القاهرة 27 اغسطس 2020 الساعة 03:49 م
بعد أن هاجم الإنسان فيروس كورونا "كوفيد 19"؛ الفيروس الذى تحول الى جائحة هددت العالم أجمع بدوله المتقدمة والنامية.. وقف العالم فى حيرة من أمره فى محاولة لفهم ما حدث وما سيحدث، وبعد أن أستوعب البعض ما حدث تبعها أنطلاقة من قبل المعامل ومراكز البحوث حول العالم فى سباق رهيب للوصول الى لقاح لهذا الفيروس الغريب، وكأن العالم المتقدم والنامي لا يضع فى حسبانه من قبل تصور مستقبلي لأية كوارث ستواجه!!
بعد ان تراجعت الوفيات قليلاً، وكذلك الإصابات جراء الفيروس اللعين، بدأ العالم النامي تحديداً يبحث فى المستقبل ويحاول أن يضع تصوراته حيال استشراف ما سيأتى فى كافة المجالات والقطاعات( التعليم، الثقافة، التسليح العسكري، القطاع الصحي، المياه، الغذاء، الصراعات العسكرية، التحالفات الإقليمية والدولية)، وغيرها من الأمور، ولكن ما يلفت الانتباه مسألة تأصيل التفكير المستقبلى الغائبة عن العقل الجمعى العربى، وهو وبالمناسبة ما طرحته الأستاذة الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة فى كتابها الصادر حديثاً تحت عنوان " الوطن العربى وأفريقيا: رؤى و أفاق مستقبلية"؛ حيث ترى أنه فى ظل الأزمات المتصاعدة فى العالم العربى تبرز أمامنا الأزمة التى يعاني منها العقل الجمعي والتي تحول دون غرس وتأصيل التفكير المستقبلي سواء لدى الحكومات أو صناع القرار أو الجموع الشعبية بمختلف توجاتها وتصنيفاتها ورؤاها وانتماءاتها (الطبقية والثقافية).
تُرى ما سبب غياب التفكير المستقبلي عن أجندة وأولويات العقل الجمعي فى عالمنا العربي؟، الإجابة تكمن فى ما نتلقاه من مضامين ثقافية وإعلامية معولمة لا تعبر عن هويتنا الوطنية والثقافية والحضارية بعد أن اكتفت بالمحتوي الترفيهي الشكلي على حساب القضايا المجتمعية الحقيقية وهو ما قد يؤدى تراكمياً إلى ابتعاد العقل الجمعي فى عالمنا العربي عن التفكير فى المستقبل واقتصاره على الماضى والحاضر فقط، وهو أمر يجب ان ننتبه له ونعيد التفكير في ما نتلقاه من محتوي معرفي عولمي قد يبعدنا عن قضايانا الحقيقية فى ظل التغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة التى يشهدها العالم الآن.
تأصيل التفكير المستقبلي والأمن القومي العربي؟، هل ثمة علاقة بينهما؟ تعالوا معاً نرى ما قامت به المؤسسة العسكرية الأمريكية قبل خمسينيات القرن الماضى عندما تنبهت جيداً لجدوى الدراسات المستقبلية، وركزت على توظيفها لصالح الأمن القومي، وكانت القوات الجوية الأمريكية هي الأكثر اهتماماً بهذا الموضوع، ولعبت مؤسسة راند (Rand) من خلال جهود عالم الرياضيات الأمريكي أولاف هلمر (Olaf Helmer) دوراً بارزاً لا سيما في التوسع في استخدام تقنية دلفي، وكان للعالم الأمريكي هيرمان كان (Herman Kahn) الدور الريادي في تطوير تقنية السيناريو التي تقوم على فكرة محددة هي: (إذا – فإن) ، (If-Then) وتعتبر أكثر التقنيات رواجاً، ومن ثم انطلقت الولايات المتحدة من خلال دراسة واستشراف المستقبل عسكرياً، ثم فى مجال الزراعة وهو التفكير الذى انتقل الى كافة مجالات الحياة بالولايات، والأهم من كل ذلك أنه صار نهجاً لدى العقل الجمعي الامريكي حتى صارت أمريكا هي القطب الأوحد الذى يسيطر على العالم بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي فى مستهل تسعينيات القرن الماضي.
ختاماً دعونا نؤكد على اهمية التعليم ودوره في تأصيل التفكير المستقبلي فى العقل الجمعي العربي؛ حيث يجب أن تدرس علوم ومناهج المستقبل في تعليمنا العام، والجامعي حتى يتمرن عقل طلابنا فى عالمنا العربي على أهمية استشراف المستقبل، وهو ما يساعدنا على تكوين أجيال تستوعب أهمية الزمن الذى توقفنا عند حاضره وماضيه دون أن نسير خطوة للأمام نحو المستقبل، وهو ما يجعلنا قادرين على تحقيق مستوي من التنمية فى كافة المجالات يدفع بعالمنا العربي نحو الصدارة، وأرى أن موقعنا كدول عالم ثالث يرتبط بالأساس بغياب وتراجع تأصيل التفكير المستقبلي عن عقلنا الجمعي العربي!!