القاهرة 04 اغسطس 2020 الساعة 11:29 ص
كتب: محمد مختار
أسهمت بأعمالها ورسومها التوضيحية فى كثير من المجلات الأسبوعية والشهرية الصادرة عن دار التحرير بالإضافة إلى عملها فى الصحيفتين اليوميتين (الجمهورية والمساء). أسهمت برسومات فى مجلة (الكاتب) الشهرية ومجلة (حريتى) الأسبوعية كما قامت برسوم وتصميم لعديد من أغلفة الكتب والرسوم الداخلية لمجموعات القصص ودواوين الشعر. كما أسهمت بأعمالها فى الرسم بالحبر الشينى والرسوم المنقولة عن البيئة الشعبية والبورتريهات التى تصاحب الكتابات المختلفة (القصص والمقالات) فى جريدة الجمهورية وجريدة المساء وذلك حتى عام 1995.
الفنانة "عطيات سيد " تبعد عن السطح، لا تنتج ذاتها، إنها تعطل لأشياء حضورها على المسطح. الأشياء التي تستعملها كسيدة من بيتها.. الأشياء تأتي كبديل عنها، هي بعيدة بجسمها، لكن وجودها يكون عن طريق أشيائها، من هنا تكون أكثر حضوراً بغيابها كان الغائب هو أكثر حضوراً وأكثر قوة.
الأشياء أدوات المنزل تقوم بدورها على المسطح، هي تنفصل عن ذاتها، تنفصل عن عملها، وتصنع وجوداً مستقلا للأشياء وتبث فيها روحاً جديدة، تؤنس الأشياء تجعل لها روحاً تمسنا تشكل أحيانًا ذواتنا، وأحياناً من خلالها نكتشف علاقتنا بالحياة .
عطيات سيد، فنانة مصورة شحنت الأشياء قوة، أشياؤها التي تمتلكها وتعرفها في بيتها، قريبة منها كامرأة حتى إن هذا الأشياء تمتلك نفس سمات الأنوثة، بتصميماتها مثل ماكينة الخياطة والمفرمة، ومضرب البيض وأدوات أخرى، فيها هذه الحلة الأنثوية.
"عطيات سيد" تستعمل هذه الأدوات وتصورها على المسطح، تصور أعمق ما فيها علاقتها بالأشياء التي تبث فيها ذاتها، أو الأشياء هي ذاتها التي لم تتحرر منها فقط، بل جعلتها طريقة للحياة، فكرة عن العالم، تديره بيدها، تفعل على السطح، كأنها تقوي علاقتها بعالم الأشياء، جاعلة منها وجوداً خاصاً بها.
و "عطيات سيد" تذيب الآلة– الأداة المنزلية– الأنثوية الرقيقة في مساحة السطح فتظهر ككائن مختلف، كائن معدني يتحرك ويندفع على السطح، كأن يد "عطيات سيد" القوية فككت المعدن وهشمته ثم أعادت لصقة مرة أخرى بطريقة تظهر الشيء محطماً وملصوقاً، كأنه " كولاج" لنفس الشئ بوحداته نفسها، يعاد صيغته من جديد، حتى تظهر السطح مفككاً ومتصلا في نفس الوقت، الشيء أمامنا له كيان منفصل عن الأرضية، مع أن الأرضية متداخلة مع الشيء المفكك، كأن الأرضية تفككت، وأعيد بناؤها على السطح، فيظهر العمل بناء مكوناً من وحدات صغيرة تتراوح بين الأشكال الهندسية والحادة والمثنية، وهنا توجد روح المرأة "عطيات سيد" في غزل المسطح كله لكن بوحدات صغيرة للمعدن الثقيل المفكك وربط أوصاله إلى بعضها، هي روح تفك وتعيد بناء خيوطها مرة أخرى ولا تعيدها كما كانت، إنها تعيدها على السطح بطريقة جديدة تصنع حياة أخرى لكائن لا روح له.
