القاهرة 14 يوليو 2020 الساعة 10:21 ص
تأليف : ميلان فيشت FUST MIL?N
ترجمها عن اللغة المجرية: د. عبدالله عبدالعاطي النجار
الشخـصيــات:
فيلموش هوبر، عامل بمطبعة
روزا جارماكي ناماشفاريي، عاملة بمطبعة
فيلما فيج: عاملة بمطبعة
الأرملة حرم إيفرمود هوبر (السيدة هوبر)
فرنتس شيرما: جزار وصاحب المنزل
فرنتس سيكاي: قسيس
د. جولا بيك، طبيب بالمستشفى
روجي: أخت عامل المطبعة
يانتشيكا: طفل صغير، ابن فيلموش هوبر
المزارعة العجوز
الخادم العجوز
اثنان من أبناء المزارعين الصغار
صبي الجزار
العاملات بالمطبعة
التوقيت: اليوم. تدور رحى المسرحية في إحدى المدن المجرية.
الفصل الرابع
بعد مرور شهر، وفي نفس مكان أحداث الفصل الأول ... في يوم عطلة، وتحديدًا في الساعة الخامسة مساءً، مع بداية فصل الربيع، كانت روزا تجلس إلى المنضدة، شاحبة الوجه للغاية، مرتديةً ملابس سوداء اللون، تكتب خطابًا. أما فيلما فكانت تجلس هي الأخرى إلى المنضدة تكتب خطابًا، وكانت تلبس نفس الملابس التي كانت عليها في الفصل الثالث. ملامحها قد تبدلت، وحركاتها قد صعبت، وعينيها قد دمعت. (صمت).
روزا: ماذا كتبتِ له؟
فيلما (تقرأ): أبي العزيز! أرجو أن لا تكون غاضبًا كوني لم أرسل لك نقودًا. لم يزعجني أنك طلبت مني ذلك، ولكن هناك مشكلة كبيرة أمرُّ بها، وربما لن أعيش طويلًا... (يتهدَّج صوتها من أثر البكاء)
روزا: لم تكتبي ما هي مشكلتك؟
فيلما: بل كتبت. (تقرأ) وإنه لمن الخزي أن .... (يختنق صوتها). لا أستطيع مواصلة القراءة. (تعطيه لروزا).
روزا (موجهةً إليها نظرة عميقة): ما الذي تخجلين منه؟ لم يهتم بك أحد من هؤلاء قط!
فيلما (تتنهد بعمق): لكنه أبي على كل حال!
روزا (تعيد إليها الخطاب): لقد كتبت هذا. (تقرأ). – اليوم أيضًا كنا ننتظر عبثًا... لن نستطيع تحمل ذلك الوضع. أنتِ تقلبين في صفحات الماضي. من آخر تنوين تحطيمه؟ ولحين وصولك إلى المنزل لن نكون في عداد الأحياء. (يختنق صوتها).
فيلما (باكية بصوت مرتفع): هذا صحيح! سنلقى حتفنا!
روزا (باكية بصوت مرتفع هي الأخرى): سوف أراك قريبًا، ابني الصغير المسكين...
فيلما (تتنهد بصوت مرتفع): أخي الصغير المسكين...
المزارعة العجوز (تدخل بصحبة طفلين، وكان صوتها مسموعًا من الخارج): ألقيا التحية بشكل جميل ولائق...
الفتاة الصغيرة: فليبارككما الرب!
الصبي الصغير: فليبارككما الرب!
المزارعة العجوز: تبكيان؟ يا الهي! (تذهب إلى روزا وتضع يدها على رأسها): لا تحزني، مات لي أنا أيضًا خمسة أطفال معًا.
روزا (تقف).
فيلما (تقف هي الأخرى وتفتح الدولاب لتختبيء خلف بابه).
المزراعة العجوز (تنظر إلى روزا بطيبة وابتسامة): سوف تنجبين طفلًا آخرًا ... لا تحزني ... وحينها سيعيش طويلا.
روزا (تتنهد بعمق): لن أعيش حتى أرى ذلك...
المزراعة العجوز (متعجبة): كيف لن تعيشي حتى ترين ذلك؟ لقد مررت بنفس الظروف...
