القاهرة 18 يونيو 2020 الساعة 10:42 ص
أيام قليلة، ونحتفل بالذكرى السابعة لثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، التى أستطاع خلالها جموع الشعب المصرى أن يقدموا للعالم شهادة وفاة تيار إسلامي إرهابي ولد منذ أوائل عشرينيات القرن الماضى وترعرع بمساندة بعض الأنظمة الديكتاتورية والأجهزة الاستخباراتية المعادية للدولة المصرية طوال هذه العقود، حتى تاريخ ثورة الخلاص التى أعقبت ثورة 25 يناير ضد نظام مبارك.
بالنظر للمسافة الزمنية بين اندلاع الثورات السياسية التى شهدها المجتمع المصري؛ بداية من (الثورة العرابية التي قادها أحمد عرابي في فترة 1879-1882 ضد الخديو توفيق والتدخل الأجنبي في مصر، ثم ثورة 1919 التى هى عبارة عن سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصري الذي كان يترأسه سعد زغلول والتى جاءت بعد الثورة العرابية بسبعة وثلاثين عاما، ثم ثورة 23 يوليو 1952 والتي هى عبارة عن تحرك عسكري قاده ضباط جيش مصريين ضد الحكم الملكي والذى يبعد عن ثورة 1919 بما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاما، ثم ثورة يناير 2011 والتى تفصلنا زمنياً بما يقرب من تسعة وخمسون عاما، وبعدها ثورة الثلاثين من يونيو فى 2013، نجد أن المسافة الزمنية بين كل هذه الثورات التى شهدها المجتمع المصري لم تنطلق ثورة اجتماعية والتى تهدف إلى إعادة تنظيم المجتمع كله وتكون من أسفل إلى أعلى، على عكس الثورات السياسية المحضة أو تلك التي تتركز في حزب الطليعة الذي يقود الثورة، وتعتبر الثورة الإسبانية من أوضح الثورات التي تجلت بها هذا النوع من الثورات.
وقد عرف ألكسندر بيركمان الثورة الاجتماعية بأنها "وسيلة لإعادة تنظيم الحياة الصناعية والاقتصادية للبلد، وبالتالي، إعادة بناء وترتيب المجتمع بأكمله"، ويمكن استخدام مصطلع الثورة الاجتماعية بشكل أعم في الإشارة إلى التغيير الجذري في المجتمع، كما في الثورة الفرنسية، وحركة الحقوق المدنية الأمريكية، والهيبيز وحركات الإصلاح المضادة والهوية الشخصية وحرية التعبير والموسيقى والفنون والأزياء، والتكنولوجيا البديلة وحماية البيئة ووسائل الإعلام المركزي ، وهو ما لم يحدث للأسف فى مصر حتى الآن، وإن كانت دلالة الخطة المستقبلية لمصر" 2020_2030" وما صاحبها من حراك على مستوى المشروعات القومية وبعض المشروعات التى تهتم ببناء الإنسان كان لها بعض الانعكاسات الإيجابية على الشخصية المصرية منذ 2013 حتى يومنا هذا.
ومن إفرزات الثورات الاجتماعية الاتجاه نحو الاستثمار فى الصناعات الثقافية والإبداعية وعدم الاكتفاء فقط بالوقوف عند الصناعات الثقافية بمعناها التقليدي، وهو ما أشرت إليه فى لقاء تليفزيوني مسجل بالتليفزيون المصرى، سيذاع خلال الأيام القليلة المقبلة، تحدثت عن الصناعات الثقافية وهو المفهوم الذى يعود لمدرسة فرانكفورت في ألمانيا في بدايات القرن الماضي؛ مع الفيلسوف الألماني- الأمريكي هربرت ماركيوزه، وكذلك الصناعات الإبداعية وعلاقتهما ببناء التفكير الذى هو مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان.
أكدت أيضاً خلال اللقاء على ضرورة وضع سيناريوهات مستقبلية ولو على مستوى المستقبل القريب - خمس سنوات- لهذا النوع من الصناعات التى تعتمد فى مجملها على الحرف التراثية، والصناعات المتعلقة بالوسائط الرقمية مثل الإعلام والسينما والمسرح، وضرورة استغلال ما عجلت به جائحة كورونا من توظيف وسائل الإعلام الرقمية فى تقديم المحتوى الثقافى والإبداعي، وضرورة دراسة التشريعات القانونية التى توفر استثمار هادىء مستقبلاً فى مثل هذا النوع من الصناعات الغير تقليدية والتى حققت من ورائها بريطانيا فى سنة من السنوات الماضية 50 بليون جنيه استرليني، كما وفرت ما يقرب من مليون فرصة عمل للشباب، ثم الصين التى أجازت منذ شهر سبتمبر عام 2009 أول خطة خاصة للصناعات الثقافية في الصين وهي "خطة نهضة الصناعات الثقافية"، فكان ذلك إشعارا بأن الصناعات الثقافية قد ارتقت إلى مستوى الاستراتيجية الوطنية.
ووفقا لهذه الخطة، استطاعت الصين دفع تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، بما في ذلك الابتكار والتصميم الثقافيين وإنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والنشر والتوزيع والعروض والترفيه والمؤتمرات والمعارض الثقافية والإعلام والرسوم المتحركة، الأمر الذى تسبب فى أن الحجم الكامن للاستهلاك الثقافي في الصين قد وصل إلى 4,7 تريليونات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6,7 يوانات)، مقارنة مع تريليون يوان فقط من قبل.