القاهرة 11 اغسطس 2020 الساعة 09:35 ص
حوار: صلاح صيام
داخل كل مبدع رحلة قطعها –بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا إلا ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي. وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوض فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة، وأصابها شيء من الإحباط.. صور مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة، وتكون نبراسا لهم فى قادمهم..
واليوم نستكمل لقاءنا مع الكاتبة والمبدعة الجزائرية صورية حمدوش:
ذهبنا في مجموعة مكونة من سبع موظفات، وعندما أذن لنا بالدخول كنت آخر واحدة ولجت إلى مكتب المدير.. جلست عفويا، كان دقيق الملاحظة.. انتبه لذلك ألقى التحية في البداية بهدوء وسألنا عن طلباتنا فكنت المحاورة كما وعدتهم فزاد يقينه أني رأس العصابة من وجهة نظره، ثم أردف بعدما أخبرته أننا نعترض على المداومة الليلية دون حقوق مثل موظفي قطاع الصحة، من غرفة للاستراحة وعشاء وأجرة الليلة المدفوعة لهم دوننا.. إذن أنت من أرسلت تلك المراسلة، قلت نعم يا سيدي، فقال بصراخ ليسكتنا من تعمل فلتتفضل للعمل ومن لا تريد تروح "تقود" فطلبت زميلة معنا أن يعفيها لأن حالتها استثنائية، والدتها مصابة بأربعة أمراض مزمنة لا يمكنها تركها وحيدة ليلا، قال هذه بينك وبين زميلاتك، فأردفت.. الحالات الإنسانية نحن نقوم بها دون أدنى شك فلا نحتاج لرأيك، عند انصرافنا من مكتبه بدأت تطفو الأرواح المملوءة بالأنا وصبت غضبها إحداهن.. ألهذا جمعتنا لتأخذي الموافقة لصديقتك بعدم العمل فقط، فكانت دهشتي كبيرة، طلبت إحدى صديقاتي أن نأخذ وجبة الغداء في إحدى المطاعم الراقية، وننسى ما حدث، بينما نحن نتناول وجبتنا، عاودت -كمن تلبسها الشيطان- مكالمتي لن أسامحك لقد خدعتنا.. يا إلهي.. لم أصدق أن المصالح الشخصية قد تعمي القلوب إلى هذا الحد وتحجب عنها الرؤية الصحيحة للواقع.. عندما أنهت سيل غضبها شكرتها، وأنهيت المكالمة وقررت أن أغير مقر عملي ذهبت في الغد إلى السكريتير العام للبلدية، فأخبرتنا سكريتيرته أنه مشغول ولم ترض أن تدخل أحدا وعندما هممت بالانصراف فإذا به شخصيا أمامي بالرواق، خرج من الباب الرئيسي ناديته توقف فأخبرته بما حدث فكان جوابه بسؤال: وما هو المطلوب فأخبرته لقد تعبت من هذه الجدالات وأريد الالتحاق بالبلدية وعمل تحويل إلى هنا، فأخبرني.. أنت فقط اجعليه يمضي على التحويل والباقي سهل، فما كان مني إلا العودة مجددا إلى الإدارة المركزية للمستشفيات وقدمت طلب تحويل وأخبرت السكرتيرة باستعجاله فقد بقي أسبوع واحد على إجازتي التي كانت لأسبوعين، وقبل أن تنقضي أجازتي كانت إحدى بنات أخي قد أجرت مسابقة بمؤسسة هناك بالجوار فطلبت منها المرور والسؤال.. هل أمضى التحويل حتى لا أضطر التنقل للولاية دون فائدة، فكان المساء.. شهقة فرح، لقد أعطوها التحويل يدا بيد دون أن أتكبد مسافة التنقل وبالغد سلمته للنائب المكلف بإمضاء القبول. كان مستغربا كيف وقع لك بهذه السهولة، فأخبرته والله إنه هذا ما حدث، ثم عدت أدراجي إلى البيت.. أكملت ما بقي من أجازتي بارتياح.. في اليوم المحدد التحقت بالبلدية وتم تعييني بمصلحة الحالة المدنية.. أعرف واحدة أو اثنتين.. بعد أسبوع جاء قرار وزاري بعملية الرقمنة، وهي إدخال كل سجلات الحالة المدنية بالحاسوب، وبما أني تقني برمجة في الإعلام الآلي كنت من بين فريق العمل الخاص بهذه العملية.. كنا في سباق مع الزمن كان بنهاية 2014 واستمرت العملية إلى منتصف 2015
بوتيرة متواصلة وشملت بعض أيام العطل الأسبوعية وأيضا منعت الإجازات إلا نادرا وكانت المعاملة فيها الكثير من المحسوبية والفروق.. كنا نخرج مساء إلى النور الطبيعي متعبي النظر منهكي الطاقة إلى يوم قررت أن أفاتح رئيس المصلحة بالموضوع.. كان أمام الكل، فأنا لا أحب الكواليس، قلت له عمي عمر كيف يتساوى من يقبض ما يقارب الستة آلاف دينار والتسعة ألف دينار مع من يقبضون 35ألف دينار و40ألف دينار، بالإضافة للحوافز، لقد بدلت إلى هنا هروبا من الظلم، فإذا به يلبس ثوبا آخر ويأتي ليحاجج، فسكت ثم قال: وماذا تريدين؟ فأخبرته.. طالما هو مبلغ أقل من نصف أجرهم، فحتى الحجم الساعي يكون كذلك، فأجابني.. إذا كنت تستطيعين إدخال 50ملفا بكل ما يتعلق به من تبعات في نصف يوم فلك ذلك، ومن الغد تعهدت له أنا وزميلة نتشابه في عقد العمل. وأيضا مقر السكن بعيد عن مقر العمل فكنا نتناول سندويتشات بمقر العمل لنكسب الوقت وننهي العدد وننصرف في نصف يوم، وطبعا لأنه مجالنا كنا نعمل بأريحية، حتى إننا اكتشفنا طريقة بالتجريب لإدخال بعض حالات الوفيات. لم تقدم لنا الوزارة حلا لها.. ولأن معظم الفريق كانت دراستهم بعيدة عن المجال بالنسبة للبعض يراها اكتشاف عالم، والبعض يراها ثقلا عليهم.. المهم ما ينجزوه بيوم كامل هو مختصر لدينا وصديقتي. وحازت بلديتنا بالنسبة للولاية على المرتبة الأولى في سرعة الإنجاز بشهادة رئيس الدائرة الذي أعرب عن إعجابه بفريق العمل.
ونكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله.