القاهرة 07 يوليو 2020 الساعة 10:09 ص
وما إن بدأت تظهر عليه أمارات الدخول في النوم ، فإذا بجرس الباب برنينه غير المنقطع؛ مما جعله يفيق، واتجه بخطوات وئيدة تحاول التحرر من ثقلها، وكأنه يجر رجليه جراً، والتثاؤب يلاحقه.. الواحدة تلو الأخرى، فيفتح الباب، فإذا برجل أمامه في ثياب رثة:
ــ "من أنت؟ "
وتنفرج من شفتي الرجل ــالضيف- ابتسامة مشبوبة بحزن بالغ
ــ "ألم تعرفني بعد؟"
ويحاول الرجل ــصاحب المنزلــ أن يتذكره، متفحصاً إياه
ــ "أنت؟ ... نعم، نعم.. تذكرتك"
فأزاح له الباب، ليفسح له الطريق بالدخول، وسبقه إلى حيث بعض المقاعد، والرجل الضيف يلحق به، ثم دعاه صاحب المنزل للجلوس ورحب به أيما ترحيب، بعد عناق امتد للحظات طويلة، فشعر من خلالها الضيف بحرارة وعمق اللقاء، وما إن جلس الضيف، وأخذ يلتقط أنفاسه، حتى وقعت عيناه على مقعد أمامه بلون أسود لامع، وعلى التو اعتقد أن ما بأسفله إلا مجرد تمثال بنفس اللون الأسود اللامع، أو كأنه امتداد له، وتعجب كثيراً من وضع هذا التمثال الماثل أسفل المقعد فطبيعي أن يكون له موضع خاص غير هذا الموضع، لكنه لم يستغرق كثيراً في دهشته هذه، ولم يحاول أن يجد تفسيراً لهذا المشهد.
وراح في حديثه مع مضيفه الذي ما فتئ يكرر عبارات الترحيب والسعادة للقياه، بعد انقطاع فترة من الزمن طويلة، حتى أوشك صاحبنا هذا ــ المضيفــ أن يشعرنا بأنه لم يدخر شيئاً من مخزون اشتياقه الشديد لصديقه ، إلا وقد أظهره جلياً، وذلك من فرط الترحاب به.
ووقعت أنظار الرجل الضيف أثناء حوارات مضيفه معه على هذا التمثال مرة أخرى، حتى وجده يتحرك ، فانتفض مذعوراً:
ــ "ما هذا.. إنه يتحرك!!"
ورد عليه مضيفه، محاولا أن يخفف من روعه
ــ "إنه قط أسود، ماذا ظننت به؟ أعتقد أنك ظننت أنه تمثال أسود... هكذا ينخدع به أكثر الضيوف الذين يقدمون إلينا، وينقلب المشهد هكذا إلى مشهد درامي ضاحك".
وراح الرجل ــصاحب المنزلــ منفجراً في ضحك متواصل، وهو يربت على كتف صديقه الضيف، حيث قام الأخير من مكانه بعد انتهاء حلقة الضحك المتواصل، متجهاً نحو القط، ويجلس بجانبه، متحسساً شعره حتى أومأ القط برأسه نحوه، فحمله الضيف بلطف، وتوجهت عينا القط ذات الأنظار الحانية نحوه، وتحدث إليه الضيف بحرارة.
ــ "من أنت؟"
فأجابه مضيفه بدلا من إجابة القط
ــ "إنه قط... ماذا بك يا صديقي؟"
وانفجر مرة أخرى فى ضحك متواصل ومتلاحق، والضيف يرد عليه
ــ "إن هذا القط، اختصر العالم كله في عينيه"
ــ "لا أفهم!!.. ماذا تتناول.. قدح من الشاي أم القهوة؟"
والضيف مازال مستغرقاً النظر في عيني القط
ــ "أي شيء.. أي شيء.. ليتني أتناول فنجاناً من القهوة المضبوطة"
وانصرف المضيف لإحضار القهوة لضيفه، وتحدث الضيف في نفسه
ــ "من أنت أيها القط؟.. أراك إنساناً في هيئة قط.. إنسانا أعرفه منذ زمن بعيد.. إنسانا كنت أحبه.. لابد أنك أنت...."
وهنا دخل الرجل المضيف على التو حاملا صينية القهوة، متمتماً بأغنية كان يحبها صديقه هذا، فصرخ الضيف فى وجهه:
ــ "القط هذا ما هو إلا سرحان أتتذكره؟"
ــ "سرحان.. ماذا بك؟"
ــ "إنه سرحان.. سرحان"
ــ "نعم إنه سرحان... فلتهدأ يا صديقي"
وعاتبه الضيف، كيف لم يخبره أن سرحان تحول إلى قط، وراح يحمل القط مرة أخرى، ويحتضنه حتى كاد أن يعتصره، وثار مرة أخرى..
ــ "لا سرحان لم يكن قطاً يوماً ما... سرحان كان بطلا.. سرحان كان شجاعاً "
ويبادر المضيف بالرد عليه:
ــ "نعم سرحان كان بطلا، وكان شجاعاً، وكان لابد أن تدخل روحه داخل أسد، ولما أننا نعيش هنا في المدينة، وحيث إنها بطبيعة الحال لا يوجد بها أسود، فالأسود يا صديقي لا تعيش إلا في الغابة، هكذا علمتنا كتب القراءة والمطالعة، لذلك اضطرت روح سرحان أن تدخل فى جسد هذا القط".
وضحك المضيف بسخرية:
ــ "لأنها لم تجد أسداً تدخل فيه"
ويعود ليبتسم ابتسامة عريضة، لأنه وجد هذا الرد المقنع
ورد عليه الضيف مستنكراً لحديثه هذا:
ــ "نعم.. الأسود تعيش في الغابة.. ألم نحيا نحن في هذه الغابة؟ أجب يا صديقي، فلقد تعودت منك الصدق، أجب وقل: نعم نحن نحيا في غابة.. والآن علىَّ أن أطرد روح سرحان من هذا القط المتخاذل".
وراح يطبق على عنق القط، والقط يموء ويصرخ، حتى كاد أن يلفظ روحه، وأنقذها المضيف من يده بأعجوبة، وطار القط بسرعة البرق وانتهى الضيف من رصد كلماته الأخيرة.
ـــ "الآن نفذت روح سرحان من القط، إنها تتوغل داخل جسدي"
ثم صرخ بقوة وانتشاء:
ــ "أنا سرحان.. أنا سرحان.. أنا شجاع.. لن أموت مرة أخرى، سأغير معالم هذا العالم، سأضع نقاطه فوق حروفه.. أنا سرحان. أنا سرحان.
وخرج مسرعاً، وجرى وراءه المضيف:
ــ "القهوة... القهوة يا صديقي".