القاهرة 09 يوليو 2020 الساعة 01:08 م
بقلم: زينب محمد عبد الرحيم - باحثة في الفولكلور والثقافة الشعبية
‘‘يا مطرزه الثوب... ثوبين
يا جايبه حرير ... المدينة
يا عاملة على جِبة... الثوب
جمل سنجنج وراكب... هّجينه
يا رب جّويني... على رفّي الثوب
وألبسه وأكون ... به فرحانه‘‘
"نص شعبي للفتيات البدويات وهنَّ يطرزنَّ الثوب"
تقديم/ مكانة سيناء التاريخية:
تتمتع سيناء –أرض الفيروز- بمكانة عظيمة الأثر على مر التاريخ بالإضافة إلى مكانتها التاريخية تُحيط سيناء هالة من التقديس الدينية منذُ المصري القديم فقد كانت مقرً للإلهة "حتحور" ربة الفيروز بمنطقة سرابيط الخادم؛ويجتمع على أرض سيناء الأديان السماوية (اليهودية ، المسيحية، الإسلام) ولها مكانة من العّظمة والإجلال جعلتها أرضا مُباركة من الناحية الروحية و أرض مليئة بالكنوز من الناحية المادية وتاريخًا موغلة في القدم؛ منذ الحضارة المصرية القديمة حيث كان الملوك يرسلون البعثات إلى منطقة المغارة جنوبي سيناء وأول من سجل اسمه هناك هو الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة من الدولة القديمة، وترك لنا نقوشًا على الصخور للملك وهو يقبض بيده على أحد البدو، ويهم بضربه وتأديبه مما يثبت ما كانت تتعرض له تلك البعثات الملكية من اعتداءات؛ وتتوالى الملوك على سيناء سنفرو،وخوفو، وساحورع من ملوك الدولة القديمة. وقد خّلدوا أسماءهم وأخبار تلك البعثات على مقربة من فتحات المناجم بحثًا عن الفيروز.
وقد اكتشفَ عالم الآثار الشهير (بتري) عام 1905 في منطقة سرابيط الخام في معبد الإلهة حتحور نقوشًا كتبها بعض العمال بأبجدية جديدة تُعرف الآن بالأبجدية السينائية والتي يظن الكثير من الباحثين أنها أحد مصادر الأبجدية الفينيقية التي كانت بدورها أصل الأبجدية اليونانية والرومانية والجذر المُكون للغات الأوروبية؛ ولذلك أصبحت تلك النقوش السينائية موضع دراسة حتى الآن وذلك منذ أن تمكن (أولبرت) عام 1948 من تقديم بعض الإسهامات المقبولة أكاديميًا لحل رموز تلك اللغة.
وبعد أن تعرضت مصر للغزو، وذلك لأول مرة على يد الهكسوس من ناحية الشرق أي عن طريق سيناء ؛ من هنا أدرك المصريون بعد طرد الهكسوس أنْ الحدود الشرقية للبلاد هي الطريق الذي أتى منه الأعداء ولهذا حصنوه تحصينًا كاملًا ووصلت الجيوش المصرية إلى حدود الفرات، فكان يُطلق عليه الطريق الحربي الكبير الذي كان يبدأ من حصن ثارو (القنطرة) متجهًا شمالًا مارًا بالعريش والشيخ زويد ورفح حتى غزة. وهذا يُعد أقدم طريق في العالم والأكثر شهرة في التاريخ لما شهدهُ من سير الجيوش التي خرجت من مصر متحهة نحو الشرق أو تتعرض كذلك للغزو من الجهة ذاتها وذلك على مر التاريخ حتى عصرنا الحديث.
وفيما يتعلق بالحُقبة المسيحية نجد على أرض سيناء أشهر وأقدم الأديرة المسيحية في العالم، ومازال يزخر بالكنوز والأيقونات التي لا مثيل لها والمخطوطات القديمة. ويقول الدكتور (ويسمان) أستاذ الفنون البيزنطية الأمريكي: ‘‘أن مجموعة الأيقونات بسانت كاترين وحدها أهم من جميع ما يوجد من أيقونات في مختلف كنائس وأديار العالم كله كما يحتوي هذا الدير على عدة آلاف من المخطوطات أكثرها باللغة اليونانية وكان من بينها أقدم نسخة للكتاب المقدس في العالم‘‘.
