القاهرة 01 سبتمبر 2020 الساعة 09:14 ص
بقلم: علي سرحان
لعب الدين دورا مهما في حياة الإنسان المصري القديم، فلم تكن هناك قوة تسيطر على حياته كما يسيطر الدين؛ لأن الدين كان محاولة لتفسير الظواهر المحيطة بالإنسان وهو يصدر دائما عن رغبة في المنفعة أو رهبة من المجهول والأخطار.
والحياة لا تتأثر بالدين فحسب بل تختلط وتمتزج به، ولقد كانت الطبيعة المبشر الأول للدين إذ فسر الإنسان ظواهرها التي عجز عن فهمها إلى أنها تعود إلى قوة خارقة عن نطاق تفكيره والشعور الغريزي عند الحيوان بالخوف والفزع من كل ما هو مجهول كان سببا آخر دفع الإنسان إلى احترام كل هذه القوى التي تؤثر في حياته دون أن يعرف كنهها.
لقد تناول رب العزة عز وجل بيناته وآياته في القرآن الكريم حول العديد من المعتقدات المصرية القديمة ، وتفسير كل معتقدات المصريين القدماء في منهجه ، يقول الله عز وجل في كتابة الكريم في سورة الصافات " أتعبدون ما تنحتون ، والله خلقكم وما تعملون" صدق الله العظيم يفسر أبن كثير هذه الآية أن الكفار يعبدون من دون الله من وأنتم التي تنحتونها بإيديكم وتعدونها للعبادة.
ويقول الله عز وجل أيضا في كتابة الكريم في سورة الحجر الآية 82"وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين " أي من غير خوف ولا احتياج بل أشرا وبطرا وعبثا كما هو الشاهد من صنيعتهم في بيوتهم بوادي الحجر ، وفي هذه الآية ذكر الله عز وجل قدرتهم في نحت الجبال وهكذا تفسر هذه الآية ما حدث من نحت للمعابد والمقابر في كل ربوع الأرض ، ويقول الله تعالي أيضا في سورة الأعراف " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) تذكر الآية الكريمة أن قوم سيدنا صالح خالفوه "تخلفون عادًا في الأرض بعد هلاكها" أما قوله "تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا"، ذكر أنهم كانوا ينقُبون الصخر مساكن لهم.
وأما عن السحر فقال الله عز وجل "فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ" فيوضح الله عزل وجل استخدام الأقوام القدامي للسحر ويخبرنا عن مجئ موسي وأخيه هارون إلي فرعون وملئه وعرضه ما أتاهما الله من المعجزات الباهرة والدلالة القاهرة علي صدقهما فيما أخبرا به عن الله عز وجل من توحيد واتباع أوامره فلما عاين فرعون وملئه ذلك وشاهدوه وتحققوه وأيقنوا أنه من عند الله عدلوا بكفرهم وبغيهم إلي العناد والمباهتة وذلك لطغيانهم وتكبرهم عن اتباع الحق.
ويقول الحق سبحانه وتعالي في سورة الشعراء "أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)" اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عن دواد الطرق المشهودة يبنون بنيانا محكما هائلا ، ويقصد بالريع هنا هو معلم أي بناء مشهور، ومعني تعبثون هنا أي تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه لمجرد اللعب وإظهار القوة وإتعاب للأبدان، ويقصد بالمصانع أي بيوت الأبدية التي تقيمون فيها أبدا.
أما عن فرعون، فذكر الله عز وجل في سورة الزخرفوَنَادَى? فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَ?ذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ? أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده : أنه جمع قومه ، فنادى فيهم متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي)، قال قتادة قد كانت لهم جنان وأنهار ماء، ( أفلا تبصرون؟ أي: أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك، يعني: وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء. وهذا كقوله تعالى (فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى) النازعات: 23 - 25 .
وقال الله عز وجل في سورة يوسف قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى? خَزَائِنِ الْأَرْضِ ? إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) فقال يوسف عليه السلام اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.. مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمره، للحاجة، وذكر أنه حفيظ أي: خازن أمين، (عليم ذو علم وبصر بما يتولاه قال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني، عليم بسني الجدب. رواه ابن أبي حاتم، وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه، ولما في ذلك من المصالح للناس وإنما سأل أن يجعل على خزائن الأرض، وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلات، لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها، ليتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبة فيه، وتكرمة له.
وأما بالنسبة لكفر الأقوام السابقون برسالة سيدنا محمد فإن الله عز وجل أوضح ذلك في كتابه الكريم ? أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (21). يقول تعالى: (أولم يسر هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد (في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم) أي: من الأمم المكذبة بالأنبياء ، ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة (وآثارا في الأرض) أي: أثروا في الأرض من البنايات والمعالم والديارات، ما لا يقدر عليه هؤلاء، كما قال: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) الأحقاف: 26 )، وقال ( وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها (الروم آية 9). ومع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد ، أخذهم الله بذنوبهم ، وهي كفرهم برسلهم، (وما كان لهم من الله من واق) أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد، ولا رده عنهم راد، ولا وقاهم واق.