القاهرة 09 يوليو 2020 الساعة 12:25 م
بقلم: علي سرحان
لقد فطنت مصر القديمة بدور المعرفة في تنشئة الأبناء منذ الصغر، وقد لا يكون من قُبيل المبالغة أن يُنزل المصريون القدماء العلم والمتعلمين منزلة لا تساويها منزلة، فقد كانت أرفع المنازل في مصر القديمة لا يتولاها إلا المتعلمون، لذلك اهتم الآباء بالتربية العقلية لأبنائهم منذ السنوات الأولي لهم ، وهو ما تؤكده الحكمة عنوان المقال.
مصادر التربية والتعليم الرئيسية:
نصائح الشيوخ والحكماء وتعاليمهم، ومنها في عصر الدولة القديمة على سبيل المثال تعاليم "بتاح حتب" و "كاجمني" وفي الدولة الوسطي ظهرت تعاليم "غتي بن دواوف " لابنه "بيي" يبَن فيها الرجل لابنه قيم العلم وضروره طلبه أثناء ركوبه النهر معه مصعدا إلي العاصمة لُيدخله المدرسة.
تراجم الأفراد وبخاصة ما يصور أيام الصبا من حياه أصحابها ، والاستدلال منها على معلومات قيمة تتصل بالنظام المدرسي ومراحل الدراسة وحياه التلاميذ.
تمارين مدرسية وكتب منسوخة، وهي تصوير لمناهج الدراسة وموادها وطرق التدريس.
ولقد توفرت للحركة العلمية بمصر القديمة، اختراع الكتابة، التعليم، واكتساب المعارف في الآداب وفي فروع العلم المختلفة .
ها هي حضارة مصر القديمة علينا من جانب آخر ، وربما ظل هذا الجانب يحير علماء تربويين كثيرين إلى وقتنا هذا، تلك القضية التي تحدد مدى تقدم ورقي الأمم أو التصنيف والمكانة التي أحرزتها في سباق الحضارات ألا وهي قضية التعليم، لنرى ما وصلت إليه حضارة مصر القديمة وكيف كانت مدارس الحكومة وما هو نوع الورق والحبر المستخدمين، وكذلك مراحل تطور الكتابة وما هي أشكال الكتابة المصرية القديمة.
التعليم في عصر الدولة الحديثة:
وقد وصلت إلينا كراسات من عهد الدولة الحديثة وفيها إصلاح المدرسين لأخطاء التلاميذ يزين هوامشها؛ وهذه الأخطاء تبلغ من الكثرة حداً يجد فيه تلميذ اليوم كثيراً من السلوى. وكان الإملاء ونقل النصوص أهم طرق التعليم، وكانت هذه الدروس تكتب على الشقف أو على رقائق من الحجر الجيري وكان أكثر ما يعلم هو الموضوعات التجارية، وذلك لأن المصريين كانوا أول الأقوام النفعيين، وأعظمهم استمساكاً بالنظرية النفعية؛ وكانت الفضيلة أهم الموضوعات التي يكتب فيها المعلمون ، وكانت مشكلة النظام أهم المشاكل التعليمية في تلك الأيام ، كما هي أهم مشاكله في الوقت الحاضر. وقد جاء في إحدى الكراسات: "لا تضع وقتك في التمني، وإلا ساءت عاقبتك. اقرأ بفمك الكتاب الذي بيدك؛ وخذ النصيحة ممن هو أعلم منك". ولعل هذه العبارة الأخيرة من أقدم ما عرف من الحكم في أية لغة من اللغات. وكان النظام صارماً يقوم على أبسط المبادئ. وقد جاءت تلك العبارة المنمقة اللفظ في إحدى المخطوطات: "إن للشباب ظهرا ، وهو يلتفت للدرس إذا ضرب.. لأن أذني الشاب في ظهره" ، وكتب تلميذ إلى مدرس سابق يقول: "لقد ضربت ظهري، فوصل تعليمك إلى أذني". ومما يدل على أن هذا التدريب الحيواني لم يفلح على الدوام ما جاء في إحدى البرديات التي يأسف فيها مدرس؛ لأن تلاميذه السابقين لا يحبون الكتب بقدر ما يحبون الخمر.
