القاهرة 19 مايو 2020 الساعة 12:21 م
تأليف: ماركو براجا
ترجمة وتقديم: د. عصام السيد علي – د. عبدالله عبدالعاطي النجار
الشخصيات
أندريا كامبياني: وسيط أوراق مالية
جوليا: زوجة أندريا
جانِّينو: ابنهما ويبلغ من العمر 7 سنوات.
جوستافو فيلاتي: محامي
كوستانزو مونتيتشلّي: محامي
تريزا: عاملة في المنزل
إتُّوري: خادم
المكان: ميلانو – الزمان: الفترة الحالية
الفصل الأول
في منزل أندريا كامبياني. غرفة الطعام. باب في المنتصف وأبواب جانبية. على اليسار توجد مائدة الطعام ويُلاحظ عليها فوضى ما بعد تناول وجبة الغداء. على اليمين وقبل الباب توجد المدفأة وقد تم إشعالها. في المنتصف يوجد ثلاثة مقاعد وأريكة. تعلو المدفأة مرآة كبيرة مُعلَّقة فوق الحائط. في نهاية الغرفة على يسار الباب توجد الخزانة وفيها الأطباق والزجاجات والقنينات... إلخ. الأثاث كله أنيق وجميل. الوقتُ مساءً. يتدلَّى من السقف فوق المائدة مصباحٌ مُضيء.
المشهد الأول
جوليا وأندريا وجانِّينو ثم تريزا
جوليا مسترخية على الأريكة، وحولها العديد من الصحف المُصوَّرة ومجلات الموضة. جانِّينو جالس على مائدة الطعام ناحية اليسار. يجلس على كرسي وتحته وسادة كي ترفعه لأعلى. يجلس أندريا قُبالته ويتوسّط المشهد. أمام الجمهور يوجد مقعد شاغر كانت تجلس عليه جوليا. تدخل تريزا ممسكة بصينية القهوة. تصب القهوة في الكوب وتقدمها لـــ"جوليا".
لا، لن أتناولها الآن. لاحقا. إبق عليها دافئة!
(تحمل تريزا فنجان القهوة وتقدمه لــ"أندريا"، الذي كان يقرأ الصحيفة)
جوليا:
موجهة حديثها إلى جانِّينو الذي كان يطرق الطبق بالسكين وكأنه يضرب على طبلة.
جانِّينو، يا صغيري، إذا لم تكف عما تفعل فستغضب منك ماما.
جانِّينو:
(جاثيا على ركبتيه فوق المقعد)
بابا!
أندريا:
ماذا تريد؟
جانِّينو:
تفاحة.
أندريا:
أيضاً؟
جوليا:
لا يا جانِّينو، لقد أكلت فاكهة بما فيه الكفاية.
جانِّينو:
واحدة فقط.
أندريا:
حسنًا، خذ هذه التفاحة الصغيرة!
(يعطيها له، ويبدأ جانِّينو في تقشيرها بالسكين)
انتبه حتى لا تجرحك السكِّين. تعال هنا!
(ينزل جانِّينو من على الكرسي ويعطيه التفاحة ويقوم أندريا بتقشيرها له)
ها هي.
(يأخذ جانِّينو التفاحة ويبدأ في مغادرة الغرفة)
هل أنت ذاهب لِلَّعب؟ إعطني قبلة صغيرة أولاً! (يُقبِّلُه) وماما؟
جوليا:
(وهي تحتضنه)
كنزي الغالى! هل قمت بواجباتك المدرسية؟ أنت لم تذاكر دروسك إلى الآن! إلعب قليلا ثم ذاكر دروسك جيدا. اتفقنا؟
(يخرج جانِّينو من الغرفة بصحبة تريزا)
جميل جداً هذا العدد الأخير من صحيفة "فيجارو إلُّوستراتو". هل طالعته؟… ماذا تفعل؟ هل تقرأ شيئا؟
أندريا:
أُلقي نظرة على أخبار البورصة.
جوليا:
دعك من هذا! فأنت تظل في العمل حتى الساعة السابعة، وتجعلني أتناول الغداء في الثامنة، ثم تخرج مرة أخرى. حتى في الساعة القليلة التي تمكثها في المنزل لا تجلس معي. تعال إلى جانبي!
أندريا:
(وهو مستمر في القراءة)
سآتي حالاً.
جوليا:
تعال هنا!
أندريا:
أنا أشرب القهوة.
جوليا:
تعال واشربها هنا. انظر، لقد أفسحتُ لك مكانا.
أندريا:
(يذهب ليجلس بجانبها)
أهذا ما تريدين؟
جوليا:
أين صحيفة "آرت إي لامود"؟ احترس، لقد جلستَ فوقها. مهلاً.
(تقوم بسحبها من تحته)
هل رأيتَ أحدث صيحة في عالم القبعات النسائية؟ كل الريش الذي بها، وكذلك الأشرطة الخلفية مرتفعة جدا لأعلى. جميلة!
(تمد رأسها وتنظر في فنجان القهوة الذي يشرب منه أندريا)
ألن تعطيني قليلا من القهوة؟
أندريا:
لم تكن لديك رغبة فيها!