روزا (تقوم بفتح المحفظة الخاصة بها): بكم أدين لكِ وعليَّ دفعه؟
المزراعة العجوز: لم نأتِ من أجل هذا. لكن على كل، لي خمسة فورنتات. (تعطيها الورق) كل شيء مكتوب هنا...
روزا: أخذت بنسة (مليما) (وأعطته للطفلين).
المزراعة العجوز: ماذا يجب أن تقولي؟
الفتاة الصغيرة : شكرًا أيتها السيدة.
المزارعة العجوز (للصبي): وأنت؟
الصبي الصغير: شكرًا أيتها السيدة.
المزراعة العجوز (موجهة حديثها إلى الصبي): تبدو عنيدًا.
روزا (باحثة عن النقود): لدي فورنتان، سوف أعطيكِ بقية النقود في وقت لاحق... (تعطيها النقود)
المزارعة العجوز: سوف يكون ذلك جيدًا (تأخذ النقود) لن تهربي بالباقي...
روزا (بدأت تدمع): هل تُحضرين له الورود يوميًا؟
المزارعة العجوز: بالتأكيد أحضر له الورود، ياحبيبتي. وكيف لا أفعل ذلك؟ أين كنا صباح اليوم يا بيرتا؟
الفتاة الصغيرة: في المقابر...
المزارعة العجوز : وماذا أخذنا معنا يا أندريش؟
الصبى الصغير: الورود.
المزارعة العجوز: وأى نوع من الورود؟
الطفلان معا: الأرجوان.
المزارعة العجوز: ولمن أحضرناهم؟
الطفلين (معا في صوت واحد): إلى أشقائنا.
فيلما (تبكي بصوت مرتفع من وراء باب الدولاب).
روزا (تضع يدها على قلبها، ثم تهمس): سوف تُحضرين لي الورود أنا أيضًا قريبًا.
المزارعة العجوز: سوف أحضرها لعرسك.
روزا (بعد تفكير ملي): القبر هاديء، والحياة ما هي إلا ضوضاء.
المزارعة العجوز: سوف نذهب الآن. تعاليا أيها الصعلوكين. (يتشبث الطفلان بتنورتها)
روزا (برفق): ألن تمكثي لدينا بعض الوقت؟
المزارعة العجوز: سوف أمكث عندكم لاحقًا. الآن لدينا عمل يجب القيام به. الرب معكِ. ألقيا التحية!
الطفلان (يلقيان التحية معًا): الرب معك. (يخرجون).
المزارعة العجوز: لا تقم بجذب تنورتي. (صمت).
فيلما (تتقدم): روزا أنا لا أتحمل...
روزا: ما الذي لا تستطيعين تحمله؟
فيلما: الموت. كم أود لو أن لي طفل مثل هذا الطفل.
روزا: وماذا ستفعلين به؟ هل تعطيه لشخص آخر يرعاه؟
فيلما: بالطبع لا، لن أتخلى عنه لحظة واحدة، سأفعل معه مثلما فعلت مع أخي الصغير.
روزا: ومن سينفق عليكما ويتفقدكما؟ إن الموت ليس بالأمر الصعب. تخيلت كثيرًا كيف يمكن أن يكون الموت: الآن مثلا أنا أرى جيدًا هذه المنضدة ... وهذا الدولاب ... وهذه الحجرة ... ثم فجأة لا أرى أي شيء نهائيًا. (صمت). أنتِ أيضًا يمكنك التفكير في الأمر. أما عن سبب لماذا أعيش، فأنا لست أدري في الحقيقة.
فيلما (بسرعة وبلا أية تفكير أو قناعة): أنا لا أريد العيش بدونك، فقد كنتِ طيبة معي دائمًا...
روزا (تنظر لها وتبتسم في حزن): كنت طيبة يا فيلما؟
فيلما: كنتِ دائمًا طيبة.
روزا (وهي تنظر إليها): أشعر أننى مذنبة، لم أكن طيبةً معكِ على الإطلاق.
فيلما: وكيف ذلك؟ لقد كنتِ دائمًا طيبة معي.
روزا: ألا تأسفين على شيء؟...