لكن عدداً كبيراً من طلبة الهياكل تخرجوا رغم هذا على أيدى الكهنة ودخلوا المدارس العليا الملحقة بمكاتب خزانة الدولة، وفي هذه المدارس، وهي أقدم ما عرف من المدارس التي تعلم نظم الحكم، كان الكتبة يدرسون نظم الإدارة العامة، حتى إذا ما أتموا دراستهم قضوا مدة التمرين عند بعض الموظفين يعلمونهم بكثرة ما يعهدون إليهم من الأعمال. ولعل هذه الطريقة في الحصول على الموظفين العموميين وتدريبهم أفضل من الطريقة التي نتبعها نحن في هذه الأيام طريقة اختيار الموظفين على أساس أقوال الناس فيهم، واستعدادهم للطاعة والخضوع، وما يثار حولهم من دعاو. وعلى هذا النمط أنشأت مصر وبابل في عصر واحد تقريبا أقدم ما عرف من النظم المدرسية في التاريخ. ولم يرق نظام التعليم العام للشبان فيما بعد إلى هذا المستوى الذي بلغه في أيام المصريين الأقدمين إلا في القرن التاسع عشر.
وكان يسمح للطالب في الفرق الراقية أن يستعمل الورق- وهو من أهم السلع في التجارة المصرية ومن أعظم النعم الخالدة التي أنعم بها المصريون على العالم، وكانت طريقة صنعه أن تقطع سوق نبات البردي شرائح وتوضع متقاطعة بعضها فوق بعض ثم تضغط ويصنع منها الورق عماد المدنية، (وأعظمها سخفا) وحسبنا دليلا على حسن صنعه أن ما كتب عليه من المخطوطات منذ خمسة آلاف عام لا يزال حتى الآن باقيا متماسكا سهل القراءة. وكانت الكتب تصنع من الأوراق بضمها إعلى بعض وإلصاق الطرف الأيمن من واحدة بالطرف الأيسر من التي تليها، فتكون منها ملفات ما يبلغ طول الواحد منها أحيانا نحو أربعين ياردة؛ وقلما كانت تزيد على هذا في الطول لأن مصر لم يكن فيها مؤرخون مولعون بالحشو واللغو، وكانوا يصنعون حبرا أسود لا يتلاشى بمزج الصناج و الصمغ النباتي بالماء على لوحة من الخشب.
نستنتج مما سبق أن المصريين القدماء أسهموا في الإرتقاء بمستوي التعليم مثل اختراع ورق البردي من أجل التدريب على الكتابة، والمكتبات العامة.
نظام التعليم في مصر القديمة:
المصريون القدماء حرصوا على الاهتمام بالتعليم فالآباء بمصر القديمة غرسوا في أبنائهم مختلف المبادئ التربوية، وكان أبناء الفلاحين يتلقون تعليماً رسمياً أدنى يقتصر على كيفية زرع البذور وجني الثمار وجمع المحصول، فيما كان الحرفيون يعلمون أطفالهم مبادئ حرفهم وصناعتهم، أما الطبقة العليا، فقد اعتمدت على مدرسين متخصصين في تعليم أبنائها.
وكان أبناء الطبقة المتوسطة يذهبون إلى المعابد لتلقي تعليمهم تحت رعاية معلم بعينه، وشملت المناهج التربية والقراءة والكتابة وحفظ النصوص الأدبية والحكايات، وإعادة كتابة النصوص، وأداء التمارين على ألواح خشبية أو حجرية، واستمر التعليم على نفس النمط إلى عصر خلافة وولاية المسلمين مع اختلاف بسيط في مكان التعلم.
التعليم في مصر القديمة كان ضرورياً للارتقاء في السلم الاجتماعي، وكان هذا واضحاً من الفجوة القائمة في مصر بين المتعلمين والأميين عبر كل العصور التاريخية، وكان الفنانون والنحاتون من المتعلمين، إذ كان عليهم تحويل النصوص المختصرة والمدونة على ورق البردي أو على كسر الفخار إلى كتابة هيروغليفية على جدران المقابر والمعابد ونقشها أيضا على التماثيل، وهو ما يتطلب معرفة ودراية بالكتابتين.