والجدير بالذكر أن سكان سيناء يُعدون من القبائل البدوية العربية ويعتنقون في الأغلب الأعم الإسلام وهم متصلون أتصالًا وثيقًا بقبائل الحجاز والأردن وفلسطين ولكل منهم عاداته وتقاليده وأزياؤه التقليدية الخاصة الجديرة بالتوثيق والتحليل والدراسة.
وهُنا في هذا المقال سنُركز بشكلٍ خاص على الجانب الفولكلوري وتراث الفنون الشعبية المتعلق بالجانب الحرفي التقليدي لدى النساء البدويات في شمال سيناء ومما لا يدع مجالًا للشك أن التاريخ العريق لسيناء بالإضافة إلى الطبيعة يؤثران بشكلٍ رئيسي على الزي في عموميته سواء كان للرجل أو للمرأة أو للأطفال؛ فقد أثرت الطبيعة الصحراوية وحياة البداوة على الفن و الإبداع التقليدي وزينة المرأة البدوية وانعكس ذلك على الوحدات الزخرفية وكذلك الألوان الساطعة التي جعلت المرأة البدوية تُشكل المادة تشكيلًا يتناسب مع وجودها في الصحراء وواقعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي داخل المجتمع البدوي.
منطقة شمال سيناء والمجتمع القبلي:
يقطن في شمال سيناء العديد من القبائل البدوية والتي تمتد من الشمال إلى وسط سيناء وتتمثل تلك القبائل في: قبيلة الريشات –الرميلات– السواركة –الأخاريسة– البياضة– الملاعبة الدواغرة– العيايدة– الحويطات – العزازمة.
ويمكننا القول أن التراث الثقافي البدوي المادي التقليدي يرتكن إلى الحرف اليدوية والصناعات التقليدية البدوية والتي توضح مدى التعايُش مع البيئة الصحراوية، وتلك الحرف هي ما تُميز الجانب الفني والإبداعي المرتبط بمنظومة العادات والتقاليد الخاصة بالمرأة البدوية، حيث إنَّ الثوب البدوي بجانب الحُلي التقليدي والأحجار وأعمال الخرز والتطريز من أبرز ما تقوم به المرأة يدويًا داخل المجتمع البدوي والذي يُبرز مدى الحفاظ على الموروث الثقافي المتوارث من الجدات إلى الحفيدات متمثلًا في الثوب البدوي بألوانه وتصميماته ووحداته الزخرفية والجمالية والذي يُعزز موهبة المرأة البدوية في هذا الفن و الإبداع التشكيلي الذي يُعد رمزًا للثقافة البدوية.
الثوب البدوي ليس مجرد رداء ترتدية المرأة البدوية في شمال سيناء، بل هو يُعتبر إشارة للهوية الخاصة بكل قبيلة إلى جانب تحديد المستوى الطبقي الاقتصادي، وكذلك الوضع الاجتماعي للمرأة الذي يفرضه العُرف والتقاليد، فالمرأة البدوية تتفنن في حياكة وتصميم ثوبها والاعتماد على الأشكال الشعبية والتي تُعد غاية في الجمال والإتقان؛ ويتكون الثوب البدوي من عدة أجزاء ويشمل التطريز الأكمام وتُسمى (الأرداف) وصدر الثوب (القُبة) والجوانب (البنايج) ووجه الثوب (البدن الأمامي) وظهر الثوب (البدن الخلفي).