فيلما: وما الذي يؤسفني؟
روزا: ألا تأسفين على ما فعلتيه من أجلي؟
فيلما: ولماذا آسف؟
روزا (تبتسم بألم): إذن لماذا تريدين أن تموتي، أيتها الفتاة الصغيرة؟
فيلما (والدمع قد ملئ عينيها): لأن الأمور تسير معكِ بشكل سيء.
روزا: وكيف تسير معي الأمور بشكل سيء؟
فيلما (بحسرة): أنتِ تعانين. مات ابنك الأصغر. (بصوت منخفض): كما أنه لا يحبك.
روزا: وهل يحبك أنتِ؟
فيلما (بشك): أعتقد أنه يحبني.
روزا (تبتسم): أعتقد أنه لن يأتى أبدًا إلى المنزل.
فيلما: هذا أمر طبيعي. إنه لا يستطيع الجلوس في المنزل دائمًا... كما أننا لسنا بمفردنا.
روزا: كنتِ تتحدثين بشكل مغاير يا فيلما ... (صمت) إنه زير نساء شغله الشاغل هو الجري وراء الفتيات.
فيلما: لا مشكلة في ذلك، طالما أحبه...
روزا (تنظر لها بتعجب): أتعتقدين أنك تسعدين بذلك وأنه لا يوجد لديك مشاكل؟
فيلما: إنكِ تبدين خائفة. (صمت). هذه هي مشكلتك الوحيدة ... يا للخزي والعار...
روزا (تضحك بمرارة): إذن لا تبكي، فقط عليك البقاء... سوف...
فيلما: والسيدة هوبر المسكينة قالت أن بإمكانها مساعدتنا في ذلك.
روزا (بمرارة): ممكن؟! السيدة هوبر؟ (صمت – فجأة) لقد قتل أمه...
فيلما: من؟
روزا: هوبر. لقد قادها إلى الموت.
فيلما: أحقًا يا روزا؟
روزا: إنه لا يحبك أنت يا فيلما الصغيرة ... مع أنكِ تستحقينه.
فيلما: ومن أين علمتي بذلك؟
روزا: هو لم يحضرك إلى هنا، بل أنا من فعلت.
فيلما: أنتِ؟ لماذا؟
روزا: هل أحكي لكِ؟ كان يريدك مثل بقية الرجال، وأنا من قربتك منه.
فيلما: أنتً؟ لماذا؟
روزا: لأنه أراد أن يتركني.
فيلما : ولماذا أحضرتينى إلى هنا؟
روزا: لأنه كان يريد أن يتركني.
فيلما (بشغف وقلق متزايد): ولماذا أحضرتيني إلى هنا؟
روزا: لأنني كنت دائمًا وحيدة في هذا العالم، وخشيت أن تؤدي بي وحدتي إلى الانتحار (صمت) ولأنه كان دائمًا يركض وراء الفتيات، ولأن ابني كان هنا أيضًا. لقد كنت وحيدة دائما في هذه الحياة.
فيلما: كان بإمكانك أن تذهبي أنتِ أيضًا.
روزا: كان بإمكاني، لكني لم أفعل.
فيلما (بصوت مرتفع): ليس صحيحًا ما تقولين، لقد ركع أمامك واستعطفكِ لكي تذهبى معه...
روزا (ضاحكة): لقد اعتاد ذلك دائمًا.
فيلما (بنفس الطريقة): وأنتِ أيضًا أردتِ الذهاب.
روزا: ومن أين علمت؟
فيلما: شيرما قال ذلك، وطلب مني أن أقنعك بذلك ... هو يعيلك...
روزا (تبتسم بألم): وبالرغم من ذلك لم أذهب، أتعلمين لماذا؟
فيلما: المسكينة السيدة هوبر كانت على حق: أنتِ لستِ صريحة...
روزا (بنفس الطريقة): الآن أنا صريحة.
فيلما: بل مخيفة.
روزا: أنا مخيفة؟
فيلما: نعم أنتِ تفكرين مسبقا فيما سوف تفعلينه.
روزا: و أنتِ، ألا تفعلين الشيء نفسه؟
فيلما: أفكر، لكن ليس مسبقا.