جوليا:
لكن قهوتك أطيب طعما. قطرة صغيرة... لا، اسقني أنت، بالملعقة.
أندريا:
مسكينة!… هل تريدين المزيد؟
جوليا:
نعم … ملعقة لي وملعقة لك… هذه طريقة جميلة جدا، أليس كذلك؟
أندريا:
(يذهب ليضع الفنجان فوق المائدة)
نعم، جميلة جدا.
(تصرخ جوليا بصوت منخفض)
ماذا بك؟
جوليا:
أهرشلي أهرشلي بسرعة!
أندريا:
(يجلس بجانبها مرة أخرى)
أين؟
جوليا:
هنا، في يدي… برفق!… لا، لا، ليس في كفِّي: فإنه يجلب سوء الحظ... آي! هذا يؤلمني. أنت متوحش! انظر إلى الخدوش التي بيدي. اعطها قُبلة حالاً.
أندريا:
(يُقبّل يدها)
هكذا؟
(ينهض)
جوليا:
إلى أين أنت ذاهب؟
أندريا:
سأقرأ صحيفة "الكوريري".
جوليا:
قلتُ لك لا تفعل!
أندريا:
سأطالع البرقيَّات.
جوليا:
قلتُ لك لا تفعل! ما الذي توليه اهتمامك؟ قيمة الأسهم، دائما! القيمة والقيمة الوحيدة في حياتك هي أنا. أتفهم؟ ابق هنا، اقترب مني أكثر فأنا أشعر بالبرد وصحَّتي ليست على ما يرام اليوم.
أندريا:
ماذا بكِ؟
جوليا:
من الواجب عليك أن تعتني بي. هل ستخرج هذا المساء أيضا؟
أندريا:
سأقوم بزيارة خاطفة للبورصة. هل ترغبين أنت أيضا في الخروج؟
جوليا:
في الخروج إلى أين؟
أندريا:
لا أدري، إلى حيث تريدين. سنذهب سويا، ثم أذهب أنا إلى البورصة وبعدها أعود إليكِ.
جوليا:
(تتناول الصحيفة)
لنرى ما يُعرض في المسرح الآن.
(تقرأ)
"مسرح "سكالا"، متوقف مؤقتا. مسرح مانزوني، مسرحية زوجة كلاوديو". يا إلهي، يالها من مسرحية مخيفة! "مسرح دالفيرمى"، الضالّة، سييبا…". لقد وعدنا جانِّينو باصطحابه إلى الحفل الموسيقي لكن الوقت متأخر الآن. ومن الأفضل له أن يكون ذلك يوم السبت لأن إجازته الدراسية ستكون يوم الأحد وبذلك يمكنه أن يسهر يوم السبت… لا يوجد شيء ممتع في المسرح هذه الليلة… كم الساعة الآن؟ الثامنة والنصف! يمكنني أن أرتدي ملابسي وأذهب إلى صديقتي "فيسكاردي". لكنك تقول لي دائما أنك ستذهب إلى البورصة ثم تعود إلىّ لتصطحبني ولا تفعل. أنا أعرفك جيدا!… لا، اسمعني! سأظل في المنزل ولكن بشرط أن تذهب إلى البورصة وتعود بعد نصف ساعة بالضبط وليس أكثر. في التاسعة والربع يجب أن تكون هنا، وسأُعدُّ لك كوبا من الشاي هنا بجوار المدفأة، وفي العاشرة سنذهب لننام مثل طفلين رائعين. حسنًا؟… الويل لك إن تأخرت! ولا تأتني بعد ذلك وتحكي لي قصصا، كأصدقائك الذين يلتفون حولك ولا يتركونك. فلن أقبل منك أعذار. وإذا أراد منك أحدهم أن تظل تتجوّل معهم فأجبه قائلا: يا أصدقائي، لديّ في المنزل زوجة صغيرة وجميلة تنتظرني، ولذلك سأودِّعكم. إتفقنا؟
أندريا:
(ضاحكاً)
إتفقنا.
(ينهض قائما ويقوم بحركة تنم عن ألم ويظل للحظة وساقاه بهما تنميل)
جوليا:
انظر! انظر! حتى قدمك تريد أن ترتاح. أنت تجهد نفسك كثيرا. غادرتَ فراش المرض منذ ثمانية أيام فقط ولا تُعير ذلك أية أهمية. وقال لك الطبيب ذلك بالأمس؛ أنك قد اجتزت فترة المرض وتعافيت بصورة سريعة ولكن لا تبذل مجهودا…
أندريا:
أنا لا أجهد نفسي مطلقا. ولكن، تعلمين، هذا يحدث عندما أُطيل الجلوس بعض الشيء…
جوليا:
يبدو لي أن أحدا يدقُّ جرس الباب. تُرى من يكون؟
أندريا:
ربما يكون جاكومو ومعه البرقيَّات.
تريزا:
(تُخبرهم)
السيد فيلاتي المحامي.
أندريا:
فلْيدخل … أعني، انتظري لحظة. هل نُدخله في الصالون؟
جوليا:
لا... لا، المكان هنا مريح جداً.
