القاهرة 09 يونيو 2020 الساعة 02:42 م
بقلم : د. هبة سعد الدين
هل كان مسلسل "الاختيار" لباهر دويدار وبيتر ميمى محصلة لتعاونهما فى ثلاثية مسلسل "كلبش" الذى رصد بعض جوانب مواجهة الإرهاب، أم أنه كان حصادا طبيعيا لمواجهة السينما والتلفزيون لظاهرة الإرهاب التى استمرت أكثر من ثلاثين عاما ؟ قد يبدو السؤال وكأنه يضعنا أمام جبهتين تنفصلان ؛ لكن الدراما جاءت بتجارب على مدى السنوات لتتطور الأعمال كماً وكيفاً ولتتأثر السينما بالتليفزيون والعكس؛ إلى جانب أن أسطورة "منسى" ورجاله كواقع ودراما جاءت بالمزيد.
عندما شاركت الدراما في حربها ضد الإرهاب ؛ تارةً بالتأثير النفسي لإيضاح الخطر الذى يحمله ، وأخرى بطرح واقع المعلومات والتفاصيل ، وأخرى بالرغبة فى تأصيل المشكلة في محاولة لحلها من جذورها ، وذلك ماجعل الدراما فى معالجتها تتطور وتنضج وتتنوع ، لنرى مؤخراً فى مسلسل "الاختيار" المزيد من المعلومات والدراما التوثيقية التى تمزج مابين الدراما والواقع ؛ الذى قد يكون نشرة إخبارية أو بيان عسكرى أو فيديو لموقع الحدث أو اعترافات .
على مدى تسع وعشرين حلقة ؛ شاهدنا سنوات على قدر من الأهمية والخطورة فى تاريخ مصر ؛ لكنها فى الوقت ذاته شهدت الكثير من العمليات الإرهابية التى تنوعت وتطورت نظراً لوصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى كرسي الحكم وتلقى الجماعات الارهابية المزيد من الدعم اللوجستي الذى كانت نتيجته العمليات النوعية التى شهدناها، وكان "منسى" فى المسلسل محوراً يجمع ما بين تلك الخيوط ، لقد وضع أحمد صابر منسى خططاً متشابكة ومتوازية لمواجهة الارهاب، وصارت الدراما معه منذ 2012 وحتى استشهاده 2017، وفى ذات الوقت لم تغفل ما قبل ذلك وما بعد ، لنرى "القصاص" أو الثأر لحظة القبض على الخائن الإرهابي عشماوى وتنفيذ حكم الإعدام.
لقد مزجت الحلقات ما بين الدراما والواقع بصورة مختلفة ؛ نظراً لحداثتها على مستوى الدراما المصرية ؛ وكذا السبق فى تناول الإرهاب بهذه الكيفية وكأن الدراما هدفها الأول هو التوثيق لما حدث، ثم جاءت الحلقة الثلاثين كدليل للمشاهدة للحلقات التى سبقتها بصورة أكثر تحديداً لحادثى الفرافرة والبرث الإرهابيين، وذلك المزج ما بين شهادات من نجى وكيف تم تصوير تلك الشهادات درامياً ؛ لدرجة أننا شاهدنا حركة كل فرد وكيفية حدوث الإصابات وتطورات الأحداث، كذلك لم يغفل المخرج فى اختياراته للممثلين مساحة "الشبة" الفسيولوجي ، مما يجعلك ترى مدى الدقة التى حاول أن يبثها فى "روح" الدراما لتبعث الأحداث على الشاشة من جديد.
ثلاثون حلقة تمنح الدراما التلفزيونية الكثير من المميزات ؛ فعرض "الواقع" بمفرده لم يكن ليأتي بالثمار المرجوة ، وكذلك الاكتفاء بدراما السير الذاتية ، لذلك كان العبء كبيراً على الثنائى الذى تدرب على دراما الأكشن فى ثلاثية "كلابش" ليأتيان بالجديد والمختلف والمتطور ، فكانت الرؤية المبتكرة فى دراما توثيقية حملت على عاتقها مسئولية ليست بالسهلة ، فنجحت أن تصنع حالة من الترقب والخوف والرغبة في الهروب من مواجهة تلك اللحظات أمام "المشاهد"، لقد
أمسك الجميع بقلوبهم مخافة رؤية الحلقة الثامنة والعشرين ، فهى المشاهد التى يخشونها منذ بداية الحلقات، لأنها لحظات الاستشهاد وكأن تلك الحلقة "النهر" الذى جمع شتات الحزن وشعار "احذر المشاهدة" !!
لقد مزج "الاختيار" ما بين المشاعر ورؤية الهجمات الإرهابية وإن لحق به بعض "الأتربة" إلا أنه ذلك السبق الذى لابد وأن يطرح المناقشات ؛ إلا أن ذلك التوثيق المدروس للعمليات الإرهابية والمزج الفنى بين كافة الأدوات التوثيقية ببراعة ، يؤكد أننا فى انتظار الجزء الثانى من الاختيار ، كما تم الاعلان وننتظر "الدراما" التى تقف على الخط الأول من المواجهة فى تلك المعركة.