القاهرة 28 يوليو 2020 الساعة 12:05 م
بقلم: د. حسين عبد البصير - مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
كيف عبر الفن عن الأطفال أو العبيد الصغار في التشكيلات الفنية العديدة؟ وهل كان الفن جامدًا في تصويرهم؟ وهل عبر الفن عن أنشطتهم وأعمالهم اليومية التي كانت تتسم بالشقاء في فن النحت تحديدًا؟
لقد كان التعبير عن مفردات الحياة اليومية والمعاناة التي كان يعاني منها الأطفال أو العبيد الأطفال من أكثر الأنواع المحببة في التصوير الفني والتي لم تصلنا منها أعداد كثيرة أو من فترات تاريخية مختلفة. وكان العصر الروماني خصوصًا في مصر ومنطقة حوض البحر المتوسط من أكثر الأقاليم المناطق الحضارية التي أمدتنا بنماذج فنية مدهشة خصوصًا في فن النحت ثلاثي الأبعاد، والذي أطلق فيها الفنان العنان لإبداعه الفني الحر في تصوير موضوعات أثارت وما تزال تثير دهشتنا من روعة الإبداع والتصوير النحتي الفريد.
وعبر الفن عن الأطفال في فن النحت بشكل لافت للنظر. وكانت موضوعات الحياة اليومية من أكثر الأمور التي لاقت رواجًا في العصرين اليوناني-الروماني. وكانت الموضوعات المأخوذة من الحياة اليومية من بين الموضوعات الهللنستية المتكررة. وكانت تقترب في تصويرها من الشكل القصصي. وكان من بين أهم تلك الموضوعات على قلتها تصوير حامل الفانوس الذي كان يتناسب في تمثيله مع اتجاه الروكوكو، وهو الأسلوب الفني الذي شاع استخدامه في العصور الوسطي، والذي كان يفضل بصفة خاصة في التعبير عن الأطفال في فن النحت.
ويعتبر تمثال الطفل النائم من أجمل التماثيل الوافدة إلينا من العصر الروماني من مصر وبعض أجزاء الإمبراطورية الرومانية. وعمومًا تم تصوير منظر النوم بشكل متكرر في جميع العصور بطريقة موحية تبعث على نسيان الإرهاق الذي كان يعاني منه أولئك الأطفال. وكان يتم تصوير أولئك الأطفال من خلال الربط بينهم وبين النوم الهادئ بشكل خاص؛ إذ كان الأطفال أفضل من يعبرون التعبير الأسمى عن صورة البراءة. وكان يتم تصوير أولئك الأطفال وهم مصابون بالإرهاق أثناء الاستراحة من العمل المضنى بطريقة ساحرة توحي بالشعور بالسلام وتضفي عليهم هالة من الغموض والجمال والجاذبية والسحر.
وهناك تمثال شهير تم اكتشاف في مصر من تلك النوعية الفنية النادرة. ويمثل طفلاً يجلس على قاعدة ويتكئ برأسه على يده اليسرى، وقد غلبه النوم، ورأسه تميل إلى اليسار. وتم تمثيل الطفل مرتديًا رادءً يعرف بـ"هيمايتون" فوق "الخيتون". والهيمايتون له غطاء فوق الرأس مخروطي الشكل. وكان منتشرًا في العصر الروماني. ويرتدي الطفل المصور في التمثال رداءً يسمي "تونيك" بغطاء واقي للرأس، أو "كوكولوس"، وهو معطف العمل الذي كان يستخدمه العبيد الرومان حين كانت تسوء الأحوال الجوية خارج البيوت حسب عادة العبيد في ذلك العصر، تمامًا مثلما كان يرتدي المواطنون الرومان "التوجا". وتوجد ثلاثة خطوط مستقيمة غائرة على رأس هذا التمثال. وتظهر خصلات الشعر تحت غطاء الرأس. وتعد ثنايا الرداء واضحة في طريقة نحت التمثال. ويرتدي الطفل صندلاً خفيفًا. ويتميز تصويره الفني بتنفيذ الأقدام بدقة التفاصيل. والتمثال له قاعدة دائرية عليها بقايا جزء دائري، يُرجح أنها كانت دعامة يستند عليها بيده اليمنى الطفل صاحب التمثال. والتمثال منحوت من كتلة حجرية واحدة ومنفذ طبقًا لمعايير النحت المتبعة في ذلك الوقت. والطفل مصور بطريقة تعبيرية في لحظة غلبه فيها النوم. وكتلة النحت منفذة بطريقة تشكيلية بارعة. والتمثال منحوت من الرخام. وارتفاعه بالقاعدة 62 سم. ويبلغ محيط القاعدة 81 سم. وقد اكتشفه صياد مصري على مبعدة كيلو مترين داخل البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا في بحيرة البرلس في محافظة كفر الشيخ. وكان التمثال معروضًا بمتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية العالمية في القسم اليوناني الروماني، ثم تم نقله للعرض بمتحف كفر الشيخ الجديد الذي سوف يتم افتتاحه قريبًا للجمهور ليكون بؤرة الضوء والعرض في هذا المتحف الجميل.