روزا: وهل فكرتي فيما بعد ... ما لم أذهب إلى شيرما؟
فيلما (بصراحة): هل أنتِ متأكدة من أنك لا تحبينه؟
روزا (مقتربة منها بوصت عالِ): وهل رأيتِ كيف لا أستطيع العيش بدونه؟
فيلما (بخوف): أعتقد أنكِ قلت ذلك.
روزا: قلت أننى سوف أرحل عنه، ولكني لن أرحل إلى أى مكان أبدا.
فيلما (وركبتيها تتخبط): وأنا؟
روزا (شاعرة بقوتها): ألستِ هنا لهذا السبب؟
فيلما: ماذا أردتِ مني؟ (وعيونهما تجابه بعضهما بعض).
روزا: اسمعيني ... كثيرًا ما كنت أجوع.
فيلما: لماذا؟
روزا: إنه لم يعطيني نقودًا، و كان علي أن أعيل ابني وأهتم به.
فيلما: إنه لم يكن يحبك، أليس كذلك؟
روزا: وهل كان يحبك أنتِ؟
فيلما: نعم.
روزا (وقد أخرجت خطابًا من جيبها وبدأت في قراءته). أنظري ... وجدت هذا الخطاب بالأمس ... أحد فتياته كتبته. (تقرأ): حبيبي الوحيد...
فيلما: لا أريد أن أسمع.
روزا (مقتربة منها وبصوت منخفض): ظننتك تريدين.
فيلما: لماذا تتصرفين معي بحدة هكذا؟
روزا: وهل أبدو لك غريبة؟
فيلما (تنظر أمامها): لم أكن أعلم ذلك.
روزا : والآن تعلمين...
فيلما: ما الذي يجب أن أفعله؟!
روزا: انظري، لقد أحضرتك إلى هنا حتى لا أبقى وحيدة. إذا ما قام هذا الرجل السيء مرة أخرى بــ...
فيلما (وهي تتلفت أمامها): الجو بارد للغاية. أشغر بلسعة برد.
روزا (مستكملة حديثها): لقد أحضرتك إلى هنا لهذا السبب لأنه إذا حاول هذا الرجل مرة أخرى أن ... سنتصدى له سويًا. – (تمسك بكتف فيلما وتهزه).
فيلما (بينما تجلس على الكرسي بألم شديد): روزا!
روزا (مستكملة كلماتها ببغض): هذا الأمر لا يمكن حدوثه معكِ لأنكِ كالعسل.
فيلما: عم تتحدثين؟
روزا: لن تعلمي إلا إذا أصبحتِ وحيدة، وقتها سترين.
فيلما: وما الذي سوف أراه؟
روزا : ماذا إن أصبح لديك أطفال...
فيلما: لن يصبح لدي أطفال.
روزا (غارقة في موجة غضب جارف): وإن حدث ذلك، ماذا أنتِ بفاعلة؟
فيلما (بقلق عميق): روزا، هل تريدين تعذيبي؟
روزا: لن أبدأ مجددًا في الحكم على الأمور بشكل مسبق. أنتِ أيضًا افعلي هذا.
فيلما (متشككة في أمرها): قولي لي ما الذي يتوجب عليّ فعله.
روزا: ستصبحين وحيدة معه، لأنني سوف أقتل نفسي.
فيلما: روزا، أنا لا أجرؤ على البقاء وحيدة.
روزا: إذن ماذا تريدين؟
فيلما (منهارة القوى): ما الذي تريدينه أنتِ؟
روزا: أنتِ لا تعرفينه جيدًا. في جيوب معطفه توجد ملصقات يكتب فيها كل شيء عن المرأة.
فيلما: إنني خائفة!
روزا: واصلي الركض، وسوف أعطيكي حملي.
فيلما (مهزوزة): روزا، ماذا تريدين؟
روزا: أنتِ تمزحين معي؟ لن أصبح الأولى ولا الأخيرة، ستجدي من يعلمك ذلك لاحقًا.
فيلما: عم تتحدثين؟
روزا : أنتِ! هذا الشخص قد قتل أمه، تعلمين ذلك؟ والآن سوف أقتل نفسي، تعلمين ذلك أيضًا؟
فيلما (بخوف هيستيري): لا!
