القاهرة 14 يوليو 2020 الساعة 10:10 ص
قصة: حسين عبد البصير
حين يحين المساء تحب ميريت أن تجلس في شرفة جناحها الخاص التي تطل على الحديقة. في الليل تستمتع بمنظر السكينة والهدوء الذي يغلف الحديقة والروح معًا في جوف الليل عبر الأفق الممتد على مدى الشوف. تأنس نفسها بأن تستمع لنوبات سريان المياه في جداول الماء في الحديقة، وتراقب فيما تراقب حركات المخلوقات في الحديقة من طيور وغيرها، وتسعد خصوصًا بهمهمات الطيور في أعشاشها، وتطرب روحها بنسمات الهواء المنعشة التي تأتي محمَّلة بالروائح العطرية للزهور والورود. تُجلس الكلب توتو بجوار قدميها، فيتمسح في ساقيها. بين الحين والآخر تداعب رأس توتو وتمسح على شعره.
دخل إليها أخوها القائد نخت وقال لها دون مقدمات:
-كيف حالك يا ميريت؟
فردت عليه متعجبة من سؤاله؛ لأنه لا يدخل إلى جناحها كثيرًا:
-بخير، حمدًا للآلهة.
فقال لها بلطف:
-أود أن أتحدث إليك في موضوع مهم.
فقالت له والخوف يملأ صدرها:
-خير؟
فقال لها سعيدًا:
- هناك شخص ما تقدم لطلب يدك مني.
فقالت له معترضة:
- لكنني لا أفكر في الزواج حاليًا.
فقال لها:
- لكنكِ رفضتِ قبل أن تعلمِي من هو سعيد الحظ.
فقالت له متسائلة في سخرية:
- أنت مصر على زواجي والخلاص مني بأي شكل؟!
فقال لها حانقًا:
- أريد أن أطمئن عليك.
فقالت له في يأس ومرارة:
- تريد أن تخلص مني!!
فقال معترضًا:
- بالعكس أسعى لمصلحتك.
فسألته ساخرة:
- ومن هو سعيد الحظ؟
فقال لها بكل فخر:
- القائد تتي، قائد جيش مولاي الملك ميخو.
فقالت له محتدة:
- تتي العجوز!!
فقال لها:
- قائدي، ورجل وحيد، يريد من يؤنس وحدته، وسوف تكونين أنت سيدة قصر قائد الجيش الملكي.
- لكنني لا أحبه، ولا أريد أن أتزوجه أو أن أتزوج غيره حاليًا، ثم إنه كبير السن جدًا.
فقال لها نخت:
- لكنه شخص مهم، ويحبك بجنون منذ أن وقعت عيناه عليك في إحدى حفلات القصر الملكي، ومنذ ذلك الحين يحدثني كثيرًا عن رغبته في الزواج منك، وأنا أؤجل الأمر حتى فاتحني بشكل صريح وهددني بعزلي من منصبي إن لم يتزوجك. وهذا مستقبلي، ولابد أن تساعدي أخيك كي أحافظ على منصبي وأن أصل إلى أعلى المناصب في البلاد.
- أنت نائبه ولا يوجد هناك من هو أكفأ منك، ولا يوجد منصب أفضل من ذلك، إلا إذا كنت تريد أن تأخذ منصبه.
- هددني بعزلني من جيشي مولاي، وتعيين القائد نفرو بدلاً، إن لم يتزوجك.
فقالت له بإصرار:
- أرفض هذه الصفقة الحقيرة مع ذلك القائد العجوز.
فقال لها بشكل قاطع:
- سوف تتزوجيه ورجلك فوق رقبتك.
غادر نخت الحجرة غاضبًا. حزنت ميريت من موقف أخيها نخت الذي تعتبره حاقدًا بشكل كبير عليها لاستمتاعها بوقتها، وأنانيًا جدًا يريد كل شيء لنفسه، وطماعًا لأقصى درجة ويحب أن يمتلك كل شئ بين يديه. ولا يحب أخته، ويريد أن ينتقم منها؛ لأن زوّجته من إحدى صديقاتها الجميلات نيت، غير أن نخت يرى نيت امرأة عبيطة وشديدة البلاهة، والتي لم ولا يكن يحبها قط. هو الرجل القوي والثاني في جيش مولاه، والذي سوف يصير قائدًا لجيش مولاه والرجل الأول في الجيش، يتزوج من تلك المرأة الجميلة المعتوهة! ويريد أن يتقرب إلى قائده تتي، قائد الجيش الملكي، على حساب أخته حتى يوصي عليه بأن يتولى الجيش من بعده. لم تكن ميريت تعلم ماذا تفعل. فمن حزنها ويأسها، أخذت كلبها توتو في حضنها ونامت والدموع تملأ عينيها.