(توجه الكلام إلى تريزا)
أدخليه.
أندريا:
لكن ما زالت الأطباق على المائدة.
جوليا:
وماذا يهُم؟
المشهد الثاني
جوليا وأندريا وجوستافو وتريزا
جوستافو:
مساء الخير، سيدتي! (يتجه إلى أندريا) كيف الحال؟ وكيف حال قدمك؟
أندريا:
أفضل بكثير، شكرا لك.
جوستافو:
لقد جئت في وقت غير مناسب... كنتم تتناولون الطعام.
أندريا:
لا، أبدا، لقد انتهينا من تناول الطعام منذ قليل، ولكن أعذرنا، إذا كنا استقبلناك في هذا المكان...
جوليا:
أراد زوجي بالفعل أن يستقبلك في الصالون، ولكني أعتبرك صديقا لنا، ولذا فلا داعي للمجاملات.
جوستافو:
وأنا ممتن لذلك.
أندريا:
فنجان من القهوة؟
جوستافو:
شكرا.
جوليا:
شكرا نعم أم شكرا لا؟
(تُشير إلى تريزا التي كانت قد بدأت في تنظيف المائدة، فتخرج من الغرفة)
سأعطيك فنجان القهوة خاصَّتي. ولن تستطيع رفضه.
جوستافو:
لو كان بإمكاني أن أغازلك لقلت لك أنه سيكون بالطبع أفضل فنجان قهوة.
جوليا:
من الأفضل أن تقول هذا أمام زوجي.
(في أثناء ذلك تصب القهوة التي أحضرتها تريزا بعد دخولها من جديد)
سأُسِرُّ لك أمرا، ربما تجد الأمر أقل...
جوستافو:
أقل من العاديّ؟
جوليا:
اشرب ولا تُعقِّب على كلامي.
(تتوجه إلى أندريا)
وأنت لا تقف هكذا على قدمك. أنت تُتعب نفسك! وإلا فاستند على العصا، أين هي العصا؟
(تجدها في ركن فتناولها له)
أندريا:
تعاملينني وكأنني عاجزٌ بالفعل.
جوليا:
اجلس أيها المحامي!
جوستافو:
شكرا لكِ!
(يجلس الجميع وتخرج تريزا)
جوستافو:
لقد جئتُ في هذه الساعة يا عزيزي كامبياني حتى أجدك في المنزل. فأنا أعلم أنك الآن ستذهب إلى البورصة وأردتُ أن أقول لك كلمتين قبل أن تخرج.
أندريا:
كُـــلّي آذانٌ صاغية.
جوليا:
يا إلهي! بدأنا الحديث عن العمل؟ سأترككم.
جوستافو:
لا، إطلاقا. بل على العكس من ذلك، أرجوك أن...
جوليا:
هل ستتحدث إليه كصديق أم كوسيط أوراق مالية؟ لأنه في الحالة الثانية يمكنني أن أفيدك أنا أيضا، فمثلا لا تشتري السكر فسعره سينخفض. سمعتُ ذلك من زوجي منذ فترة وجيزة، والجميع يثق في رأيه.
أندريا:
شكرا لكِ.
جوستافو:
بل أتحدث إليه كصديق (ينظر إلى جوليا) كأصدقاء، وبصراحة أنا أثق في صداقتك أكثر من ثقتي في درايتك بالشؤون المالية.
جوليا:
سأتجاوز عن قلة ثقتك في معلوماتي بفضل ثقتك في صداقتي.
أندريا:
أيتها الثرثارة، دعيه يتكلم!
جوليا:
نعم بالفعل، لأنك يجب أن تخرج بعد قليل فالبورصة تنتظرك.
جوستافو:
إذن لن أزعجك وسآتي إليك غدا في مكتبك.
جوليا:
لا، لا، أنا أقول هذا لأن بيني وبينه اتفاق؛ فقد اتفقنا أن يخرج للعمل ثم يعود سريعا... وأود ألا يتحجج بأي عذر.
أندريا:
أيتها الثرثارة! أيتها الثرثارة!
(يتوجه إلى جوستافو)
تكلّم! تكلّم أيها المحامي! ولا تسمح لأحد أن يقاطعك.
جوستافو:
حسنًا، أنت تعرف أن أخي أدولفو هو زميل لك في العمل منذ ثلاثة أشهر...
أندريا:
وأراه نشيطاً ومجتهداً ولا يتغيب عن البورصة يوما واحدا.
جوستافو:
ألا تعرف شيئا عن الأعمال التي يقوم بها؟
أندريا:
لا أعرف بالضبط ولكن الذي أعرفه أنه يعمل كثيرا لحسابه الشخصي.