روزا (تكمل): علاوة على كل ذلك، وفي مدينة فاهيرفار قامت إحدى الفتيات بقتل نفسها بسببه.
فيلما (بكره): ألستِ خائفة؟
روزا: وممن أخاف؟ منك؟
فيلما : من الرب.
روزا (تضحك من شدة غضبها): لا تكوني حمقاء! لقد أخذ نقود إحدى الفتيات وتركها ... وكانت هذه هي الثالثة ... ومن السهل عليه أن يتصرف معكِ بهذا الشكل.
فيلما (تضع يدها على وجهها): يا الهي! ماذا سوف يحدث معي؟ لا أستطيع حتى البكاء. قولي لي يا روزا ماذا سوف يحدث معي؟ (صمت) – (تستلقي على الكرسي).
روزا: ماذا سيحدث لكِ؟ أنا سوف أموت.
فيلما (ترتعش).
روزا: هذا سوف يخيفك. لن تجدي الطعام لأيام، ثم...
فيلما: ثم؟
روزا: ثم يبدأ كل شيء من جديد.
فيلما: وبعد ذلك!
روزا : سوف تحتاجين نقودًا، لكن لن يكون لديك أي نقود لأنك سوف تضيعينها، ثم يأتي شيرما فيما بعد..
فيلما (تقفز): لا!
روزا: اجلسي فحسب.
فيلما (تجلس).
روزا: سوف يكون لديك طفل في المستقبل. وستعطيه إلى هذه السيدة لترعاه، وحتى ذلك الحين لا أعلم إن كان هوبر قد أعطاها نقودًا أم لم يعطها.
فيلما (مستوعبة): كارثة! هذا غير ممكن!
روزا: نفس الشيء قد يحدث لأي أحد. ابني الصغير المسكين ليس في استطاعتي حتى أن أحزن عليه.
فيلما: ماذا سوف يحدث؟
روزا: لن يحدث شيء حتي يأتيك شخص من هذا العالم ليعلمك.
فيلما: ماذا سوف يحدث معى؟
روزا: لا شيء. سوف تتذكري أنني تنبأت بساعة وفاتي.
فيلما: أنتِ لم تقولي أى تنبؤات.
روزا (تنظر لها في سخرية): وكيف لم أقل؟
صبي الجزار (يدخل ومعه حقيبة يضعها على المنضدة): مساء الخير. السيد شيرما أرسلها لكم ويتمنى لكم وجبة شهية. (يخرج).
فيلما: لا داعي لذلك. أعدها من حيث جئت بها. إنني أكره ذلك. (تنتفض من مكانها).
روزا (تُمسك بها): لا تتذمري ... أنت تكرهينه إلى هذا الحد؟ وهوبر يعلم ذلك؟
فيلما: اتركيني يا روزا ولا تعذبيني.
روزا (منتفضة من مكانها): إنه يعلم أنني كنت حبيبة هذا الحمار يومًا.
فيلما : يكفي هذا يا روزا. يكفي يا روزا!
روزا: كنت سوف أموت إن لم يحدث ذلك، وسوف يحدث نفس الأمر معك أيضًا.
فيلما: النجدة!
روزا: هل جننتي؟
فيلما (تقف): سوف أذهب من هنا.
روزا (بمرارة وسخرية): إلى أين؟
فيلما: لا أعلم، لكنى سأذهب على أي حال. (صمت طويل – هدوء عميق – كلاهما يقف منهك القوى).
روجي (تدخل في ثياب سوداء – بصوت خافت): مساء الخير.
روزا وفيلما: تنظران إليها كما لو أنهما رأيا شيئا غريبًا معاديًا.
روجي (بصوت منخفض): أخى الأكبر ليس بالمنزل؟
روزا: لا، ليس هنا.
روجى (بصوت منخفض هادئ): أخبريه أنني جئت لأودعه. سوف أذهب من هنا ولن يراني مجددًا ... لست غاضبةً منه، ولست بحاجة إلى أن أقول له أنه لم يهتم بأمي المسكينة ولم يهتم بي. (بصوت مختنق) فليرحمها الرب! (صمت طويل – لم يجب عليها أحد – بصوت خافت) الرب معكما (تخرج ببطئ).
