القاهرة 04 اغسطس 2020 الساعة 11:05 ص
بقلم: د. فايزة حلمي
بعد الصدمة: من يحكي قصتك؟
هل لديك راو غير موثوق به داخلك؟
تقول دايل م. كوشنر." Dale M. Kushner":
هل سبق لك أن كنت في تجمع عائلي وشارك شخص ما الجميع في سَرْد ذكرى، وبمجرد سماعك له، قلت لنفسك: هذا ليس هو ما حدث! الحقيقة هي أن ذاكرتنا هي راو غير موثوق به، وهو مصطلح أدبي يصف شخصًا يروي قصة بشكل غير مستقيم، كما في الأدب القصصي، يمكن أن يكون الراوي غير الموثوق به مخادعًا ذكيًا، كما هو الحال في العديد من روايات الجريمة، أو يكون بريئا يفتقر إلى الوعي الذاتي.
إن الراوي الذي لم يُكشف عن اسمه في قصة الرعب المخيفة التي قام بكتابتها إدغار آلان بو "القلب الواشي"، غير مستقر عقليًا ولا يمكن الاعتماد عليه لتقديم معلومات دقيقة.. وعند قراءة كتاب، هناك فرحة حقيقية في معرفة من الذي يكذب، ومن يتلاعب، ومن يتحدث بصدق، ولكن ماذا يحدث عندما يقدم لنا عقلنا رواة متعددين، ولكل منهم مجموعة مختلفة من التصورات والتفسيرات للواقع؟
تشير الأبحاث الحديثة إلى أنه في الأشخاص الذين عانوا من صدمة، والذين نجُوا والآن على قيد الحياة، توجد مشكلة، يمكن أن تظهر في شعور الانقسام الذاتي، كالطفل الذي تعرض لسوء المعاملة، نَجِده يظهر سلوكًا متناقضًا، فيتشبث، وفي نفس الوقت ينسحب من المعتدي عليه.
في أحدث كتاب لها بعنوان "شفاء الأنفس المجزأة للناجين من الصدمات": التغلب على الاغتراب الذاتي الداخلي، تقدم الدكتورة جانينا فيشر" Dr. Janina Fisher" خريطة بيولوجية عصبية للتأثيرات السلبية للصدمة المبكرة، على التواصل بين نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر ويوضح كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص التكامل بين وظائف كل منهما.
هذا "الانقسام" الوظيفي يمكن أن يجعلنا نشعر كما لو أن لدينا عقلين، أحدهما تحت إشراف جزء الصدمة الذي نشأ في تجربة مؤلمة، والجزء الآخر يوجهنا نحو ردود فِعل طبيعية على عالَمنا اليومي، حيث لاحظت الدكتورة فيشر أن العديد من المصابين بصدمات نفسية يتحدثون من خلال ردود الفعل الناجمة عن الذكريات أو التهديدات المتصورة في الوقت الحالي.
في حين أن أجزاء الحياة العادية تحاول المتابعة، نجد الأجزاء الأخرى، تستمر في النشاط عن طريق المنبهات المرتبطة بالصدمات النفسية؛ مما يؤدي إلى اليقظة المفرطة وعدم الثقة، والعواطف السلبية، والعجز عن مواجهة الاكتئاب والقلق، والسلوك التدمري الذاتي، والخوف أو اليأس بشأن المستقبل.
وتؤكد مارسي جليتمان"Marci Gittleman"، عالمة نفس في ماديسون، والتي تعمل مع المُصابين بصدمة: "الصدمة غالباً ما تثير أجزاء من أنفسنا، وتدفع أجزاء أخرى إلى أسفل، وتفصل أجزاءً عن بعضها البعض؛ لِذا يساعد التعافي من الصدمات على الترحيب بجميع الأجزاء المختلفة مِن أنفسنا معاً فى وعينا، حتى لو كنا ى
مِن هنا، يمكن اعتبار "الجزء" المصاب بالصدمة راويا غير موثوق به، حيث يزوّدنا بهرمونات التوتر التي تشوه وعينا بالواقع، فالصدمة تفسد وعينا الراوي الذي تضرر من المأساة.. وفي منهج مدروس لمعالجة التقسيم الداخلي قد نعترف بأجزائنا المتعددة ونتعرف على من يروي القصة؛ نعترف بالمصدر ونسأل ما إذا كانت المعلومات المقدمة صحيحة.
كذلك أيضا، فإن جميع جوانب الذات، بما في ذلك الأجزاء الخَجِلة والجَرحى، تستحق أن يكون لها صوت؛ فكل منها يستحق الاحترام، ويحدث الجرح والإيذاء الذاتي عندما يتم تحويل الألم العاطفي إلى المناطق الحدودية للوعي؛ لِذا أن تتكَلّم وتُسْمَع وأن تكون شاهدا ومُشاهَدَا يتضمّن إلقاء عباءة الضحية وتَبَنّي القوة والكرامة والتمكين الذاتي، وهذه الكلمات المجردة تأخذ حياة ومعنى عندما يُعَبَّر عنها دراميّا بين شخصيات في قصة.
كتجربة في الارتباط بحذر بعاصفة الدوافع المتعارضة داخلنا، وبهدف إخراج الأصوات الداخلية المزعجة.. جرب هذا:
1. امسك قلمًا ودفترًا أو اجلس على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، أغلق عينيك وتنفس، ركز نفسك في جسمك، وافتح عينيك وابدأ.
2. مع الفضول والإبداع كمرشدين، اختر حدثًا مقلقًا معينًا في حياتك وإرو القصة من وجهة نظرك الخاصة.
3. لتمييز السرد، فكر في استخدام اسمك.
4. أكتب الآن القصة نفسها من منظور شخص آخر، أو شخص شارك في الموقف، أو أحد المارة، واستخدم أكبر قدر ممكن من البيانات الحسية: ما يُرى، أو الرائحة، أو الملموس، أو المسموع؟
5. ما الذي تلاحظه؟ ما الذي تم التأكيد عليه أو استبعاده في كل رواية منه؟ هل يمكنك تسمية المشاعر السائدة في كل قصة؟ ما المشاعر التي تأتي وأنت تقرأها؟ ما الذي تعلمته؟
6. خذ 15 دقيقة لكتابة ردود أفعالك تحت القصص.
وأخيرا... يقدم عالم النفس غليتمان "Gittleman" الأمل:
"أعتقد أن الصدمة مثل العاصفة المثالية.. إنها عشوائية ومدهشة وتوقف الوقت، وتصبح الحياة مختلفة بعد الصدمة عما كانت عليه قبل وقوعها.. الصدمة تهز القلب والجسد والروح، في بعض الأحيان أكثر، وأحيانا أقل، ومختلفة بالنسبة لك أكثر مني.. قد يكون من الصعب الشعور بالأمان، وينعكس التأثير في الحاضر والمستقبل بطرق معروفة وغير معروفة على حد سواء، حتى لو قررنا أننا لن نسمح بذلك!
إن أفضل ما يمكن أن نتحلى به كناجين، مهما كانت الصدمات كبيرة أو صغيرة، هو امتلاك قصصنا وجميع الأجزاء المختلفة، ويَحدُث ذلك مع مرور الوقت، عندما نتحمس ونستعد، من قبل أنفسنا ومع الآخرين الذين أصبحنا نثق بهم".