جوستافو:
وهذا ما يقلقني، فأدولفو دائما لا يكترث بالمستقبل. لقد بلغ الخامسة والعشرين من عمره دون أن ينجز شيئا في حياته، لذلك قررتُ في نهاية المطاف اتّباع المثل القائل "نصف من المشورة مع نصف من المال". فأعطيته رأس المال اللازم ليتاجر به. لقد كان يعمل في أحد البنوك لمدة ثلاث سنوات، وإذا سمعتَه وهو يتحدث تشعر أنه "روتشيلد" ومع ذلك فأنا قَلِقٌ بعض الشيء لأنهم قالوا لي أنه يُخاطر كثيرا ولا أريد أن تحدث له مشاكل.
أندريا:
أنا أعرف أنه يُخاطر بالفعل.
جوستافو:
هل هناك خطر عليه؟ أنا أتحدث معك كصديق قديم فأخبرني. هل أنا أُثقل عليك بالسؤال؟
أندريا:
بالطبع لا! وسأساعدك بكل ما في وسعي. لكن الأمر ليس بهذه السهولة... فلا يثق الزملاء كثيرا في بعضهم بعضا...
جوستافو:
ولكن أنت لديك سلطة كبيرة جدا! وأنت أحد المخضرمين في عالم البورصة...
جوليا:
يا إلهي! يا إلهي! لا تجعل زوجي كبيرا في السن لهذه الدرجة!
جوستافو:
أنا أتحدث عن خبرته وذكائه وسُمعته...
أندريا:
هذا فضلٌ منك! (ينهض قائما) تستطيع الاعتماد علىَّ.
جوستافو:
شكرا جزيلا لك. (يهم بالوقوف). وسامحني على الإزعاج، ولكن هذا الأمر يقلقني كثيرا. فأنا بالنسبة لأخي بمثابة الأب.
جوليا:
هل أنت ذاهب للعمل يا أندريا بالفعل؟ ألا يمكنك عدم الذهاب؟
أندريا:
أنت تعرفين أنني لا أستطيع ذلك.
جوليا:
لا تستطيع مُطلقاً؟
أندريا:
لسوء الحظ.
جوليا:
حسنًا!... إذن انتبه، الساعة الآن الثامنة والنصف، وأريدك أن تعود إلى المنزل في التاسعة والربع.
أندريا:
سوف أبذل قصارى جهدي.
جوليا:
لن أقبل أعذار.
أندريا: (بلطف)
جوليا! جوليا! (يتوجه بالحديث إلى جوستافو) أنصحك ألا تتزوج!
جوليا:
ماذا؟ ماذا؟ ماذا؟ ماذا قلت؟ هل تجرؤ على التحسر على أنك تزوجت؟
أندريا:
(ضاحكا) لا، لا، بالطبع لا.
جوليا:
اطلب الصفح مني بقُبلة فورا!
أندريا:
(يُـــقبّلها على جبينها) يالك من طفلة!
جوليا: (تنادي)
تريزا! تريزا! أحضري القبعة والمعطف لسيدك.
يا إلهي! الجو بارد وبدأت الثلوج تتساقط، اذهب إلى العمل بكارِتّة، هل تسمعني؟ (تدخل تريزا ومعها القبعة والمعطف فتقوم جوليا على الفور بمساعدة أندريا في ارتدائه). وأنت أيها المحامي فستظل معي حتى يعود أندريا، أليس كذلك؟
أندريا:
(موجها حديثه لتريزا) ماذا يفعل جانِّينو؟
جوليا:
يلعب في الخزانة.
أندريا:
عليه أن يذاكر دروسه. معذرة أيها المحامي، فنحن نعاملك كصديق قديم. يوجد هنا سجائر يمكنك أن تُدخِّن. (يمد له يده) إذا ظللتَ هنا فسألقاك عندما أعود.
جوليا:
بالطبع سيظل، ولن أدعه يغادر حتى ترجع، لذلك عليك أن تعود سريعا لأن فيلاتي خَطِر.
جوستافو:
هل تريدين مني أن أغادر؟
أندريا:
أراكم بعد قليل (يخرج).
جوليا:
اعتني بنفسك. (تصطحب أندريا إلى أن يصل إلى الباب). اركب الكارِتّة! (تتوجه بالحديث لتريزا، التي كانت تقوم بإخلاء الأواني من فوق المنضدة) دعك من هذا الآن وقومي به في وقت لاحق. اعتني بجانِّينو واجعليه يذاكر دروسه. خذي الأمر بجديّة. (تخرج تريزا).
الـــمشــهـــــد الثـــــالــــــث
جوليا وجوستافو
تظل جوليا عند الباب للحظة إلى أن تبتعد تريزا. ثم تغلق الباب بهدوء وتذهب بسرعة لجوستافو، الذي ظل واقفاً وظهره إلى المدفأة. وتُلقي بذراعيها حول عنقه.
جوستافو:
(يحاول نزع ذراعيها برفق) احترسي! من الممكن أن يأتي أحد.
جوليا:
لا، لا يوجد أحد. يا لها من مفاجأة! ما أجملها! لم أكن أتوقع منك أن تأتي هذا المساء. (جوستافو يحاول نزع ذراعيها مرة أخرى) هل أنا أزعجك؟ هل أزعجك؟
جوستافو:
لا يا عزيزتي، ولكن لا يجب علينا أن نُعرِّض أنفسنا للمخاطر(ينزع ذراعيها ويجلس)
جوليا:
مخاطر؟ لا توجد مخاطر، ولم تكن تشعر بكل هذا القلق من قبل.