الأدوات المنزلية تحولت في يد "عطيات سيد" إلى كائنات وحشية خرافية، حيوانات مفترسة على السطح، أدوات أفقدتها الفنانة أنوثتها وألبستها قوة آلات مادة مفترسة متوحشة تلتهم منها حياتها وحياة من يستعملها، تحول مضرب البيض إلى آلة ضخمة مثل الآلات التي تحفر الصخور والجبال، الأدوات الأنثوية المعدنية الكاسية الثقيلة قلبت الفنانة كيانها، فحولتها إلى وحوش لتصير فعلا على ما هي عليه من معدن ثقيل، كان يمكن أن يكون قنبلة أو رصاصة، وصنع –بدلا منه– أداة مطبخ عادية، آلة في المنزل وديعة.
"عطيات سيد" حولتها إلى آلة تضيف الرعب والخوف إلى قلب من يستعملها، لأن روحها تغيرت إلى روح متوحشة، أدوات فكت وألصقت مرة أخرى ولأن تنتفض في عنف، كأنما هو عنف المرأة تجاه ما تستعمله، كأنه عنف ضد وجود هذه الأدوات، ضد وجود يضيع مع هذه الأشياء كل يوم، من هنا جاء العقل قوياً وموحياً.
عطيات تغزل الأدوات على السطح بوحشية الأنثى التي تدفع بقوة في أدواتها لتثور وتتحرك وتأخذ موقفاً هل موقف الأشياء نفصها من العالم وتمردها على واقعها . أم موقف الفنانة من العالم ومن أدوات منزلها العادية التي تستعملها كل يوم .
من أكثر الأدوات التي صورتها "عطيات سيد" هي ماكينة الخياطة الآلة المرتبطة في بداية وجودها بالمرأة، وبكفاحها مع الحياة، وكانت من زمن بعيد تمثل رامزاً لكفاح المرأة المصرية وهذا موجود في السينما وكانت تقوم ماكينة الخياطة بدور في حل مشاكل الأسرة التي تتعرض لأزمة اقتصادية، مع وجودها في البيوت المصرية كعادة كجزء من الاثاث، إلى أن انقرضت هذه العادة.
ماكينة الخياطية الأنثوية في شكلها ودورها وعلاقتها بالمرأة، تحولت تحت فرشاة "عطيات سيد" إلى حيوانات مذكرة، تحول سن الإبرة إلى سلاح له قوة تستطيع أن تحارب بها، تحولت ماكينة الخياطة إلى سلاح معدني متمرد، ينتفض.
كأن "عطيات سيد" تجعل أدواتها في حالة الانتفاض فقط الأدوات لا تقوم بفعل كامل، ماكينة الخياطة لا تخيط ولا تحارب، بل ستقوم من مكانها، له أن أحداً أيقظ فيها وحشيتها، لم يكتمل، لكنه فعل ناقص، كالقطة التي ينتفض جسمها ولم تقفز وخبش من يعاركها كل الأدوات تنتفض، متجهة عادة إلى الجزء العلوي من السطح رافعة الجزء العلوي، كأن تنزلق في مكانها إلى أسفل، أو تقفز إلى أعلى، كأنك تراها وهي واقفة، والأدوات على الأرض تنتفض فجاءت حركتها من أسفل السطح متحركة إلى أعلاه متحركة ناحية شيء ما.. "عطيات سيد" تعيش الأدوات في حالة درامية كأنها تصنع لهم صياغة مسرحية، من خلال الغامق الذي يجعل الأدوات التي هي عادة ألوانها فاتحة ومبهجة وتلمع، تصنعها في أجواء معتمة تصنع لها دراما خاصة بها، وبطريقتها في الأداء، كأن الأدوات المنزلية المستكينة في منازلنا، أدوات هادئة لا تفعل شيئاً، أخرجتها الفنانة من هدوئها وسخرتها لتقوم بدور بديل عنها هي نفسها للتمرد على هذا الدور الملامس لهذه الأدوات المرأة، فتحركها في عتمة ومساحات من الأوان القاتمة، فتدفع فيها خشونة وقوة تعطيها أكبر من حجمها، وأن صراعا ما قادم من هذه الأدوات – المرأة على عالم لا يعرف أحد عنه شيئاً، مع أنه حولنا في كل يوم ولا نحس به أبداً.