فيلما (بعين دامعة): مسكينة! أنا أيضًا سوف أذهب من هنا. (تتنهد بعمق)
روزا: سوف تعودي.
فيلما: لن أعود أبدًا. الموت أفضل من ذلك.
روزا (بتنهيدة): وماذا سيغير موتك؟... ألا يوجد لديك غضب من هذا؟
فيلما: لا يوجد. لكني بهذا سأساعد نفسي.
روزا: هذا صحيح. (صمت).
صبي الجزار (يدخل): شيرما أرسله مجددًا، ويسأل إن كانت الفتاة الصغيرة تريد عشاءً أم لا.
فيلما (باكية): لا.
روزا (ضاحكة من شدة الغضب الذي ألمَّ بها): تعال إلى هنا أيها الصبي وقل لنا ما الذي يقوله السيد شيرما عنا؟
صبي الجزار: لا شيء.
روزا: ولم يسأل عن شيء؟
صبي الجزار: فقط سأل هل الفتاة الصغيرة لا زالت تبكي؟
روزا: وماذا كان جوابك؟
صبي الجزار: قلت أنكِ تتحدثين معها.
روزا: وعن ماذا تحدثت؟
صبي الجزار (وجهه يحمر في انزعاج شديد): يوم وفاتك، هذا ما قلتيه.
روزا (مبتسمة): هكذا؟ وهل قلت ذلك أيضًا؟
صبي الجزار: نعم، لقد سأل السيد شيرما.
روزا: والفتاة الأخرى؟
صبي الجزار: انزعجت من إحضاري العشاء...
روزا: وماذا كان رد السيد شيرما بخصوص ذلك الأمر؟
صبي الجزار: لقد انزعج لأنه لم يرسله لها.
روزا (مبتسمة): يمكنك الرحيل. (تقولها وتعطيه نقودًا)
صبي الجزار : شكرًا (يرحل) – (صمت).
روزا:هل رأيتِ؟
فيلما: رأيت ماذا؟
روزا: ألا ترين أي شيء؟
فيلما: لا.
روزا: ماذا فعلتِ؟
فيلما : فكرت.
روزا (بشكل هستيري): من المؤسف أنكِ لم تنتبهي إلى أن شيرما يعتمد عليكِ، اعتمدي عليه أنتِ أيضًا، فسوف أقتل نفسي. (تنفجر في موجة من البكاء الشديد).
فيلما (بهدوء): إن اعتماده علي هو من باب العبث، فأنا أعلم ماذا أصنع.
روزا: ماذا؟
فيلما: سوف أذهب إليه وأسأله.
روزا: عم ستسأليه؟
فيلما: عما يريد مني.
روزا (ضاحكة): إن مت أنا، أليس كذلك؟
فيلما (منزعجة بعض الشيء لكنها حاسمة ومحددة): لا... ما الذي سيحدث لي؟
روزا: وماذا عني؟
فيلما (بصوت خافت): وأنتِ أيضًا...
روزا (بقهقهة): أو أنه لن يحدث لي شيء؟ ...لأموت فحسب؟ ... أليس كذلك، يافيلما...
فيلما (بشكل صارم ومحدد): لست أدري ياروزا.
روزا (مهددة): أنا سوف أكون هناك، عندما ستتحدثين معه...
فيلما (بشكل أكثر هدوء): حسنًا تعالي أنتِ أيضًا...
صبي الجزار (يعود ويضع النقود على المنضدة): السيد شيرما أرسلني برسالة إليكما، ويقول لكما لا تسألاني مجددًا عن شيء، وهاهي النقود التي دفعتماها.
روزا (بقهقهة): أنا أيضًا أريد إرسال رسالة للسيد شيرما: أقول له فيها لا تكن غبيًا، واذهب إلى مطعم روجافا، ستجد السيد هوبر يجلس هناك مع فتاة، أبلغه أن يأتي إلى المنزل فنحن نريد التحدث معه. (صبي الجزار يريد أن يذهب، لكنه ينتظر)
صبي الجزار (يأخذ النقود وينصرف): أجل.
