القاهرة 12 مايو 2020 الساعة 12:39 م
كتب: حاتم عبدالهادى السيد
يظل د. يسرى العزب رائداً ومدرسة للشعر العامى المصرى، فقد وهب حياته من أجل الشعر، واعتبره مشروعه الإبداعى الكبير، كما كان امتداداً لشعراء العامية الكبار : صلاح جاهين، فؤاد حداد، أحمد فؤاد نجم، عبدالرحمن الأبنودى ،سيد حجاب، فؤاد قاعود، الكابتن غزالى وغيرهم ، إلإ أنه استطاع أن يؤسس مدرسة للشعر العامى المعاصر ، مغايرة، ولقد سار على نهجها الكثيرون في مصر والعالم العربى . ويسرى العزب – دون أية ألقاب – أستاذ الجامعة الذى وهب عمره لإكتشاف المبدعين، في القرى والنجوع والكفور، ولا يتحرج أن يجلس على المقهى، او المصطبة، او يسير مع سيدة عجوز ليدخلها الشارع خوفاً من أن تدهسها سيارة، فكان نعم الإنسان والصديق ، والمحب للشعر ، ولمصر الحبيبة . فقد كان – رحمه المولى – رجلاً وطنياً ، شارك في كل المناسبات القومية ، والمؤتمرات العربية التى تدعو الى وحدة العرب والمسلمين، وتعلى من القومية العربية ، والوطن العرب، واللغة العربية ، فكان خير من أنجبت مصر ، ناقداً ، وشاعراً ، وفيلسوفاً ، ومجدداً بعد مسيرة الكبار، حتى غدا مدرسة لشعر العامية ، ولعودة قصيدة الزجل الشعبية كذلك .ولقد قدم يسرى العزب للمكتبة العربية الكثير من دواوين الشعر 12 ديواناً، منها : " غيطان الفقر" وهو دراما شعرية عن الواقع المصرى، قبل الثورة وسنوات الإنحطاط الفكرى والثقافى آنذاك، وديوان : " حق حوش " وهو عبارة عن قصائد عاطفية ووطنية وسياسية، وديوان " فك العمل " ويقدم لنا فيه المثيولوجيا الشعبية لموضوعات فك السحر المعمول لمصر منذ ثلاثة عقود والذى جعل مكانتها – كما يقول – تتقهر الى الخلف، الى جانب العديد من الدواوين، والكثير من الكتب النقدية، علاوة الى الأبحاث التطبيقية عن أغلب شعراء مصر ، خاصة شعراء العاميةن وشعراء رابطة الزجل وكتاب الأغانى ، حيث كان أحد مؤسسى رابطة الزجالين في مصر كذلك.
ولقد كان رحمه المولى رجلاً وطنياً مخلصاً ، يناهض المشروع الإمبريالى الصهيو- أمريكى، وكان يصر معنا في مؤتمر أدباء مصر " مؤتمر أدباء الأقاليم " أن نؤكد برفض الأدباء والكتاب كافة أشكال التطبيع مع العدو الصهيونىن وأزعم أننا رأيناه في أغلب هذه المؤتمرات يكتب التوصيات بنفسه ، ثم يعرضها علينا لمناقشتها واقرارها.
كما كتب شاعرنا العديد من المسرحيات الشعرية منها : " نخلتين في العلالى"و " الوعد سعد " ،و المسرحية الأشهر : " تغريبة عبدالرزاق الهلالى : والتي عرضت في الدورة الأولى لمهرجان القاهرة للمسرح عام 1992، ثم عرضت المسرحية في باريس بعد ذلك،وكانت من اخراج " بهائى الميرغنى " . ولقد عشق يسرى العزب التراب المصرى ففى قصيدته المهداة الى أمل دنقل ، نراه يستصرخ فيه نخوة الوطن وعمق انتمائه ، يقول :
أ_
أنا جمل صلب لكن علتى الجمال
غشيم مقاوح ما يغرف هوا ا?جمال
كار الجمل،لوجمل .. ?زم يكون جمال
اه يا أمل يا جمل .. حاربت ما خفتش
وعدنى زمانى مع اللى مايعرفوش قدرى
كان لسة ايه يتقال وما قلتوش
دول شيلونى التراب .. بعد الهدوم والمال
كنت النبات فى ا?رض كنت الجمال
دا انا كنت واعى وقاعد وسط المجال قدرى
صبحت فإيد ا?رامل يلعبوا بى المال
انت الدهب فى ا?رض انت الحلال
لفيت بلاد السند والهند بلاد تركب ا?هوال
واتبعت وشريت من واحد الى واحد
مالقيتش واحد يصون للود ... ليه يا عيال
م_
حرة جريئة صرخة المولود ..
طلقة فى عين الحسود ..
غلمتنا نقاوم بجرأة الدود
ونهد حيل اليهود ..
ونشد حيلنا نستعد لبكرة
كنت ا?مل فى ا?رض .. زرعة بكرة
عشنا الليالى السود
شعرك يا صاحبى بارود بينور المخبأ
يا لحظة التنوير فى الملجأ
.... بتخطفينا ليه ....
.... واحد ورا واحد ..؟
نفتح طريق الحق
ل_
دى مصر لسه ولود ..
وشعرنا موجود .. فى القلوب والطين
و? ينطفى ابدا ..
.. رغم الضلام .. والقهر.. والضالين ..
واخطف بالموت ... كفيل .. يصحى الميتين ويصحصح الحيين
يبقوا التبات فى ا?رض يبقوا النبات وا?مل،
د_
واللا تطول السما ..
وانت ا?مل فى الجاى ..
اللا متحاشة ف حشاى ..
طلعت فى شعرك نضال
ن_
ونعيد امل لحظة امل فى كل اشعارنا،
ق_
حرة جريئة .. صرخة المولود
ل_
طلقة فى عين الحسود
كما كان رجلاً صاحب مواقف وطنية ، وسياسية، وشاعر جوال، يخجلك بتواضعه ، وبسعة علمه، ووطنيته الزاعقة، يقول :
طريقى ليه استوى..
من كتر مشيى عليه...
او من كثافة الشجر حواليه..
او جفوتك من غير مودة ليه..
......
جيتك تراب السفر كان تمر حنة
حنون على جبينى.
فتحت عينى التقيتك...
انت نور عينى..
تمثال فريد فى الجمال..
بيمد سكة وصال...
بيشدنى للضى..مالى المجال..
بيقول فى صمته النبيل..
ارتاح على صدرى ياموج النيل..
واروى الاراضى اللى طول الليل...
بتستناك.
رحم الله شاعر مصر والعرب الدكتور يسرى العزب، عميد شعراء الشعر العامى في العصر الحديث.