جوستافو:
من الضروري أن أتصرف بعقلانية وأن أجعلك تتصرفين كذلك
جوليا:
إذن أنت لم تعد تحبني؟
جوستافو:
بلى، أحبك، أحبك، وسأظل أحبك دائما... ولكن تذكري يا جوليا أنني قلت لك في يوم من الأيام: "علينا أن ننهي هذه العلاقة ونعود بعدها مجرد صديقين كما كنا من قبل... وحينها سأظل أحبك مثل حبي لك الآن، ومثل حبي لكِ حينما كنتِ لي يوما ما... يجب أن تُصدقينني... ويجب أن تُطيعينني".
جوليا: (متأثرة من الصدمة)
سأُصدِّق ذلك في حالة واحدة، حين يأتي اليوم الذي لا أحبك فيه.
(تجري فجأة نحو الباب وتفتحه وتنظر بالخارج ثم تغلقه مرة أخرى وتعود مسرعة وتجلس بجوار جوستافو)
لماذا تتحدث معي هكذا؟ لماذا تقول لي هذه الأشياء؟ قل يا جوستافو! قل لي! أخبرني!
جوستافو:
لكي أجعلك تفكرين بعقلانية وتتدبرين جيدا في وضْعك... في وضْعنا.
جوليا:
هل أنت متضايق؟ هل مللتَ هذه العلاقة؟ أتريد إنهاءها؟
جوستافو:
اخفضي صوتك، بالله عليك!
جوليا:
ما كل هذا الخوف الذي يعتريك هذا المساء؟!
جوستافو:
هذا بسبب الحماقات التي ترتكبينها، فلازال زوجك على السُّلَّم، ولم تكد تريزا تخرج من الغرفة وأنت تُلقين بذراعيك حول عنقي. من الممكن أن يعود زوجك ثانيةً ويرانا وحينها ستتدمر حياتك الزوجية، ومن الممكن أيضا أن تدخل تريزا وترانا وعندها لن نكون في أمان أو على الأقل ستنظر لنا باحتقار.
جوليا: (وهي تهم واقفة)
جوستافو!... هل يقلقك دمار حياتي الزوجية بنفس القدر الذي يقلقك به نظرة الخادمة لنا باحتقار؟!... (تصمت هنيهة) أنت لا تقول الحقيقة، وبسبب قلقك لأنك لا تقول الحقيقة تقول أشياء فظيعة!
(تجلس بجوار المائدة، وتضع رأسها بين يديها)
جوستافو: (بعد أن أشعل سيجارة)
يا عزيزتي... أنت لا تفهمين...
جوليا:
اسكت! اسكت! أنت محق، أنا لا أفهم أي شيء، أنت تجعلني أفقد عقلي! (تصمت هنيهة) يا إلهي! يا إلهي! وأنا التي اعتقدتُ أن زيارتك هذا المساء وكأنها عيدٌ لي!
(يقوم جوستافو بعمل حركة تعبر عن ضيقه: ينهض ويتوجه صوب المدفأة. تنظر جوليا إليه للحظة ثم تقترب منه – كالسابق – وتقول له بحنان)
جوستافو، قل لي الحقيقة: ما الذي حدث لك اليوم؟ لم نلتق منذ يومين، فهل حدث لك شيء؟ هل أنت منزعج من شيءٍ ما؟ ما الذي غيَّرك؟ هل أنت على ما يرام؟ قُلْ لي! قُلْ لي!... أنت لست متضايق منِّي، أليس كذلك؟ قُلْ لي يا جوستافو!
(تحتضنه لكنه يدفعها عنه بلطف)
لا، لا، لن ألمسك... فربما يرانا أحد... ها أنا ذا ابتعدتُ، حسناً؟ قل لي إذن ماذا حدث؟ وسأغفر لك كل شيء: أَعلمُ أنك مشغول بأعمالك... وربما لديك ما يضايقك...
جوستافو:
لا، ليس لديّ أي شيء.
جوليا:
بل لديك، فمزاجك سيء... هل تريد المغادرة؟ هل أنت متضايق لأنك أتيت؟... هل تريد أن تذهب؟... فلنلتقي غدا. فغدا سوف يذهب عنك الـ... حسنًا، هل تريد الذهاب؟
جوستافو:
هل تطردينني؟
جوليا:
لا! بل أخشى أن تكون منزعجا... وأخشى أنك في حالة بقائك تستمر في قول تلك الأشياء التي تضايقني... من دون سبب، لكنني سأغفرها لك: فأنا أفهم أنك في مزاج سيئ، وهذا كل ما في الأمر. وغدا ستعود جوستافو الذي أعرفه. (تنزع السيجار من فمه وتحتضنه)
جوستافو:
مرة أخرى؟!
جوليا:
لا، لا، لن ألمسك! ... ألا تريد؟ ألا تريد أن تعترف أنك قَلِق، وأن مزاجك ليس على ما يرام؟... نعم، اعترف! فسأكون سعيدة إذا اعترفتَ بذلك. وسأتفهم كل شيء، هيّا ...