في الصباح الباكر، جاءت إليها زوجة أخيها الطيبة نيت وحاولت أن تقنعها بالزواج من القائد تتي كما أوصاها زوجها نخت بأن تفعل معها كصديقة مخلصة لها. فقالت لها نيت:
- لقد هددني أخوك نخت بأن يطلقني، إن لم أنجح في اقناعك بالزواج من قائده تتي.
فقالت لها ميريت:
- هذه مشكلتك معه، وليست مشكلتي، وأنت تعرفين أكثر من كما هو نذل، ولا يفكر إلا في ذاته فقط.
فقالت لها نيت:
- الأمر متروك لك، وافعلي ما تحبينه.
غادرت نيت جناح ميريت، ولم تكن تعرف ماذا تقول لزوجها نخت، غير أنها كانت تعرف أن ميريت تضحي دومًا من أجل إسعاد الجميع؛ فكان هناك بصيص ضيئل من الأمل يحدوها، ولن تفقد الأمل بعد في بزوغ ضوء ما صغير في نهاية النفق. ولما فشلت في الهروب من محاولات نخت وزوجته نيت المتكررة لاقناعها بالزواج من القائد تتي، وافقت على مضض، في النهاية، حتى تتخلص من الحياة مع أخيها، ومن المرار الذي تعاني منه في قصره الخانق، وحتى تعيش كما تحب، وكي تحصل على حريتها في قصر زوجها القادم، ذلك القائد العجوز، حياة مثل أية حياة، فلا شئ يهم.
بمجرد موافقة ميريت على الزواج من القائد تتي، نشط نخت للإعداد للفرح السعيد على أعلى مستوى بما يليق بزواج حكام البلاد وعلية القوم. وحضر حفل الزفاف الملك ميخو وزوجته الملكة سخمت وابنهما ولي العهد الأمير جمني. وتم زفاف العروس الجميلة ميريت في أبهى حلة إلى القائد العسكري العجوز الذي يعيش وحيدًا في قصره المنيف في العاصمة منف. دخلت ميريت إلى حجرة النوم بعد أن تخلصت من ملابس زفافها، وارتدت ملابس نومها. كانت في غاية الجمال والإثارة والرقة. تقرب منها القائد العجوز تتي، وحاول ممارسة الحب معها. اعتلى زوجته الجميلة التي كانت في قمة الاستكانة والاستجابة له، غير أن سنه المتقدم وقواه التي خارت أمام أنوثتها الطاغية وضعفه البالغ، كل هذه الأمور جعلته يفشل في فض بكارتها، ومات فوق صدرها بعد أن حاول إسعادها في ليلة زفافها إليه، وأن يروى أرضها العطشى للحب.
ترملت الجميلة ميريت في ليلة زفافها. وصارت سيدة قصر القائد الراحل الوحيدة. وورثت ثروته الكبيرة. وبعد انتهاء مراسم الجنازة وفترة الحداد، صار الطريق مفتوحًا لنخت كي يصير قائد جيش مولاه، فقام الملك ميخو بترقية أخيها القائد نخت لمنصب القائد العام للجيش الملكي خلفًا القائد الراحل تتي. وهكذا صار أخوها نخت قائد جيش الملك، كما خطط وأراد على حساب أخته الجميلة ميريت. وأثر ذلك الزواج الفاشل خصوصًا ليلة الدخلة المحبطة والتي لم تروِ فيها نفسها بالحب، وسعدت بالتخلص من تتي العجوز، غير أن التجربة في حد ذاتها تركت آثارًا غير طيبة نفسية الجميلة العذراء ميريت. فكرهت الزواج. ورفضت أي عرض بالزواج جاء لها بعد ذلك لفترة من الزمن. وكرهت الرجال، خصوصًا كبار السن، لفترة طويلة بعد ذلك.
ولما علم مرو بأمر زواجها من القائد تتي، حزن حزنًا شديدًا واعتكف في بيته لا يخرج ولا يكلم أحدًا ولا يلتقي مع أي أحد. ولما علم بع ذلك بقصة وفاة زوجها ليلة الزفاف وما حدث لميريت، حزن لها وأشفق عليها، ثم عادت إليه روحه، وابتسمت له الدنيا، لما عرف أن عادت للعيش مع أخيها نخت بعد أن أجبرها على ذلك حتى لا تعيش بمفردها وهي أرملة جميلة ووحيدة. فوافقت على مضض للعيش معه في قصره.
وعاد مرو لمراقبة ميريت في جولتيها الصباحية والمسائية مع كلبها المخلص توتو. غير أن صارت أكثر قوة ومقاومة في وجه أخيها نخت بعد ما حدث لها من زواج فاشل بسبب إجبارها لها على هذه الزيجة التي لم ترغب فيها. وانشغل نخت عنها وسمح لها بحرية أكبر مما كانت عليها في بيته قبل زواجها.