القاهرة 26 مايو 2020 الساعة 12:57 م
كتب: محمد الليثى محمد
* ما علاقة الأدب والكتابة والثقافة بالزمالة والصداقة وعلاقات الحب؟
* سلفني كتابا ومساحة من الوقت وأنا أغير حلمى وحلمك؟
كان في أيام الزمن الجميل حقيقة ثابتة، وهى أن الشمس تشرق في النهار وتغيب في الليل وهذا الثبوت في حركة الأشياء جعل الحقائق واضحة وضوح الشمس ليس فيه لبس أو تعريف آخر، وإنما هو تعريف واحد جامع مانع.. يعرف كل الأشياء.. ورضي الإنسان بذلك وعاش سعيدا بتلك النهاية.. وحين أصابته سنة من نوم وأصابه أيضا مرض الرضا عن أحلامه واستكان إلى عدم الفعل وتسربت إليه أفكار الاغتراب.. انتبه في لحظة عاطلة عن التغيير.. هذا التغيير الذي أصاب جذور الحقائق؛ مما أصاب الطائر في السماء فما عاد يطير في أحلامه. إنه التغيير الذي طرأ على الحقائق الثابتة.
كانت هناك حقيقة.. أن من يعتلى عرش الأدب هو الشخص المشهود له من حكماء العصر ومن ألاف المتلقين بأن هذا الشخص كاتب ومثقف، تلك الشهادة تدعمها بعض كتب وبعض مقالات ومحاولات لفهم هذا العالم.. لذلك ابتعد عن هذه المهنة (الهليبة ونباتات الهلوك والحامول) عن السعي للحصول على هذه المهنة، حيث إنها مهنة صعبة تحتاج إلى الكثير من القراءة والسهر واستثمار الوقت، لذلك أطلق على أصحاب هذه المهنة والذين يسكنون غرف أندية الأدب في وزارة الثقافة في العالم العربي مجانين.
كانت فكرة وزارة الثقافة عبقرية، حيث كان الهدف منها تحويل الكتاب إلى أفراخ داجنة تعيش وتحلم بالحرية من غرف أندية الأدب.. ليس البحث عن حلم الحرية من أمراض المجتمع؛ وإنما البحث عن الحرية الشخصية، فعاش الجميع يمارسون التجديد المزعوم في عناصر القهر الثقافي.. عاش الجميع في أنشودة الترديد ، ترديد شعارات ما أنزل الله بها من سلطان بينما المجتمع يعج بالمتغيرات، تغيير سياسى، ثقافى، إيديلوجى، وتغيير إسلامي، تغيير انسحابي عن مشاكل المجتمع والعيش للذات.. وبالذات تحول المجتمع إلى فرد واحد وليس جماعة تعيش لكي تتكامل.
بينما أفردت الدولة مجموعة من الإمكانيات لصالح تلك الفئة من الكتاب من جوائز ومؤتمرات وسفريات وأموال تنفق هنا وهناك.. ولكن عاش أصحاب هذه المهنة في فقر وحاجة على المستوى الشخصى، لذلك ربطت الدول تلك الكائنات بالحاجة.. فأصبح أكثرهم جرأة لا يستطيع البوح إلى نفسه.
وارتاحت الدولة من ذلك الصداع.. وفى المقابل تم تجهيل هذه الفئة فعاش الجميع بين الحب وبين ما يكتب عن الحب وعن علاقته بالأنثى.. الأنثى التي تغيرت وأصبحت مفكرا عقليا يبحث عن المشاركة في المجتمعات بعقلية الرجل.. في الحصول على بقعة من ضوء الشمس بين تلك المفرادت.. ومازالت تلك الفئة في أفكارها وكتاباتها تبحث عن أنثى شهريار، لذلك بدأ المتلقى وهو المستهدف من وجود تلك الوزارة يغرد بعيدا عن تلك المجموعات التي تعيش في الماضي تمارس على بعضها البعض سلطة القهر الثقافي.. فدخل إلى تلك الفئة بعض موظفي الثقافة أبناء المكان صنعوا من بعضهم حائطآ للعمل على قهر (من أدركتهم حرفة الأدب).. لذلك أحضروا أنصاف المواهب وتم فرضهم على الوسط الثقافى.. فعاشوا حالة المبدع دون تقديم دليل واحد على إبداعهم، وانتشرت في ربوع الثقافة خصلة النفاق، فأنت تجد شاعرا أو قاصا ينافق مسئول الثقافة بأن يكتب فيه قصائد شعر لكي يذهب إلى مؤتمر أو يحصل على ندوة مدفوعة الأجر.. تحول الجميع إلى شجرة نفاق يستظل بها كل من له سلطة دون الاهتمام بالأب أو الكتابة أو المجتمع، فأصبح السؤال الذى يتردد داخل الكثيرين من الكتاب أصحاب المواهب الحقيقية: ما جدوى الذهاب إلى أندية الأدب؟ والإجابة.. ليست هناك إجابة معينة وإنما هو انسحاب البعض بهدوء والاكتفاء بالجلوس في مقاعد المتفرج لمشاهدة الآخرين يكتبون نهاية أندية الأدب، بل قل نهاية وزارة الثقافة.
في البداية كانت الكلمة عنصر مهما في ارتقاء المجتمعات.. حتى تحولت المجتمعات لعدم وجود عنصر الثقافة إلى الحرب والقتل (وحمو بيكا).. وبرغم أن الكرة الأرضية أصبحت قرية صغيرة.. ولم تعد المعرفة قاصرة على مكتبات قصور الثقافة أو أندية الأدب.. بل أصبحت المعرفة متاحة للجميع بمجرد الدخول إلى الشبكة العنقودية.. لتخلو أندية الأدب من أصحاب الموهبة الحقيقية الذين تركوا الأندية للشيوخ وعجائز القوم الذين تراهم يتسللون فى بضع أشخاص يجلسون على مقاعد الندوات.. والآخرون الأكثر ذكاء ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث امتلكوا النشر الإلكتروني وغيره من طرق التواصل الحديثة.. لذلك تجد أن الأدباء خارج أندية الأدب هم الأكثر إبداعا والأعلى صوتا، حفلات هنا وروايات هناك، شعراء يملكون الأرض والسماء وفى الداخل مازلنا نبحث عن طرق الخلاص من القهر الثقافي.
يمر الزمن ولا تتغير الأشياء.. ولا الشمس تبقى على حالها.. يموت فينا من أحس بالظلم ويعيش من صنع من نفسه كرة مطاطية يمكن أن تتشكل على أى شكل يريده من له سلطة.