(يبتعد جوستافو عن المدفأة ويتحرك في وسط الصالة. تنظر جوليا نحو المرآة وتراقب تحركاته من خلالها)
جوستافو:
يا إلهي! كَمْ أنكِ تضخمين الأمور! وكَمْ تجعلين من الذبابة التي تطير حوتاً كبيرا. ماذا قلتُ لك في نهاية المطاف؟ أليست أشياءً صحيحة! أنتن أيتها النساء، يجب أن تكُنّ أكثر حساسية منّا نحن الرجال وأكثر رهافة في الشعور، ولكن أحيانا لا تستطعن الفهم... على سبيل المثال، انظري، أنت لا تفهمين أنني لا أريد وأنا في بيتك، بيت زوجك، سوى أن أكون مجرد صديق... فمما أجده بغيضاً إليَّ، وبغيضا إلى ضميري كرجل أمين أن أخون ذلك الرجل هنا، تحت سقف بيته!... هذا الأمر يزعجني!
جوليا:
منذ متى؟
جوستافو:
دائماً! وقد تغافلتُ عن ذلك في الأيام الأولى من علاقتنا، عندما أعمت العاطفة عيناي. ولكن ليس بعد الآن. قلتُ لك: حان الوقت للتفكير بعقلانية وسأفكر في الأمر بعقلانية.
جوليا:
أنت تكذب! (تتحوَّل نحوه) يا إلهي! كم أنك تكذب!... تكلمني عن ضميرك كرجل أمين! أي ضمير؟ وأي أمانة؟ هل تعرف ما هي الأمانة الحقيقية والوحيدة؟ هو أن تقول لي: "أنا لم أعد أحبك!" دون أكاذيب، ودون نفاق. لأنك لم تعد تحبني. أنا أفهم ذلك، أنا أفهم ذلك جيدا، للأسف! أنت تغيّرت، تغيّرت كثيرا عمّا كنت من قبل!... كنتَ تشتكي وتتألم من عدم مقدرتك على تكرار المجيئ باستمرار إلى هنا لرؤيتي، حيث أن الساعات التي كنا نقضيها معا لم تكن تكفيك... وكنت تبحث عن ذرائع لتأتي، وكنت تحتال لذلك... وفي هذا المساء، وبعد فترة طويلة لم تشعر فيها بالحاجة لرؤيتي، عندما رأيتُك وسمعتُ عن سبب زيارتك، سرعان ما أدركتُ أن ذلك ليس سوى ذريعة منك لرؤيتي: فأنا أعلم جيدا أنك لست قَلِقاً على أخيك... ولقد سعدتُ بذلك، وظننتُ أنك عُدتَ جوستافو الذي أعرفه من قبل، وألقيتُ بذراعيّ حول عنقك!... لقد كان مجيؤك ذريعة بالفعل، ولكن لكي تفارقني.
(لحظة صمت)
ألن تجيبني؟ أليس لديك شيئا لتقوله؟
جوستافو:
(بعد أن أشعل سيجارة أخرى).
وبماذا تريدين مني أن أجيب به على هذا الهراء؟
جوليا:
آه! هذا الهراء! أَتعْلَمْ، إن ما أقوله من هراء يشبه تماما مشاعرك الصادقة التي كنتَ تُعرب لي عنها من قبل.
جوستافو:
وبأي حق تشككين في هذه المشاعر؟
جوليا:
مسكين! هل تعتقد أنني يمكن أن أبرر برودة مشاعرك نحوي وهذا التحوُّل، بهذه الصحوة المفاجئة لضميرك؟... وتلك الرقة المفاجئة تجاه زوجي؟
(يُسمع صوت الباب وهو يُفتح. تعتدل جوليا في وقفتها)
تريزا:
(من الداخل)
سيدتي...
جوليا:
ماذا بك؟
تريزا:
لقد انقضت الساعة التاسعة، هل أضع الطفل في الفراش؟
جوليا:
بالتأكيد!... هل ذاكر دروسه؟
تريزا:
قليلاً.
جوليا:
لا يهم، ضعيه في الفراش، فقد تأخر الوقت.
(تخرج تريزا. ينهض جوستافو ويتجه نحو المدفأة. يُفتح الباب مرة أخرى وتدخل تريزا ممسكة بيد جانِّينو).
جوليا:
ليلة سعيدة، يا كنزي الغالي!