روزا (بحزم): عرفتِ ماذا سوف تقولين له؟
فيلما: سوف أقول له: ماذا سوف يحدث معي.
روزا: وإن لم يرد؟ هل سوف تضحكين؟ لا تقولي شيئا.
فيلما (بأعين وامضة): ماذا إذن..
روزا (مترقبة) إذن؟
فيلما: إذن أنا أعلم جيدًا ما أصنع.
روزا (تقف وعيناها تومض شرارا): هذا ما سوف تقولينه!
فيلما (تكرر): أعلم جيدًا ما أصنع.
روزا: وماذا تريدين أن تفعلي؟
فيلما: إلى الآن لا أعلم.
روزا (أحضرت مسدسًا من الدولاب): انظري أنا أحتفظ بهذا المسدس منذ وقت طويل، سوف نضعه هنا على المنضدة ونتحدث معه بهذه الطريقة.
فيلما (خائفة): لا تفعلي يا روزا.
روزا: وما الذي يخيفك منه؟ (صوت ضوضاء في الخارج)
فيلما: اتركيه سريعًا يا روزا، فإن أحدهم قادم.
يأتي صوت من الخارج (بصوت عالى): مساء الخير!
روزا (تخفي المسدس أسفل المنضدة وتفتح الباب): من هذا؟
سيكاي فرنتس: مساء الخير، هل هذه شقة السيد هوبر؟
فيلما (شاحبة الوجه بدرجة كبيرة)
روزا: نعم أيها السيد المحترم.
سيكاى (ينظر حوله): متى سوف يأتي السيد هوبر؟ (صمت) هناك شيئًا في غاية الأهمية يجب أن يكتبه على الآلة الكاتبة، السيد رئيس الدير هو الذي طلب ذلك.
روزا (بفرحة عارمة): تفضل بالجلوس، سوف يأتي إلى المنزل خلال لحظات. (صمت – تبتسم بألم) الآن يمكننا الاعتراف، أليس كذلك يا فيلما؟ حل لنا هذه المشكلة أيها السيد المحترم. (تتنهد بعمق)
سيكاي (يجلس)، ثم ما يلبث أن يقول بدهشة: من هذه التي أراها بعيني؟ ألست أنتِ فيلما؟
فيلما (بصوت مبحوح بعد أن هرب دمها): نعم أنا أيها السيد المحترم.
سيكاى: وما الذي تفعلينه هنا يا تلميذتي الصغيرة؟
فيلما (بوجه شاحب): أنا هنا بمنزل صديقتى. تقولها ثم تنفجر باكية.
سيكاى: لماذا تبكين ؟ (في انزعاج شديد، ثم يقف من مكانه): إنه لأمر غريب! (يهز رأسه): لماذا تبكين يا فيلما؟
يعود صبي الجزار بلتر من الخمر الأبيض ويضعه على المائدة: اشكروا الرب.
سيكاى: أنت إشتفان شيبوش ؟ لماذا تتواجد هنا؟ لماذا لم تحضر حصة العقيدة الدينية؟
صبي الجزار: تَمزَّقَ سروالي أيها السيد المحترم.
سيكاي (ينظر إلى الخمر): وما الذي أحضرته؟
صبي الجزار: السيد هوبر أرسل الخمر، ويقول لكم اشربوا منه أنتم أيضًا، وإن غلب عليه النعاس سيأتي إلى المنزل.
روزا (وقد احمر وجهها خجلا وضحكت بطريقة خبيثة): تبًا لك! اذهب إليه مرة أخرى وقل له إن السيد سيكاي المحترم يبحث عنه...
سيكاي (يفرك جبينه، ببرود ودهشة): هذا أمر غريب، سأترك له المخطوطات هنا. (يكتب عليها شيئًا ويضعها على المنضدة).
فيلما (تضع يديها على قلبها وقد شحب وجهها).
سيكاى (ينطلق): أخبروا هوبر أنني أبحث عنه. (يخرج ويكرر ما قاله). تعال يا بيشتا شيبوش... أين السيد هوبر!
صبي الجزار: إنه بالأسفل. (يخرجان)
تقف فيلما شاحبة الوجه ترتجف.
