القاهرة 15 يوليو 2020 الساعة 06:46 م
كتب : جمال عاشور
ذاع صيت الكاتب الكبير ثروت أباظة الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، في عالم الأدب العربي الحديث، كروائي وقصصي وسياسي شديد التأثير في سياسة مصر، وبرع في استخدام الأدب الإسلامي كفن نقي في معالجة القضايا الإجتماعية في قصصه ورواياته.
ولد ثروت أباظة في 15 يوليو عام 1927 بإحدى قلاى محافظة الشرقية، في أسرة ازدهرت بإزدهار الفن والأدب، وكلان دائما في فترة طفولته يصحب والده في كل مكان يذهب إليه حتى نال فرصة كثيرة لمجالسة الوزراء والكبراء والأدباء والشعراء أمثال الكاتب عباس العقاد، وطه حسين وغيرهم.
بالرغم من مولد "ثروت" وسط عائلة أدبية وتميزه بذكاء شديد، إلا أنه لم يكن من المُتفوقين في الدراسة فعنفته والدته حتى اهتم بدراسته وتخرج من كلية الحقوق وهو في الثالثة والعشرين من عمره، ليبدأ حياته العملية بالعمل في مجال المحاماة، ليتجه بعد ذلك إلى الأدب الذي أحبه منذ السادسة عشرة من عمره بكتابته للقصة القصيرة، والتمثيلية الإذاعية ليبدأ اسمه في التردد بالإذاعة، ثم يتجه من جديد نحو كتابه القصة الطويلة وكتابة المسرحية.
تخرج ثروت من كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1950، وبدأ حياته العملية بالعمل بالمحاماة، ثم تولى العديد من المناصب العليا في الهيئات السياسية الأدبية الصحفية، وكان وكيل مجلس الشوري، كما كان عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة، والمجالس القومية المختصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، والمجلس الأعلى للصحافة.
بدأ ثروت أباظة كتاباته، حينما كان طالبا في المرحلة الثانوية، وكتب أول مقالاته في مجلة الثقافة، أما أول أعماله الأدبية فكانت بعد زواجه بقليل، وكنب قصة تاريخية عم ابن عمار وتقررت على وزارة التربية والتعليم وتم تدريسها أوائل الستينات على طلاب الشهادة الإعدادية، وإلى جانب هذا ألف عدة قصص وروايات تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، وكان أهمها رواية "هارب من الأيام"، ثم تشرق الشمس، الضباب، شيء من الخوف، أحلام في الظهيرة، طارق من السماء، الغفران، ولؤلؤة وأصداف.
وتنوع إبداع ثروت أباظة ما بين الرواية والقصة والمسرحية والمقالة والدراسة، ومن خلال هذا التنوع تتسلل إلى اعماق النفس وإلى خلجات المشاعر ونأمات الضمير لتكون أخلاق الناس وتريهم الكون جميعا في أحرف وكلمات، وبلغت مؤلفاته أكثر من 40 عملًا منها 30 رواية، ومسرحيان، و10 كتب في الدراسات الأدبية والتراجم، وكتب أيضًا سيرته الذاتية باسم ذكريات لا مذكرات.
تميزت رواياته بالمستوى الفني الرفيع وبالنجاح الجماهيري الواسع في آن واحد، ولم يختلف على قيمته الأدبية أحد، واحتضن المسار الفني في روايته الوقائع الريفية بمصر، وانطلق من رؤيا قضاياها التي يعاني منها ضميره إزاء مختلف التناقضات التي تتماوج داخله مع الرصد الواعي لكافة الظواهر المعوقة أو الدافعة لحرية التفكير والتعبير.
إبداعات ثروت أباظة قادته نحو الحصول على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1958، كما نال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام1982، حتى فارق الحياة في 17 مارس عام 2002 عن عمر يناهز 75 عاما، وذلك بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بورم خبيث في المعدة.
وروى ثروت أباظة عن نفسه أنه ظلّ بلا عمل منتظم وذلك على الرغم من علاقات والده وأسرته، وربما بسبب هذا، مع أنه تخرّج في كلية الحقوق (1950) وقد تولى في هذه الأثناء أعمالاً موسمية من قبيل إشرافه على مجلة الخفجي: قافلة الزيت، وفي عهد الرئيس أنور السادات اختير الأستاذ ثروت أباظة رئيساً لتحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون (1975 ـ 1976) بيد أنه سرعان ما ترك هذا المنصب بسبب مقال سياسي لم يشأ هو ولا أعداؤه تكرار الإشارة إليه، وهو مقال مختلف عن المقال المشهور بقولته عن عبد الناصر: وفي أي شيْ صدق؟ وهكذا انتقل ثروت أباظة للأهرام ليكون في تلك الجريدة مع صديقه الأستاذ يوسف السباعي رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس تحريرها، وأصبح ثروت أباظة رئيساً للقسم الأدبي في الأهرام وهو المنصب الذي ظلّ مُحتفظاً به حتى أصبح وكيلاً لمجلس الشورى".
وظلّ ثروت أباظة سكرتيراً عاماً لاتحاد الكُتّاب في عهد رئاسة توفيق الحكيم ويوسف السباعي فلمّا توفي يوسف السباعي أصبح توفيق الحكيم رئيساً وثروت أباظة سكرتيراً عاماً مُتوليا للسلطة ولما توفي توفيق الحكيم أصبح ثروت أباظة رئيساً للاتحاد لخمس دورات متصلة لكنه وعد بأن يتنازل عن الرئاسة بعد انتخابه للمرة السادسة وهو ما حدث بالفعل في1997، وكان ثروت أباظة كثير النقد للشيوعية والماركسيين كما كان دائب النقد للناصريين، وقد حرص على السجال مع كل هؤلاء وبخاصة عندما كانوا يخطئون في والده أو عائلته، وقد وصل به الأمر في إحدى المرات أن رفع قضية على جريدة الأهالي وكسب القضية بعدما تورطت الجريدة في سبّ والده بلا مبرر.
ورغم هجوم ثروت أباظة المُتكرّر على هيكل لم يشأ أن يُفرد له عملاً فنيا يقتصُّ فيه منه، فقد كان من الذين يرون أنفسهم أكبر من هيكل، ويرون هيكل أصغر من أن يكون موضوعاً لعمل أدبي، وكان يتمثل في حياته تجربة الوزير ابن عمار الذي وصل بطموحه إلى الوزارة في العهد الأندلسي، لكن طموحه قضى عليه، ولهذا كان مُحافظاً على كثير من توجهاته الفكرية، وكان يُجيد التوقف عند حدود الخطوط الحمراء التي فرضتها ثورة 23 يوليو.
أما في انتاجه الأدبي فقد كانت نظرة ثروت أباظة للحرية مُتلبسة بالمعاني الفلسفية والتربوية لها، ويبدو للقارئ المتابع أنه بحكم نشأته وجد أن عليه أن يناقش الحرية من حيث علاقتها بالأسرة والطبقية، ومدى حرية الأبناء في التمرُّد على الموروث الذي أعطى لهم مكانتهم، كما هو الحال في شخصه وشخصية أنداده من عائلته الصغيرة، وقد أجاد التعبير عن صراع الأجيال في العائلة الواحدة، ووصل في هذا الصراع إلى نقاط مُتقدمة يصعُب على غيره أن يصل إليها على النحو الذي قدّمه في قصة "لقاء هناك" على سبيل المثال، لكن الأستاذ ثروت أباظة في حقيقة الأمر كان يُحاول الهروب بأفكاره عن الحرية السياسية من المجتمع القاسي الذي شبّ فوجد أن عليه أن يتعامل أو يتعايش معه.