(تحتضن جانِّينو الذي يجيء إليها ثم يعود خارجا من الغرفة)
ألن تقول ليلة سعيدة للسيد فيلاتي؟
(يتوجه جانِّينو نحو جوستافو الذي ينحني لتقبيله، ثم يخرج وتصطحبه تريزا ممسكة بيده)
جوليا:
(بعد صمت دام طويلا، وهي جالسة دون أن تنظر إلى جوستافو)
أتذكر أنك في وقت من الأوقات كنتَ تغار من زوجي! لأنني كنتُ دائما أملك هذه الفضيلة أو هذا الحظ الجيد، وهو أنني لا أكره زوجي، وليس مثلما تفعل تقريبا جميع النساء اللواتي لهن حبيب، حيث يكرهن الزوج، ويُهملنه، ويعاملنه بشكل سييء. أما أنا فلا. فهو رجل طيب ومُخلص، يحبني، وهو والد طفلي... لم أحبه أبدا، لذا ربما كان من السهل أن أشعر نحوه بمودّة، لأننا معشر النساء لا نكره سوى الرجل الذي أحببناه، حين نتوقَّف عن حُبِّه. ولكن عندما انتابني شعورٌ لا يمكن مقاومته بالحاجة إلى الحب، ولسوء الحظ، وقعتُ في حب رجلٍ آخر غيره، لكنني كنت أعرف كيف أحتفظ بصورتي أمام عينيه كزوجة طيِّبة وودودة... وكنت أنت تغار من هذا الاهتمام به وهذه المودّة. حتى بلغ بك في وقت من الأوقات أن تشك في حُبي لك، وقلتَ ذلك لي، لأنك كنت ترى أنه من المستحيل، إذا كنتُ أحبك، أن أحتمل رجلاً آخراً إلى جواري.
(تتحول نحوه وهو جالس، وتقترب بكرسيها منه، وتقول له بحُب)
هل تذكر حديثنا في ذلك الحين؟ قلتُ لك: "جوستافو، أحبك، أحبك، وهذا الحب هو الذي يدفعني أن أكون زوجة طيبة وصبورة وحكيمة... نعم، حكيمة، لأنني لا أريد أن أفقدك، لأنني أريدك أن تكون معي إلى الأبد. فإذا ارتكبتُ بعض الحماقات، أو عرَّضتُ نفسي للخطر أو ارتاب فيَّ أو انتابه شكٌّ في تصرفاتي وتجسَّس عليّ، فلن نهنأ سويّا في سلام، والأخطر من ذلك أنه ربما يُبعدك عني... وإذا عرف كل شيء في يوم من الأيام، تُرى ماذا سيحدث؟. أنت طيِّب ومخلص ولن تتخلى عني، ولكن هل سيظل حبك لي كبيرا وعظيما، كما أريده، دون وجود مخاوف أو قلق، ودون أن أفتقد وجودك معي؟ ألن يتسلَّل إليك الملل في يوم من الأيام؟ جوستافو، هذا الهاجس يصيبني بالرعب والفزع، وهاجس أنني قد أفقدك بسبب تصرُّفاتي يدفعني للتظاهر أمامه كزوجة صالحة". ( تحيطه بذراعيها) هل تذكر ذلك؟... فقد اقتنعتَ حينها، وانتهى حديثنا بقُبلة. ( لحظة صمت) ألم تعد تحبني؟ ألم تعد تحبني؟... هل ذلك ممكنا؟... أنا لم أُسِئ إليك: فلقد أحببتك، وأحبك كثيرا! هل ضايقتك! أنت على يقين من حبي لك! أليس كذلك؟ أليس كذلك يا جوستافو؟... أليس كذلك يا جوستافو؟...
(يُسمع جرس الباب. جوليا تنهض وتُلقي نظرة على الباب، ثم تنحني وتُقبل جوستافو قبلة حارة في فمه ثم تنتقل بعيدا عنه وتستعيد هيئتها الأولى. يدخل أندريا).
المشهد الرابع
جوليا وأندريا وجوستافو
أندريا:
ما هذا البرد القارس، يا أصدقائي! فدرجة الحرارة هبطت خمس درجات تحت الصفر على أقل تقدير.
جوستافو:
هل يتساقط الثلج؟
أندريا:
قليلا.
(يوجه كلامه لجوليا)
هل التزمتُ بالميعاد؟ الساعة الآن التاسعة وعشرون دقيقة.
جوليا:
هناك خمس دقائق تأخير.
جوستافو:
خمس دقائق يُمكن التسامح فيها.
أندريا:
هذا إذا كان عند الزوجات تسامح.
(يتوجه بالحديث إلى جوستافو)
لقد بدأتُ بالبحث في أمر أخيك، ولكن إلى الآن لم أتوصل إلى شيء...
جوستافو:
شكرا لك! لا تتحامل على نفسك، فحتى هذه اللحظة لا يراودني أدنى شك أن هناك خطر ما.
أندريا:
نعم، بالفعل وأنا أشاركك هذا التفكير. هل أنت ذاهب؟ ألن تشرب الشاي معنا؟
جوليا: (وهي تهم بالنهوض)
لقد عرضتُ عليه بالفعل. لكنه قال أن لديه اجتماع في الساعة التاسعة والنصف. في الواقع، كان على وشك الرحيل، وكنتُ سأظل وحيدة لو لم تعُد. (توجه حديثها لجوستافو) متى يمكنك تناول الغداء معنا؟ بعد غدٍ، مثلا؟ سيوافق يوم الأحد... أما باقي أيام الأسبوع، فلا أحد يعرف في أي ساعة سيتناول الغداء بسبب أعمال أندريا.
أندريا:
سننتظرك.
