القاهرة 07 يوليو 2020 الساعة 09:46 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير - مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
آمن المصريون القدماء في حياة أخرى بعد الموت، إما نعيم مقيم أو جحيم. وكانوا يعتقدون أنهم سوف يعملون في الآخرة في حقول النعيم، فاخترعوا حلا عبقريًا للقيام بالعمل مكانهم في الجنة، وكانت تماثيل الأوشابتي. فما قصة تماثيل الأوشابتي؟
كانت تماثيل الأوشابتي تأخذ شكل المومياء، وتتقاطع أيديها على الصدر وتمسك بأدوات مختلفة تعبر عن وظيفتها في العالم الآخر. وأقدم ما عُثَر عليه منها إلى الآن يعود لعصر الدولة الوسطى ثم شاعت في عصر الدولة الحديثة وبعدها.
وجاءت تسمية تلك التماثيل باسم "أوشابتي" من فعل "وشب" الهيروغليفي بمعنى "يجيب"؛ لذا نطلق عليها "التماثيل المجيبة". وعُرفت هذه التماثيل أيضًا باسم "الشوابتي" أو "الشابتي" منذ عصر الدولة الحديثة. وصُنعت من مواد عديدة مثل الطين المحروق والخشب والفيانس والذهب والفضة وغيرها، وفي مجموعة الملك توت عنخ آمون من الألباستر.
وكانت مكلفة بتنفيذ رغبات سيدها وإجابة طلباته والقيام بمهامه المنوط بها في العالم الآخر، أي أن الهدف من وضع تلك التماثيل في المقبرة كان في أن تحل محل المتوفى في أعمال لابد أن يقوم بها في العالم الآخر بنفسه في حقول "إيارو" أو جنات النعيم، وبما أن كل كانوا الناس لا يعرفون الزراعة ولا الحرث، فكانت تلك التماثيل تقوم نيابةً عن المتوفى بالأعمال المتعلقة بالزراعة مثل حفر الترع وحرث الأرض الزراعية أو نقل الرمال من ضفة إلى أخرى.
وكان يُكتب على هذه التماثيل جزء من الفصل السادس من كتاب الموتى، ويمثل مناجاة المتوفى للأوشابتي بحيث يكلفه بأداء المهام الموكلة إليه. وفيه يقول: "إذا نُوديت لتؤدي أحد الأعمال الموكلة إليك فلتقل ها أنا ذا، أنا موجود لري الأرض، وزراعة الحقل ونقل الرمال من الشرق إلى الغرب".
وكانت أعداد تلك التماثيل في عصر الدولة الوسطى تمثال أو تمثالين في المقبرة. وأخذت أعداد هذه التماثيل في التزايد حتى بلغ عددها في عصر الدولة الحديثة إلى ثلاثمائة وخمسة وستين، أي بعدد أيام السنة، وكان يقوم كل واحد منها بالخدمة ليوم واحد من أيام السنة بدلاً من المتوفى. وفي فترة لاحقة، أُضيفت إليها ستة وثلاثون تمثالاً تمثِّل مشرفيها، ليبلغ إجمالي عدد التماثيل أربعمائة وواحد بالمشرفين. وكان كل مشرف يتابع عشرة من الأوشابتي العاملين. وكان المشرفون يُصوَّرون بملابس الأحياء كي يتم تمييزهم عن العمال. أما تماثيل العمال، فغالبًا ما كانت تُزوَّد بأدوات أعمالهم مثل السلاسل والحقائب وأدوات الصيد، وكان بعضهم بلا أدوات.
وكانت مجموعات تماثيل الأوشابتي تُحفظ داخل صناديق خشبية لحمايتها. وكانت تلك التماثيل توضع غالبًا في المقبرة في صناديق خشبية منفصلة أو على الأرض حول التابوت أو في أواني الأحشاء قليلاً. وفي عصر الرعامسة كانت توضع في آنية فخارية برأس ابن آوى كرمز للمعبود أنوبيس رب التحنيط، وفى العصور المتأخرة كانت توضع في صندوق زُخرف سطحه بالنقوش والتعاويذ الدينية. وفي مجموعة توت عنخ آمون وصل عدد التماثيل إلى 420 تمثالاً. ووصل عددها إلى 700 تمثالاً في المقبرة الواحدة من مقابر العصر المتأخر.
تلك هي عبقرية المصريين القدماء في إبداع حلول مدهشة لبعض المشكلات التي كانت تواجههم في العالم الآخر. هذه هي مصر التي علمت العالم.