القاهرة 21 يوليو 2020 الساعة 11:40 ص
بقلم: محمد حسن الصيفي
ارتفعت القضية لتصل إلى عنان الفيسبوك، أدلى الجميع بدلوه، ماما وبابا وناهد وكلنا، وأخيرًا ما هي النتيجة؟
النتيجة صفر، وهي دائمًا صفر، حاصل ضرب مجموع الفيسبوك على الأراضي غير المستوية دائمًا يساوي صفر.
أيام تمضي وساعات تحترق مثل سيجارة محلية رخيصة في يد رجل رابض في شرفته من فرط الملل.
ماذا يستفيد الأطرش في الزفة من تورتة ضخمة يقتسمها أهالي العروسين بعد ليلة الزفاف؟!
وفرح الفيسبوك حار، والغالبية تريد القيام بدور الراقصة اللولبية، فالنمرة لها معجبين ودراويش من كل الأنحاء، والنقطة بالآلاف "الآف الإعجابات والمشاركات والتعليقات المؤيدة والمعارضة بشدة" وبعد انقضاء الحفل الساهر والنِمَر المدهشة يعود كل المدعوين إلى بيوتهم سعداء.
هذا هو الحال، أرض غير مستوية، غياب للموضوعية، لابد أن تكون مع أحد النقيضين، ولابد أن تفرض فروض الولاء والطاعة لأهل اليمين أو اليسار في هذه القضية أو تلك، اللعبة الآن لعبة الأبيض والأسود، لا وجود للألوان الأخرى.
طبيعة الحال الآن هي القدرة على التناحر، لا يوجد ما يدعو للنقاش بهدوء، لا أفكار ولا مفاهيم مشتركة، ولا حوائط فيسبوكية ولا حتى أرضيات، كل يتحدث من ميكروفونه الخاص، والنتيجة يا أبو زيد ما غزيت.
لو أدنت المعتدي سيظهر الطرف صاحب "هي اللي لبسها وحش" ولو تساءلت عن دور الأهالي والحوار الأسري وزرع الأخلاق والدين والقيم والمتابعة سيظهر الطرف الآخر "هي حرة حتى لو قلعت هدومها" وفي كل الأحوال سيظهر طرف ثالث من أحفاد المهاتما غاندي سيكتب أنه من الحكماء الذين لا يخوضون في اللغو ليس من باب الكسل ولكن من باب اليأس العميق والترفع عن الجدل العقيم، سيقول ذلك وهو "يشعل غليونه" كما في ترجمة بعض الروايات!
والمجتمع؟!
المجتمع والشارع سيكملان بنفس الوتيرة، كل يغني فيه على ليلاه، كل واحد وشطارته، كل واحد وأخلاقه، والأمورة الصغيرة دي بنتك؟ ويا حول الله يا رب... وكل عام وأنتم بخير.
تطاحن فيسبوكي فارغ، أعيرة وأدخنة وتراشقات وتحرشات إلكترونية والنتيجة لم ينجح أحد، يتناسى كل طرف طبيعة المجتمع وتاريخه منذ "الغازية لازم تنزل" حتى اللحظة، يعتقد السيد أو السيدة الفاضلة أنه سيطلق عياره الفيسبوكي في قلب المعتدي وسيطرحه أرضًا كما في الأفلام الأمريكية "بيو بيو" وسيهتف الجميع الله أكبر أو "الحرية أكبر" ودمتم، ولو سألتني ما الذي يشعر هؤلاء بمثل هذه الثقة الرد وبدون شك سيكون: الفولورز طبعًا يا عماد.
فالرجل مدجج بالمتابعين الذين يحملون المصاحف على أسنة الكيبورد، والسيدة كذلك لديها جيوش من المتابعين الأحرار في بلد يعرف فيه الحلاق معلومات عن حياتك أكثر ما تعرف أنت عن نفسك!
ما يحدث هو عملية طحن للدقيق، محاولة كنس الصحراء الغربية بمكنسة كهربائية 600 وات، والدليل أن ذاكرة الفيسبوك تذكرنا وهي في الحقيقة تؤلمنا بماضينا المتكرر، نحن نكتب نفس الكلمات كل مرة وفي نفس المناسبة وأحيانا في نفس التوقيت من كل عام.
حتى هذا المقال لابد وأني كتبته قبل ذلك، حتى ولو بتنويعات مختلفة، والغالب يعرف أنه لن يغير وبالتالي عليه أن يغرف من التريند أكبر مقدار، لذلك تجد أصوات الملاعق ترتطم ببعضها البعض في النهاية، ثم تنسحب لتذهب للحاق بطبق التريند الجديد، وهكذا إلى ما لا نهاية.