جوستافو:
لكن...
جوليا:
وأحضر معك مونتيتشلّي. إنه شاب لطيف. أليس كذلك، يا أندريا؟
أندريا:
حسنًا، سننتظركما في السادسة والنصف.
جوستافو:
أشكرك. ولكن، للأسف الشديد، سأسافر غدا.
جوليا:
يا إلهي! هذه ليست سوى ذريعة!
جوستافو:
لديّ قضية تُنظر في محكمة تورينو.
جوليا:
حقا؟ .... بعد العودة، إذن.
أندريا:
سننتظرك.
جوستافو:
شكرا جزيلا.
(ينحني لتحيتهما)
سيدتي!... عمتم مساءً!
(يخرج)
المشهد الخامس
جوليا وأندريا ثم تريزا
أندريا:
أنت لم تقولي كلمة واحدة لتُحثِّيه على البقاء.
جوليا:
قلت له من قبل: "لنشرب الشاي سويا مع زوجي"، ولكنه قال أن لديه موعد. ولعلها ذريعة. ربما كان يشعر بالملل. فهو هنا منذ ساعة.
أندريا:
كنتُ أريد أن أقول له شيئا...
جوليا:
ما هو؟
أندريا:
بخصوص أخوه.
جوليا:
ألم تقل له؟
أندريا:
كان هناك شيء آخر.
جوليا:
شيء مهم؟
أندريا:
بالتأكيد. العملية التي دخل فيها بها مخاطرة كبيرة... وتوقعات نهاية الشهر ليست جيدة. لقد وصلتني بالفعل بعض المعلومات في هذا الخصوص.
جوليا:
مسكين! لكن كان يجب أن تُحذِّره!
أندريا:
لم يكن لديّ الشجاعة. لكن كنتُ أريد أن أُخبره... لو أنه بقي... ومن ناحيةٍ أخرى عليه أن يتخذ بعض الإجراءات في الغد. على أية حال، لقد اتخذتُ بالفعل بعض التدابير نيابة عنه، سأقوم أنا بهذا الأمر.
جوليا:
أنت؟
أندريا:
نعم.
جوليا:
وستخاطر بنفسك بدلا عنه؟
أندريا:
لا، لا. مجرد توقيع.
جوليا:
ولِمَ؟ اسمع: من الأفضل أن تُخبر أخيه على أن تضع نفسك أنت في خطر.
أندريا:
لا تقلقي. هل نام جانِّينو؟
جوليا:
نعم.
أندريا:
أنا ذاهب أيضا للنوم. أشعر وكأنني مُبتلّ.
جوليا:
نعم، نعم، اذهب على الفور.
أندريا:
يجب أن أستيقظ في وقت مبكر غدا. أنا ذاهب إلى جنوة.
جوليا:
جنوة؟
أندريا:
نعم.
جوليا:
هل ستمكث هناك لفترة طويلة؟
أندريا:
لا، يوم واحد فقط. سأسافر في الثامنة والنصف صباحا وسأعود غدا في المساء.
جوليا:
في هذا الطقس البارد، وصحتك ليست على ما يُرام؟ أرسل شخصا آخر.
أندريا:
مستحيل، يا عزيزتي.
جوليا:
وسنتناول الغداء غدا من دونك؟
أندريا:
بل أنا الذي سأفتقدكم على الغداء أنت وجانِّينو.
جوليا:
هذا يؤلمني. (يُسمع صوت جرس الساعة) إذن اذهب إلى الفراش حالا. ولا تظل تقرأ لساعات طويلة كما تفعل دائما.
(توجه حديثها لتريزا)
هل أشعلت نار المدفأة في غرفة سيدك؟
تريزا:
نعم، يا سيدتي.
أندريا: (موجها حديثه لتريزا)
يجب أن توقظينني غدا في السادسة صباحا.
(تخرج تريزا)
جوليا:
لكي تسافر في الثامنة والنصف؟
أندريا:
يجب أن أذهب إلى مكتبي أولا. (يُشعل شمعة) ليلة سعيدة يا صغيرتي. أنا لن أراك في الصباح. لا أُريدكِ أن تستيقظين في هذا الوقت المبكر جدا. (يقترب ليُقبّلها لكنها تمتنع عن تقبيله) ألا تريدين؟
جوليا:
تعلم أنني سأودِّعك في الصباح.
أندريا:
نعم أعرف ذلك، شكرا لك.
(يخرج)
جوليا: (تظل للحظة تنظر ناحية الباب الذي خرج منه أندريا ثم تتجه نحو الداخل وتفتح الباب وتنادي)
تريزا.
تريزا: (من الداخل)
نعم يا سيدتي.
جوليا:
أيقظيني غدا في السادسة والنصف، هل سمعتِ؟ يمكنك أن تنامي إن أردتِ.
(تُغلق الباب. تمشي ببطء، تتوقف عند المدفأة وتنظر إلى نفسها في المرآة للحظة، ثم تسحب كرسياً بالقرب من المدفأة، وتجلس عليه، وتمد ساقيها نحو الفحم المشتعل. ويُسدل الستار)