ويمر الثوب من حيث الصناعة بعدة مراحل أساسية:
أولًا: شغل الوحدات التطريزية على القماش الخام السادة وغالبًا يكون أسود اللون وتحديد أماكن الغرز وتُعرف باسم (البت) وتتميز الوحدات التطريزية بضيق المسافات وكثافة الغرز، وتستخدم المرأة البدوية نوعين من الخيوط؛ الخيط الحريري الرفيع اللامع والثاني خيوط تستخلصها المرأة من القماش نفسه وهي عملية تحتاج إلى دقة ومهارة عالية وتُعرف باسم (الجنزير).
ثانيًا: وهي مرحلة تحديد الرسومات وعمل الأشكال باستخدام (الماركة) وهو مربع وهمي متخيل يستخدم في التطريز الحر.
ثالثًا: تحضير القماش الأسود وتطبيقه إلى قطعتين ومن ثم تقص -السيدة البدوية- الجزء الأمامي والخلفي، ثم الجوانب التي تأخذ شكل مثلث لإعطاء ذيل الثوب والاتساع اللازم حتى لا يعوق حركتها عند السير، ثم تقوم بعمل فتحة الصدر وتكون مربعة الشكل، ثم الأكمام وهناك كُمْ طويل ضيق يطلق عليه (فم الجربه) ونوع آخر من الأكمام وهو الكُمْ ذو الفتحة الصغيرة وطوله ثلث الذراع.
أمَّا عن نوعية الغُرز فهي ثابتة ومتفق عليها وعلى تسميتها عند جميع القبائل واسمها العام (غرزة الصليب) وهناك غرز صغيرة للكم تسمى (التروعة).
وغرز لذيل الثوب تسمى (الكفايف)/ (الكفافة): وهي التي يطرز بها فتحة الصدر ونهاية الأكمام والذيل، وهي عبارة عن خيوط متجاورة بشكلٍ مائل ووظيفتها تثبيت خيوط النسيج في الأماكن المطرزة وفي العادة يُبرم القماش ثم يتم تطريزه بغرزة الكفافة.
الموتيفات الشعبية والزخرفية الأساسية للثوب البدوي:
المثلث المعروف باسم الحجاب يُعتبر من أهم الأشكال الأساسية في الثوب السيناوي؛ لأنه يرتبط اعتقاديًا بالحماية من الحسد لمن ترتدي ذلك الثوب
وهناك زخارف حيوانية مثل :
غزال بري
عرق فنجان
هدهد
عصفور
- رقصة الديحة
وحدات نباتبة مثل أوراق الشجر والأزهار وتسمى هذه الوحدات بالعروق وهي مستوحاه من البيئة المحيطة مثل: عروق الجرجير،شجرة الجميزة، عرق شجر، عرق توت عرق قرنفل، عرق السحلية، عرق الثعبان، عرق ريش.
ومن العروق نوع يسمى الأجنحة وهي عبارة عن شكل هندسي رُباعي (مُعينات) متماسكة بالرؤوس أو مثلثات قواعدها على خط مستقيم.
ومن الوحدات التقليدية أيضًا؛ عرايس و أجنحة بلاط، ترمس، سرو، جنينة مانجو، جنينة ورد، أمشاط، كعب القطة، الساعة.
ثوب بردان/ المردن: ويستخدم في قبيلة السواركة والرياشات ويسمى الثوب أبو طراطيح في قبيلة الترابين والرميلات.
ويتميز الثوب السينائي بأن: فتحة الصدر (القبة) مربعة الشكل.
تضاف بنايق من كلا الجانبين لتوسيع الذيل ويطلق علية (ثوب بدوي).
الخيوط المستخدمة ذات ألوان صريحة من القطيفة و بكر الخنزير .
أنواع الثوب البدوي:
ثوب العروس يحتل هذا الثوب مكانة كبيرة من بين الأثواب البدوية للمرأة في سيناء فهذا الثوب المخصص للزفاف، تُبدع فيه الفتاة منذ صغرها لكي ترتديه في زفافها ويغلب عليه اللون الأحمر ويطلق عليه ( ثوب وجافي). بسبب كثرة وثقل الغرز وتتعلم الفتاة منذ سن ست أو سبعة سنوات كيفية تطريزه وعادة ما تأخذه الفتاة أثناء رعيها للغنم لتطريزه في الخلاء ويشاركها في ذلك عدد من فتيات نفس القبيلة وتنشد الفتاة قائلة :
يوم الهنا يالله.. أسعده من يوم
على اليوم من زمان... بدوره على هاليوم
خفى جدامكم وتعالى... يا بيضه يا أشجرانيه
أبو جبين جمر (قمر) ... عشرين
تخشى المدن على... ضيه.