روزا: هذا ما قاله (تمشى جيئةً وذهابًا) لماذا تقفي هناك؟
فيلما (بصوت مبحوح): يا للعار!
روزا (مبتسمة): ماذا بعد! ماذا بعد، أيتها الصغيرة فيلما!
فيلما: يرسل إلي نبيذًا... ( وهي تصيح وتبكي): هكذا يتعامل معي...
روزا (مستمتعة بيأس وخبية أمل فيلما، وسقوطها في طاحونة الشك): أليس كذلك؟
فيلما: كان سيكاى هذا دائمًا طيبًا معي... طيبًا للغاية.
روزا (بسخرية): كنتِ تحبيه، أليس كذلك؟
فيلما (متطلعة بعينيها صوب السماء ومتحدثة لنفسها): كان طيبًا للغاية ويعاملني كأبنائه، وهو من دفن أخي الصغير...
روزا: أحببتيه؟
فيلما (مواصلة حديثها): وذاك البائس (تتنهد وتقطع منديل الطاولة شيئًا فشيئًا)... فليتوقف هذا البائس عما يفعل.
روزا (مستمتعة بمعاناة فيلما): ماذا ستقولين له الآن؟
فيلما (تكمل): من كان طيبا معي... هكذا يجب أن يراني ... يا للعار!
روزا (بعد أن نفذ صبرها): وماذا بعد يا فيلما!
فيلما: هذا ليس إنسان، إنه شخص سيء.
روزا (تنظر لها): إما أن تفعلي هذا الآن، أو لا تفعلي أبدًا، يا فيلما.
فيلما (تصيح): من أحببته وكأني لم أحب سواه...
روزا (تخرج وتغلق الباب وتظهر وهي تسحب المفتاح): لسنا بالمنزل... (تلهث): هناك بالخارج من يقوم بهز الباب ورن الجرس (أعطت المسدس لفيلما): عندما يتجه إلى المنضدة قومي بإطلاق الطلقات الخمس جميعها عليه. (تقولها ثم تختبيء وراء ستارة النافذة الثانية).
هوبر (يدخل ويخطو خطوات هادئة ناظرًا حوله – صمت – بصوت خافت): لقد خرجوا (قام برفع زجاجة الخمر ورأى أنه لم يمسها أحد، ثم اتجه ناحية الدولاب وأخذ منه شيئًا ما، قام بالتصفير بصوت مرتفع ثم نظر حوله، ومن جديد.. وبخطوات بطيئة خرج)
روزا (تخرج من المخبأ وتجذب فيلما من شعرها إلى الأمام): فيلما! لا ؟ حسنًا هذا بلا جدوى؟
فيلما (بذهول): روزا اتركينى... لا أتحمل... لا أتحمل... أنا آسفة! (من جديد يسمع صوت الباب يفتح ووقع خطوات تقترب)
روزا (تخبيء فيلما وراء الستارة مجددًا وتختفي هي الأخرى)
هوبر فيلموش (يدخل بخطوات ثابتة وهو يصفر، يتجه إلى المنضدة ثم يأخذ المخطوطة ويخرج)
روزا (تصيح من المخبأ): فيلما! (في هذه اللحظة يُسمع صوت إطلاق نار)
هوبر: (يتوقف وكأنه ضرب على رأسه ويترنح)
روزا: (تخرج وتنظر حولها غير مستوعبة ما يحدث)
هوبر (شاحب الوجه): ماذا حدث؟
روزا (تنظر وراء الستارة): فيلما! انتهى أمرها! إنها النهاية!
هوبر (فهم الوضع وعلى الفور اعتدل في وقفته محملقًا في روزا التي كانت تقف أمامه).
روزا (وقفت متجمدة وأخذت تفكر): إنها الضحية الثالثة!
هوبر (ركض نحو كرسي وبشفقة كبيرة قال): مسكينة!
شيرما (دافعًا الباب): ما الذي يحدث هنا؟
روزا (تنظر إليه): قتلت فيلما نفسها!
شيرما: هذا رهيب! كل المصائب تحدث داخل منزلي! يا إلهي!
يُسدل الستار
(النهاية)