القاهرة 24 مايو 2020 الساعة 11:53 ص
بقلم : د. هبة سعد الدين
قبيل تسعينيات القرن الماضي بدأت بعض المعالجات السينمائية الاقتراب من دائرة الارهاب ،ويبدو أن ذلك أغرى الدراما التليفزيونية بزيادة جرعة الأعمال فى هذا الجانب ، لترصد بعض الجوانب فى ظل معالجات تسعى لاستتباب مكانة المسلسل.
لذلك جاءت تلك الفترة بعدة أعمال تنوعت واتخذ كل منها طريقاً ، وقد رأت بوضوح أنه لايمكن أن يتواجد "الارهاب" بمفرده فى الدراما ، لذلك كان مسلسل "هالة والدراويش" لمحمد جلال عبد القوى وعبد العزيز السكرى 1990 ، رصداً للتطرف الذى لحق بالمجتمع المصرى وكان غريباً عليه ووجده كمنبع تشويش العقل وبالتالى السلوكيات ، ووضع المسلسل يده على بداية انتشار بعض الافكار ووجدها مسببات ودوافع لمتغيرات المجتمع ؛ وحددها ما بين الاحتياج المادى والجهل بالدين واجهاض الاحلام ، وواجه المسلسل ذلك الواقع وطرح بعض المناقشات كبداية يمكن الاعتماد عليها ويمكن أن تتبع ذلك مسلسلات.
ولكن أسامة أنور عكاشة دخل فى العمق راصداً تطورات "الارهاب" بصورة واقعية على مدى الأجزاء الخمسة لأيقونته "ليالى الحلمية" إخراج اسماعيل عبد الحافظ ؛ عندما أظهر "الارهابى" العائد من افغانستان فى الجزء الرابع 1992 ، وكأنه يضعنا وجها لوجه أمام مالا نضعه فى الحسبان ، ويكمل الصورة بسيطرة النصابين والفاسدين وتجار الدين الذين يجدون غطاءً "دينيا" قادرا على منحهم قوة لايمكن الاستهانة بها!! لقد رصد الجزئين الرابع والخامس 1995 تلك التطورات ووضعها فى إطارها السياسي والاقتصادي وبالتالي الاجتماعى فى تاريخ المجتمع المصرى ، وما اقتحمه من أفكار جاءت لتمنح "الضعاف" فرصة لابد وأن يقتنصوها.
ويبدو أنه بعد خوضه المعركة وضع خطته للمواجهة، ورأى أنها فى حاجة لدعم شعبى قادر على أن يراها بوضوح ويشعر بتأثيرها ويواجهها ؛ لذلك وجدناه فى 1994 يقدم من خلال مسلسل "أرابيسك" إخراج جمال عبد الحميد طرحاً مختلفاً حيث نجد الضحية "الطفل" الذى يعمل ويعول أسرته ، أما "الإرهابيون" الفاشلون فهم من لايعرفون صحيح الدين ، والعاطلون الذين لم يجدوا من يعلمهم ويستغل طاقاتهم بصورة إيجابية.
ويبدو أنه رأى خطة بديلة وهى أن مواجهة الارهاب تبدأ بالعودة للهوية المصرية والامتلاء بالثقافة، ورصد المجتمع المصرى ماقبل الارهاب فى أجزاء مسلسلى "زيزينيا" و"المصراوية" حيث الاختلاط بالثقافة الغربية والتشبع بها وهضمها فى نسيج المجتمع المصرى وكافة العوامل التى أثرت ذلك ، وجعلته بعيداً عن التطرف منبع "الارهاب".
ويبدو أن الكاتب وحيد حامد وجد أنه على الرغم من اقترابه سينمائياً من تلك المعركة ؛ إلا أنه وجد التليفزيون يصل لكل أسرة ويمكنه المشاركة بصورة أكثر فاعلية ، فقرر أن يواجهه هذه المرة من خلال مسلسل "العائلة" 1994 للمخرج اسماعيل عبد الحافظ ، ليضع يده فى الجرح على مدى ثلاثين حلقة ، مما أتاح له المزيد من النقاش والرصد وطرح "التشابك" الذى يصعب رؤيته ومن ثم "فضه"!!
لقد وقفت الدراما التلفزيونية إلى جانب السينما فى كتيبة القوة الناعمة ، وتشابهت سماتهما وتطورت مساهمتها على مدى السنوات، ولاتزال هناك أعمال فى حاجة إلى المزيد من التتبع.