القاهرة 09 يونيو 2020 الساعة 09:38 ص
بقلم: حاتم عبد الهادى السيد
الشاعر النبيل محمد كشيك لم يرحل عن عالمنا؛ لكنه سافر إلى قلوبنا، فغدا قيثارة تتغنى بالحب. وهو عاشق مصر الكبير، صديق الأطفال الذين كان يكتب لهم الشعر، ويحكى لهم الحواديت، والمبدع الكبير الذى أثرى مكتبتنا المصرية بالعديد من الروائع الزاخرة.
أتذكره عندما كنت أميناً عاماً مساعداً لمؤتمر أدباء مصر، وقد اصطحبنى إلى مكتبه في الهيئة، حيث قد صدر لى وقتها كتاب: "الثورة والأدب في شبه جزيرة سيناء"، وحملنى بالمزيد من الكتب الأخرى والمراجع هديته لى كسيناوى لا تصلنا في الغالب أكثر هذه الأعمال، ثم حمل معى الكتب إلى حيث موعدنا لاجتماع الأمانة، وهناك قابلنا الأدباء والصحفى يسرى السيد وإبراهيم عطية، ود. حسين نصار، ود. التلاوى وغيرهم. وصادف أن احتفلنا بذكرى عيد ميلاده آنذاك بين الأدباء والنقاد والصحافيين ليتحول اجتماع الأمانة إلى احتفال بالشاعر الكبير ، صديق الأدباء الذى كان يحبه الجميع.
كنا نداوم الذهاب للمقهى المجاور للسفارة السعودية.. وهناك كان يتكلم عن الإبداع والنقاد في مصر ودورهم الذى يجب أن يمارسوه، كما نتطرق إلى السياسة، وموضوعات كثيرة.
كما كنا نلتقى بالشاعر الجميل الراحل أحمد زرزور، وكنت وقتها أكتب لمجلة قطر الندى، وهو أحد مؤسسيها، وكنا نتجاذب الحديث عن دور مجلات الأطفال في إثراء خيال الطفل، وكنا نجلس معه.. يحكى لنا دوماً، نستمع لتعليقاته، وخفة ظله. وقد كان رحمه الله مرحاً وقوراً.. يقدر الجميع. وكانت لى مكانة خاصة عنده؛ لأننى من سيناء التى قضّى فيها خدمته العسكرية كأحد أبطال حرب أكتوبر عام 1973م والتى نحتفل بذكراها الآن.
إنه محمد كشيك، أحد رموز الشعر المصرى، ولقد أسس –رحمه الله– مجلة أطفال مصر الإلكترونية" لأنه كان يرى أن الطفل المصرى هو النواة الصالحة لمستقبل مصر.
وشاعرنا محمد كشيك ابن الأرض.. الفلاح المصرى الذى تغنى لها دوما في أشعاره، يقول:
الأرض بالفاس فاحتاني
ركبت وانا فلاح محرات
وعمت عريان في القنايات
أنا اتولدت في إيدي نايات
وغنوة على طرف لساني
حسيت وكانت حساني
فتحت عيني بعرض الليل
عملت في المعمل تحاليل
في الدم طلعت زغروطة
وحارة شايلة قفص قوطة
ومكتبة بتبيع كشاكيل
وبيت بتربيعة وترتر
بنت بملايه وخلاخيل
بتقول يا: سم ومبسوطة!
ونخلة داخله في مجري النيل
وبلحة بتقول.. حياني.
إنه شاعر العامية الكبير الذى تفجرت موهبته وتلقفها النقاد والأدباء بالتشجيع، فها هو الشاعر والناقد الكبير طاهر أبوفاشا يكتب عنه، يقول: "لا شك أن الروح الإنسانية التي تتغلغل في قصائد محمد كشيك، ترتفع بالشعر إلى الموضوعية العامة، وتجعل له قيمة فنية عالية. وقد أثبت الشاعر، أن العامية يمكن أن تكون وعاء للقيم الجمالبة، و اللمسات الإنسانية، كما كتب عنه د. عبد المحسن طه بدر، د. شاكر عبد الحميد، وبهاء جاهين، وأسامة عفيفى، ومسعود شومان، ويسرى حسان، وكاتب هذه السطور، وغيرهم. ولعلنا ندرك قيمة محمد كشيك حين يكتب عنه الكبار ، فهذا الشاعر الكبير / فؤاد حداد يقدم ديوانه "زقزقات" فيقول عنه شعراً :
إسمع يا محمد، يا كشيك،
يا ولدي، ياضي، ولادي
يا واقف في الخط الأول
هي القافية لما تنادي،
ولا عيوني – ولا فؤادي
الصابر، ولا المستعجل
من عطشي، ولا زوادي
يسبق، ويقولك: لبيّك
إسمع يا محمد، يا كشيك.
ولقد قدم محمد كشيك للمكتبة المصرية والعربية العديد من الكتب في مجالات شتى، كما قدم عدة دواوين منها:
"أغنية لمصر"، "العشش القديمة"، "تقاسيم"، "نوارج البحر"، "قمر الحوارى"، "بقيد شموع ليكى يا طاهرة"، "وكأنى كنت من البشر"، كما كتب العديد من دواوين الشعر للأطفال، كما قدم رواية: "عنب أخضر"، وهى رواية للكبار.. إلى جانب الكثير من الكتابات النقدية والمقالات التى أثرت مسيرة شعر العامية في مصر.
لم يرحل محمد كشيك، بل هو باق في قلوبنا، وستظل أشعاره مزقزقة لنا، ولأطفالنا، كل صباح ومساء.