وهناك عدة أنواع للثوب البدوي يعتمد على الحالة الاجتماعية للمرأة:
ثوب الفتاة: ويكون اللون السائد للتطريز هو الأزرق.
ثوب المتزوجة حديثًا: ويسمى الثوب الأشهب وهو ثوب الزفاف وتضيف له بعض الخيوط الزاهية مُعلنة عن زواجها وتظل ترتديه إلى أن تنجب وتصبح أمًا وبعدها تستبدله وترتدي الثوب الأحمر.
ثوب المرأة المُسنة : تكتفي بتطريز صدر الثوب والأكمام أربع سيوف وتغلب عليه الألوان القاتمة مثل النبيتي والأخضر والأزرق مع كفايف على حافة الثوب.
ثوب الأرملة: يتشابة مع ألوان ثوب الفتاة حيث يغلب على ألوان الخيوط اللون الأزرق فقط وهو رمز للحداد في جميع القبائل البدوية.
مكملات ثوب المرأة البدوية:
غطاء الرأس (الجُنعة – الصمادة) : وهو عبارة عن قطعة قماش سوداء ترتديها المرأة على الرأس ويصل طولها حتى الظهر وعليها بعض التطريز في المنتصف وتسمى (الخوالة) وتحمي رأس المرأة من أشعة الشمس
حزام الوسط: أحيانًا يكون من الصوف والحزام الحالي من القماش القطن وله عدة وظائف منها شد الظهر وتستخدمه بديلًا عن الجيوب ومن العيب أن تخرج المرأة بدون حزام على الخصر .
برقع الوجه: وترتديه المرأة المتزوجة والعجوز ويصنع من قماش (الشرابة) ؛ ويترجم البرقع الوضع الاقتصادي والطبقي للمرأة بما يزين فيه من عملات ذهبية وقطع نقود قديمة، ويوجد أعلى البرقع جزء يربط بقطعة من الصوف تربط على الجبهة.
وعندما يُزيّن البرقع بالذهب يطلق عليه (سرس) وهي أشكال تتدلى بجوار الأذن يزين بها البرقع وهناك بعض السلاسل بها عملات معدنية ويُطلق عليها (المعارى) و (الطاطوح) والعملات التي توضع على البرقع تقسم إلى (الجروش– الثمنة) ويطلق على الجزء السفلي من البرقع لفظ (الشكاك) وعند الأنف توجد (الخنجيرة) وهي قطعة معدنية لتثبيت البرقع.
وقد سعينا في هذا المقال محدود المساحة إلى الإلمام بمفردات أزياء المرأة السيناوية وإظهار مهارتها في التشكيل الإبداعي المادي وأيضًا الشفاهي أثناء صناعة ثوبها رمز الهوية والجمال والإبداع الشعبي للمرأة البدوية وأهم معالم الفنون الشعبية للمجتمع البدوي الخاص بتراث سيناء أرض الفيروز .
المصادر :
1- سناء مبروك ، التراث الثقافي ودور المرأة البدوية في مجال الحرف التقليدية ، واعتمدت كاتبة هذا البحث على المادة الإثنوجرافية التي جمعتها ميدانيًا في المجتمعات الصحراوية بشمال سيناء، تحت إشراف : أ.د. أحمد أبو زيد.
2- توثيق فن التطريز التقليدي في شمال سيناء ، المجلس القومي للمرأة ، منظمة اليونسكو ، جمع المادة :ملك ياسين ، الطبعة الأولى 2010.
3- مجلة الفنون الشعبية ، العدد الخامس فبراير 1968.