القاهرة 18 اغسطس 2020 الساعة 09:11 ص
بقلم: علي سرحان
تعتبر البحرية المصرية من أقدم البحريات في التاريخ البشري كله، حيث بدأ ظهورها منذ عهد الملك زوسر ، إلا أنها لم تظهر بصورة جلية كرتبة عسكرية إلا في عصر الدولة الحديثة، حيث دلت الآثار المصرية القديمة على أن المصريين أول من بنوا السفن وقادوها في القنوات والأنهار ثم في البحار. ومن أقدم السفن المصرية تلك التي وجدت صورها منقوشة على أوان خزفية ويرجع تاريخها إلى 7000 أو8000 سنة قبل الميلاد، ويرجع أول صور لمركب شراعي مصري إلى سنة 6200 ق. م، وتلك الآثار التي عثر عليها في بلاد النوبة تدل على أن المصريين وصلوا بمراكبهم الحربية إلى بلاد النوبة في عهد ملوك الأسرة الأولي، ففي عهد الملك "حو عحا" من ملوك الأسرة الأولى وصلت الجيوش المصرية دخلت بسفنها إلى الجندل الثاني، وأقدم دليل على ذلك العثور على لوحه صخرية بجبل الشيخ سليمان ببوهن، عُثر على نقش في عصر الملك "جر" وهو يربط أسيرا مربوطا في مقدمة السفينة التي هي من طراز عصر الأسرات، نقشت على تلك السفن صور لأسرى واقفين وأيديهم مربوطة للدلالة على السيطرة علة تلك المواقع.
كان النقل البحري معروفاً في مصر منذ بداية عهد الدولة القديمة ولكن أول إشارة لاستخدامه في الحرب كان منذ الأسرة السادسة في نهاية هذه الدولة القديمة، كانت السفن البحرية تُشيد من أشجار الجميز، وكان أكثر الملوك اهتماها بالأسطول البحري هو تحوتمس الثالث الذي جعل من منف مركزاً للأسطول المصري وأنشأ فيها ميناءً بحرياً كان يسمي (الميناء الجميل) وأول البعثات البحرية المهمة في عهد الإمبراطورية القديمة هي تلك الرحلة التي قام بها أربعون سفينة مصرية من شواطئ مصر إلى سواحل فينيقية لاستجلاب خشب الأرز من جبال لبنان في عهد الملك سنفرو. وتذكر النصوص أن الملك سنفرو بني سفنا كثيرة بلغ طولها حوالي ستة وخمسين مترا بعضها من النيل والبعض الآخر لتنشيط حركة التجارة مع الأقطار الشمالية، وقد ثبت في الكشوف الآثرية أن مراكب قدماء المصريين جاوزت أقصى شمال الشام، كما بلغت وسط القارة الأفريقية وتوغلت في بلاد بونت الغنية بمنتجاتها الزراعية.
واشتهر الأسطول المصري بتفوقه على الأساطيل الفينيقية التي كانت تجوب البحر المتوسط، واستطاع بسمايتك الثاني أن يبني أسطولا كبيراً تحرك نحو قبرص ودمر المحطات الفينيقية هناك، وكان يتكون طاقم السفينة المقاتلة من بحارة (خنيت) يبلغ عددهم حوالي 200 جندي على رأسهم حامل العلم والضابط برتبة قائد بحارة (حري خنيت) يليه حامل اللواء (ناسريت) ثم الجندي البسيط النفر (وعو) (عو خنيت).
كذلك منذ 5000عام ق.م عثر على أكبر مركب من عصر الملك خوفو، عندما توفي الملك خوفو وتم تحنيط جثته وعملت المراسم الجنائزية لدفنه، ثم وضعت تلك الجثة على مركب كبير ليحج إلى الأماكن المقدسة في هليوبوليس وسايس وغيرها قبل دفنه. بلغ طول تلك المركب حوالي 43.5مترا وعرضها سته أمتار، وارتفاع مؤخرتها من الماء حوالي ثمانية أمتار، وارتفاع مقدمتها خمسة أمتار، ولم يستعمل الصانع المصري المسامير في تثبيت المركب، بل استخدم الحبال عن طريق فتحات سحرية لا تظهر بعد تركيب المركب.
أما في عهد الملك "بيبي الأول" ثالث ملوك الأسرة السادسة قامت حملة بحرية بقيادة أمير يدعي "أوني" قاصدة شواطئ فلسطين وفينيقية ونزل جنودها شمالي حيفا الكرمل وهددت الكنعانيين وأدبت قبائلهم التي كانت قد تعدت على حدود الشرقية فأمنت البلاد شرهم .
وعثر "المسيودي مرجان" عام 1894م علي مقربة من هرم سنوسرت الثاني بدهشور علي خمس سفن كبيرة يبلغ طول الواحدة ثلاثين قدما وعرضها ثمانية أقدام وعمقها أربعة أقدام، وهي مصنوعة من خشب الأرز اللبناني وهي معروضة الآن بالمتحف المصري بالتحرير، هذا بالإضافة إلى أنه استعملت أساطيل المصريين القدماء لمئات من السنين أثناء حروبهم المنقطعة مع كوش، ويمكن اعتبار ذلك من أكبر الأعمال التي قام بها هذا الملك العظيم.
ومن القصص الأدبية التي ذكرت دور الأسطول المصري الذي عاد من رحلته بسلام هي قصة الملاح الغريق، وذكر في تلك القصة "لقد عاد بحارتنا في صحة جيدة، ولم يُنقص منهم جندي واحد".
الرتب العسكرية في القوات البحرية:
ظهرت بعض الألقاب للرتب العسكرية خلال الدولة الوسطي مثل "سهدح دبت" القائد العام على الأسطول البحري، أيضا ظهر اللقب "إيمي ابر ان دبت" بمعني قبطان بحري، "مدح دبيت" فني الأسطول.. وأخيرا لقب "سش دبت" وتعني كاتب الأسطول.