القاهرة 04 اغسطس 2020 الساعة 11:14 ص
بقلم: علي سرحان
* لا تسخرن من أعمى.. ولا تهزأن من قزم
تعد الدولة القديمة منذ نشأتها هي الأقدم تاريخياً والأكثر التزاما بحقوق الإنسان، دون تفرقة في النوع أو الشكل أو البناء الجسماني.. فلم تفرق بين الإنسان السليم بدنياً وبين صاحب إعاقة من أي نوع، بدأت أول مظاهر رعاية المعاقين عند القدماء المصريين عندما أكدوا على أهمية العناية بالفرد وأسرته في حالات المرض أو العجز كأسلوب يدعم المجتمع، كما عرفوا علم الأعشاب لعلاج المرض وأصحاب العاهات، ولم يخجل ذوو الاحتياجات الخاصة من تصوير حالاتهم على جدران المقابر، فقد عثر على لوح جنائزى معروض فى متحف كارلسبرج فى كوبنهاجن يرجع إلى الأسرة التاسعة عشرة منذ حوالى 1250 عاما قبل الميلاد على رجل يعانى من حالة شلل أطفال فلم يمنعه شلله من الوقوف أثناء تقديم القرابين، مستعينا فى ذلك بعصا يستند عليها ليستطيع الوقوف و الإمساك بالوعاء الذى يقدم فيه القرابين.
العازف الأعمى:
تلك الفئة مارست بعض الأعمال في مجتمع مصر القديمة، فهناك العازف الأعمى الذي يظهر في معظم الحفلات، وها هى المقابر بالدولة القديمة والدولة الوسطى، والدولة الحديثة، تمتلىء بمناظر من فقدوا بصرهم من العازفين الذين تميزوا بالقدرة على حفظ الترانيم الدينية والجنائزية والمقامات الموسيقية، وبالإحساس الموسيقي وسجلت تلك المناظر المنقوشة على جدران المقابر والعديد من التماثيل الجيرية الصغيرة في المتحف المصري، كان العازف الأعمى دائماً ممسكاً بآلة الهارب (القيثارة) الموسيقية القديمة التي عزف عليها الأناشيد الدينية الخاصة بالإله؛ حيث يتمنى المتوفي أن تساعده تلك الأناشيد في البعث مع شروق كل صباح والبعث والخلود في العالم في العالم الآخر. أما المصريون من الاقزام الذين أصيبوا بتشوهات خلقية فكانوا يكلفون بحرف أو أعمال معينة مثل الحياكة والصياغة والنحت أو تربية الحيوانات الأليفة أو تسلية السادة فى حين عمل البعض في الحقل وتؤكد بردية مكتوبة إبان الأسرة ال21 تحتوى على تعالي الحكيم المصري امنموبي. يتحدث فيها عن ذوي الإعاقة في الفصل الخامس والعشرين من التعاليم بقوله:
لا تسخرن من أعمى، ولا تهزأن من قزم.. لا تسخر من الكفيف، ولا تفسدن قصد رجل أعرج ولا تحفظن رجلا في يد الله (أي المجذوب) ولا تكن عابس الوجه حينما يكون قد تعدى الحدود.. ولا يعلو صوتك بالصراخ عندما يخطئ".. التزم المصري القديم بتعاليم الرحمه التى علمّها الحكيم "امنموبي" لابنه ، ومنها ألا يعامل ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل مهين.
وقال: "حذار من مهاجمة الأعرج، ولا تسخر من أعمى، ولا تتسبب في معاناة لرجل بين يدي الرب (مجنون)"، وتقول التعاليم المصرية القديمة كذلك "لا تسخر من الكفيف ، ولا تهزأ بالقزم ، ولا تسد الطريق أمام العاجز، ولا تهزأ من رجل مرضها الخالق، ولا يعلو صوتك بالصراخ عندما يخطئ ليس فقط بالوصايا، ولكن في الواقع فإن ذوي الإعاقة الجسدية الجزئية وصلوا إلى أعلى مناصب الدولة في مصر القديمة وهو "كرسي العرش"، ومنهم الملك سيبتاح الذي تولى حكم مصر لمدة 7 سنوات (1197 – 1191 ق م) في أواخر الأسرة التاسعة عشرة، وكان يعاني من إعاقة في ساقه اليسرى إثر مرض شلل الأطفال ما جعله يعرج أثناء المشي.
الأقزام في مصر القديمة:
وهناك القزم الشهير «سنب»، الذي شغل العديد من المناصب فكان رئيس أقزام القصر الملكي، وكان المشرف على العناية بالملابس الملكية ودفن في قبر فخم قرب هرم خوفو وتزوج الكاهنة سينينتس وكانت ذات بنية طبيعية وجميلة ولهما تمثال شهير في المتحف المصري بارتفاع 34سم تصوره جالسا متربع الرجلين بنقبة قصيرة بيضاء وبجواره زوجته تضع يدها اليمنى على كتف زوجها الأيسر، وعلى وجهها ابتسامة رضا تعبر عن رضاء المرأة وفخرها بزوجها.
وتحت قدم سنب صور ولد وبنت لهما، وكانت نظرة المصري للقزم الإفريقي تختلف عن المصري؛ حيث كان القزم الإفريقي يعمل في قصور الملوك كمهرج وجالب للفرح والضحك؛ لكن الأقزام المصريين كانوا أناسا عاديين يعملون في صناعة المشغولات الذهبية الدقيقة ونسج الأقمشة لصغر حجم أناملهم؛ مما كان سببا في دقة عملهم الأقزام كانوا يمثلون البهجة والمتعة والأمل في مصر القديمة، واشتهروا بصناعة الحلي نظرا لصغر أطرافهم التي كانت تمكنهم من تشكيل الحلي بسهولة ويسر.