القاهرة 04 يونيو 2020 الساعة 06:23 م
هل تشكل الموسيقى عاملا رئيسيا فى تكوين الشخصية؟ الإجابة نعم؛ ولكن كيف؟ تعالوا معا نرى ما فعلته الموسيقى وساهمت به فى بناء وتكوين الشخصية المصرية..
بالنظر إلى الموسيقى فى الغرب نجد أنها سعت طوال تاريخها لتهيئة الروح للعبادة، أما فى حضارتنا العربية نجد انها فى كثير من الأحيان كانت تهيئ الأحاسيس والجسد للإثارة الحسية؛ ولعل التفسير السابق الذى وصل إليه المفكر المصرى الراحل الدكتور فؤاد زكريا قد يكون شابه بعض التعميم؛ خاصة وأن الموسيقى فى حضارتنا العربية ومن قلبها المصرية ظلت مصاحبة للوجدان وتهيئته للتأمل وان كانت الموسيقى فى الغرب تهيئ الروح للعبادة.
خلال فترة حكم محمد علي باشا وأسرته فى مصر (1805_1952) وهى البداية لتأسيس دولة مصرية حديثة تهتم بالتعليم بوجه عام والموسيقى بشكل خاص حيث أرسلت البعثات من المصريين إلى بعض الدول الأوروبية للدراسة فى كافة المجالات ومنها الموسيقى.
ويعتبر القرن التاسع عشر عصرا جديدا نظرا لدخول مصر لحضارة العصر الحديث والتعرف على الاكتشافات العلمية التى انتشرت فى كافة أنحاء العالم ومن ضمنها النهضة العلمية الموسيقية، التى سبقت ذلك بكثير.
وتعتبر التجارب الرائدة للمسرح الغنائي المصرى سببا فى تطور اساليب الغناء والأداء والمصاحبة، وشهد القرن الماضى العديد من الانجازات التى أسهمت فى تطوير اساليب الموسيقى العربية؛ وهو القرن الذى حفل بقامات عظماء الموسيقيين المبدعين الذين ساهموا فى تطوير الفكر والثقافة الموسيقية وتحويلها إلى لغة علمية معبرة عن الواقع الشعبى امثال خالد الذكر سيد درويش(1892_1923)، ومحمد عبد الوهاب (1910_1991) والذى بدء حياته الفنية متأثرا بالحان سيد درويش فغناها؛ ومن ثم تطويره الموسيقى العربية ونقلها إلى آفاق جديدة من خلال تراكيبه اللحنية التى مزج فى بعضها آلات موسيقية غربية وتبعه فى ذلك العديد من الملحنين البارزين امثال فريد الاطرش ومحمد فوزى ومحمد الموجى و كمال الطويل وبليغ حمدى؛ وغيرهم.
ومن الغريب عند تتبع تطور الموسيقى فى مصر تجد انه رغم كل هذه الإسهامات التى شكلت وجدان الشعب المصر طوال القرن العشرين، بل والقرن الحادى والعشرين إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور تيار متشدد سارع الى تحريم بل وتكفير الموسيقى على الرغم انها بعيدة كل البعد عن الخلاعة والمجون فموسيقى هؤلاء تقترب مما فعلته الموسيقى فى الغرب من تهيئة الروح للعبادة بعيدا عن ما كانت تذهب اليه الموسيقى العربية فى قصور الخلفاء خلال عصور ولت كانت تهيئ الأحاسيس والجسد للإثارة الحسية.
على أي حال، ورغم ما فات إلا أننا الآن نعيش عصر موسيقى لا هى تسعى للتهيئة الروحية، او حتى مخاطبة الاحاسيس والجسد، ألا وهى موسيقى المهرجانات، وهو نوع من الموسيقى لا إيقاع له ولا تراكيب لحنية كما أن تاثيرها فى وجدان الشعب المصرى سيزول سريعا ولا يبقى منه شيئا كما أثرت موسيقى سيد درويش و عبد الوهاب و بليغ بوجداننا وظلت مقترنة بالفن الجميل لدى من عاصروهم و بيننا نحن أحفادهم.