القاهرة 23 يونيو 2020 الساعة 11:32 ص
قراءة: أشرف قاسم
يظل وضع المرأة المبدعة في مجتمعاتنا العربية وضعًا ملتبسًا وإشكاليًا بالمقام الأول، وبالأخص إن كانت تلك المرأة ذات وعيٍ وثقافة ورؤية.
والديوان الذي بين أيدينا "أخرجْ قدميكَ مِن صمتي" ديوان مهم، وتكمن أهميته في وعي صاحبته الشاعرة التونسية هدى القاتي، التي تمضي بخطًى ثابتة في بناء معمار تجربتها الشعرية ذات الملامح الواضحة منذ ديوانها الأول "سأعيش" مرورًا بديوانها الثاني "سقطت رؤوس المارة تحت بطونهم".
ترصد الشاعرة خلال نصوص ديوانها قضايا المرأة العربية بشكل خاص في مجتمعنا المأزوم الذي لا يرى في المرأة سوى جسدها فقط، دون الغوص في أعماقها وقراءة مشاعرها ورؤاها في الحياة.
مكْسُورَة ٌ
كَقَارُورَة عِطْر مُمْتَلِئة بأَحْلام مَائيَّة
تَسَرَّبَت سَرِيعًا رَائحَتها
لِتَسِيل بين فَرَاغَات أَصَابع العُمْر
وَاقِعًا بَارِدًا لا لَوْنَ فِيه
بُمْ.. بُمْ. بم..
لا شَيء يَدْعٌو للذُّعْر
زُجَاجَة التَّجْرٍبة ثَقِيلَة
انْزَلقَت مِنْ يَدِ الأَيّام
تَدَحْرَجْتُ أَنَا مِرَارًا خَارِج الزَّمان
تَشَظَّى قَلْبِي الآن
تتكئ هدى القاتي في نصوصها على وعيٍ وثقافة يشيان باستقلالية وتحرر عقل الأنثى من ثقافة التهميش وربقة الأسْر الذكوري، والحجر على العقول، ومن خلال هذه الثقافة تحاول رسم ملامح مستقبلٍ جديد للمرأة العربية التي عانت طويلا من التسلط الذكوري وقانون القبيلة.
حاولت عندما تحولت قوائم حلمي لجرأة
بين أظافر امرأة
فكانت الأسوار عالية.. عالية
أعْلَى مِنْ فِكْرَة صَادِمَة
وأَضْيَقُ مِنْ مَجْرى مُحَاوَلَة فِي أُنْبُوب قَلم
مُصَفَّدَة حَرَكَتِي بسَلاسل صَدِئَة
كُلَّما تَحَرَّكَت أَصَابعِي نَحْوَكَ
دَوَّنْتُ أَسْري!
ومن هنا نرى أن الكتابة عند هدى القاتي هي إحدى آليات التمرد، وليست مجرد ديكور أو مكياج للظهور، بل هي باب للخروج بالمرأة من أسر المعاناة والتهميش، وتسليط الضوء على عقل المرأة وفكرها وخيالها ورؤاها في الحياة، والسعي إلى رصد كفاح المرأة في شتى مناحي الحياة.
الكتابة إذن عند هدى القاتي فعل وجود، بعيدًا عن الإحساس بالضآلة والدونية والنكران والتجاهل.