريا مكن المرأة من بعض الحقوق كالحق في التعليم.. ارتضى المجتمع الجندري بالتطور وفق شروطه، فالبنت إذ تخرج لطلب العلم تخرج وفق شروطه.. تتحرك في إطاره الذي حدده ونمقه عبر سنوات. داخل هذا الإطار حدد مظهر الأنثى عند الخروج للدراسة أو العمل.. مظهر يحتفي بوأد أنوثتها مقابل تمكينها من بعض الحقوق. لا يختلف أحد على أن التمرد على هذا المظهر إعلان الأنوثة التي أودعها ممارسات المجتمع وقوانينه حتى صار الخروج عليها نوعا من العهر وربطت بين مظهر الأنوثة واستفزاز ذكورة الرجل التي عمل على تنميتها منذ الصغر حتى إن سراويله العريضة الواسعة تتيح حرية مطلقة لتقافز ذكورته متى بدت أدنى إثارة..
في الصعيد الذي وأدت فيه أنوثة البنات بجملة ممارسات متعمدة أطلقت فيه الحرية الكاملة لذكورة الصبي وهيأت لها الفرصة للإنطلاق. كما أوجدت المبررات لمحاولات انتهاكه للأنثى في كل مراحله العمرية بمبررات عديدة، إذ تعتبره للذكر الصبي اكتشافا وتعارفا على جسده وجسد الآخر وفي الشباب اختيار لاكتمال قدراته الجنسية وفي المراحل الأكبر عمرا هو دليل اكتمال وكفاءة وتحقق أو اكتمال تحقق!
في الصعيد، على المرأة أن تدفن مع زوجها المتوفي. دفن في ملابس سوداء كالحة وحرمان من الزواج حتى ولو كانت في أوج الشباب في حين تسارع بالبحث عن زوجة لأرمل بعد وفاة زوجته بأيام وتذكر دائما الجماعة الشعبية أنه يحق للرجل أن يقفز فوق الجدران بعد ثلاثة أيام فقط من الحرمان بحثا عن أنثى تشبع رغبته!