القاهرة 28 يوليو 2020 الساعة 12:04 م
بقلم: د. هبة سعد الدين
ترتبط صورة المصرى لدى الجميع بذاك الأسمر ذى العيون الملونة والشعر الأسود.. وعادة ما تختل الرؤية عندما نبتعد ولو قليلا عن تلك الملامح؛ لكنها تعود عندما ينطق "الشخص" بالكلام، فاللهجة المصرية لا تكذب ولا يمكن أن تخطئها الأذن، وعندما أخبرك عن البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الملونة ستلجأ فى ذات اللحظة إلى الجانب الغربى من البحر ولن تعود، لكن الفنان ومصمم الرقصات محمود رضا الذى رحل عن عالمنا منذ أيام استطاع أن يغزل لغة أخرى لا يمكن أن تخطئها العيون وسترى مصر معه منذ أول وهلة، فقد اختار لغة جديدة هى "الرقصة".
صاحب الملامح "الخوجاتى" طاف مصر وجمع رقاصاتها التراثية والمرتبطة بكل مكان وجاب بحرى والسواحل والصعيد، وصمم الرقصات التي استوحاها من كل مكان على أرض مصر ومنحها الرؤية الفنية والإبداعية فى ذات الوقت، فالرقص يرتبط بالمكان والبشر، ولذلك يختلف رقص "بحرى" عن "التحطيب" والسمسية وغيرها من الرقصات التى ترتبط إيقاعاتها وموسيقاها بالكثير من العوامل.
عندما بدأ محمود رضا جولاته وبحثه عام 1959 وكون أول فرقة خاصة للفنون الشعبية بالاشتراك مع الراقص الأول والمصمم والمؤلف الموسيقي والمخرج على رضا ودكتورة فريدة فهمى التى كانت الراقصة الأولى للفرقة، وقدمت الفرقة أولى عروضها على مسرح الأزبكية؛ ليشاهد المواطن المصرى والعالم خريجى الجامعات الذين صنعوا وجهاً آخر للرقص الشعبى.
لقد نالت الفرقة الكثير من الجوائز والتكريمات على مستوى العالم ، ولتبحث فى السينما عن مساحة التوثيق والخلود لمسيرتها من خلال فيلمى "اجازة نصف السنة" و"غرام فى الكرنك" وليشارك محمود رضا كبطل راقص فى فيلم "حرامى الورقة".
فرقة رضا لم تكتفِ بالرقصات الشعبية التى حاولت توثيقها وإعادة تقديمها للعالم؛ بل استعانت بالعديد من الملحنين العظام والمطربين لتصنع تابلوهات راقية وتعتمد "الجمال" طريقاً لكل اختياراتها. لقد أسهمت فى الحفاظ على الجانب التراثى لمصر وأقاليمها، واستطاعت أن تضع الرقص الشعبى فى مكانة أخرى ومساحة أكثر خصوصية، فعندما نفكر فى رقصات مصر الشعبية سنتجه صوب فرقة رضا وذلك "الخواجة" الذى رأيناه ابن البلد والصعيدى الذى يتقن الإمساك بالعصا. ويمكنه أن يهزم من يقف أمامه ويمتعنا بفن "التحطيب". لقد جعلنا نستمتع بالنغمات والأزياء والحركات الراقصة والأصوات لتسحرنا التابلوهات وتنقلنا نحو مساحة أخرى من الجمال.
رحم الله الفنان محمود رضا الذى اختار طريقاً صعباً مضى فيه ومنحه روحه وحياته؛ حتى جعل المهمة مستحيلة على من يريد الغوص فى ذات الطريق مرة أخرى.