القاهرة 17 مارس 2020 الساعة 11:03 ص
التراث اليوناني وميراث كراهية المرأة
هويدا صالح
تظل علاقة المرأة بالفلسفة موضوعا أكثر جاذبية لكثير من الفلاسفة والنقاد، ما بين مدافع عن وجود فلاسفة نساء لكن الفكر الذكوري تجاهلهم، وما بين مروج لمقولات من قبيل أن النساء لا علاقة لهن بالفلسفة عبر التاريخ وأن الفلسفة "موضوعة ذكورية لم تعالجها النساء ولم تفتحهم مجالها، ويستدل هؤلاء بمقولات لفلاسفة ومفكرين أمثال أفلاطون وتلميذه أرسطو الذين نزعوا من النساء حقهن في ممارسة الفلسفة والتفلسف. ويأتي كتاب " النساء في الفكر السياسي الغربي" لسوزان موللر أوكين وترجم إمام عبد الفتاح الذي صدر عن دار التنوير للطباعة والنشر ببيروت ؛ ليكشف عن علاقة النساء بالفلسفة ووضعية النساء في الأعمال الفلسفية الكلاسيكية لدى مفكرين عظام أمثال أفلاطون وأرسطو ومل وروسو وذلك من خلال مراجعة أفكارهم الفلسفية السياسية والاجتماعية التي تأسست عليها صورة المرأة.
يكشف الكتاب عن وضعية المرأة في النظام السياسي والاجتماعي، ويناقش قضية المرأة والأسرة في المجتمع الأميركي، والأثر الهائل للأوضاع الاجتماعية في تشكيل الإطار الذي يتم وضع المرأة فيه.
يعتبر كثير من الفلاسفة أن الفلسفة وفق صياغتها التقليدية تعزل نفسها عن مشكلات الحياة اليومية، فهي تبحث في المطلق وتهتم بأمور عامة تتعلق بالكليات، بينما الفكر النسوي ينتمي إلى حركة تاريخية ويهتم بجماعة محدودة بالإنسانية هي جماعة النساء، ومن أشهر من نادى بهذا الرأي هو هوسيرل، إذ يرى تعارضا شديدا بين النساء والفلسفة، ويرى أن الفلسفة تقع على طريق ما هو مجرد وأبدي أما النسوية، فهي تهتم بما هو واقعي وعيني، لذا حدث جفاء تاريخي بين المرأة والفلسفة، وسبب استبعاد النساء من مواضعات الفلسفة.
تخلص سوزان أوكين إلى أن النظرة الوظيفية التي حصرت دور المرأة في أمور بالإنجاب وغيرها من الوظائف البيولوجية ليست بمعزل عن رؤية هؤلاء الفلاسفة للأسرة باعتبارها مؤسسة "طبيعية" و"ضرورية"، ومن ثم، فقد رأوا أن هذا الدور الوظيفي قد أملته، على المرأة، طبيعتها الذاتية، وتلك النظرة قد حصرت البحث في طبيعة النساء عبر هذا الفكر الفلسفي، عند العوامل الفطرية الكامنة خلف التنشئة الاجتماعية، والعوامل البيئية الأخرى، وأنها ما تزال تحكم عددا من التصورات الاجتماعية والسياسية لوضعية المرأة حتى وقتنا الراهن.
يرى المترجم في مقدمة الكتاب أن قضية المرأة ما تزال في يومنا الراهن، بالغة الأهمية في مجتمعاتنا المتخلفة؛ فعلى الرغم من القيمة الكبرى المترتبة على مساواة المرأة بالرجل، وعلى عمل هذه الرئة المعطلة بحيث يتنفس المجتمع بطريقة صحية وسليمة - فإنها لم تتقدم خطوة واحدة عن نضالها الماضي
تبين أوكين في مدخل الكتاب أن الحركة الحالية المؤيدة للمساواة بين الجنسين أدت إلى قدر ملحوظ من اتساع المعرفة في مجالات لم تكن مطروقة من قبل؛ فتركيز الانتباه حديثا على النساء في ميادين: التاريخ، والدراسات القانونية، والإنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والنقد الأدبي- أدى إلى عدد من الأعمال الإبداعية المهمة، حتى إننا لا نبالغ إذا قلنا: إن هذه المجالات لن ينظر إليها بعد ذلك على نحو ما كانت من قبل. لكن أحدا حتى الآن لم يفحص بعد، في شيء من الاتساق، معالجة موضوع النساء في الأعمال الكلاسيكية في الفلسفة السياسية، تلك الأعمال التي كشف فيها المفكرون العظام عبر التاريخ أفكارهم عن الحياة السياسية والاجتماعية للجنس البشري للتقليل مما ترتب على ذلك من هوة في معرفتنا.
وتوضح أوكين أن تحليل أفكار النظريات السياسية التي ظهرت في الماضي ونقدها، ليس بحثا أكاديميا ملغزا، وإنما هو وسيلة مهمة للكشف عنه - وكذلك فهم - المزاعم الكامنة وراء أنماط التفكير المتأصلة بعمق والتي استمرت تؤثر في حياة الناس بطرق رئيسية، ولقد أصبحت النساء - خلال القرن الحالي رسميا - مواطنات بالفعل في كل بلد من بلدان العالم الأوروبي، وفي كثير من بقية أنحاء العالم أيضا، وبعد أن كن مستبعدات تماما، ومعزولات، في مجال خاص هو مجال الأسرة - أصبحن عضوات لهن حقوق في عالم السياسية.
جاء الكتاب في خمسة أجزاء، الجزء الأول يتحدث عن أفلاطون، والتراث اليوناني في كراهية المرأة، والملكة الفيلسوفة والزوجة الخاصة، طبيعة الأنثى والبنية الاجتماعية، ويتناول الجزء الثاني أرسطو ومكانة المرأة والطبيعة في عالم الوظائف، ويتحدث الجزء الثالث عن روسو والتراث الأبوي البطرياركي الحديث، والمرأة الطبيعية ودورها، والمساواة والحرية بين الرجال، ومصير بطلات روسو، يتحدث الجزء الرابع عن "مل"، جون استيوارت مثل النصير الليبرالي، بينما يستعرض الجزء الخامس المذهب الوظيفي وقضية المرأة والأسرة، ويتحدث عن النساء والمذهب الوظيفي في الماضي والحاضر، والأشخاص والنساء والقانون
هوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ سوزان مولر أوكين ناشطة نسائية وأستاذة جامعية نيوزيلاندية، وهي أول من حلل التراث الفكري الغربي في نظرته للنساء بتناول علمي، وصدر لها عدة كتب منها "المرأة في الفكر السياسي الغربي" الذي كشفت فيه عن نظرة الازدراء وحط القيمة التي قوبلت بها المرأة في كتابات: "أفلاطون، وأرسطو، وجان جاك روسو، وصولا إلى جون ستيوارت، الذي أنصف المرأة في كتابه (تحرير المرأة).
ـ إمام عبد الفتاح إمام أستاذ في الفلسفة والعلوم الإنسانية. له مؤلفات كثير منها : مدخل إلى الفلسفة، كتاب أفكار ومواقف، كتاب المرأة في الفلسفة. كما له عدة ترجمات فلسفية منها : فلسفة التاريخ لـِ هيجل,أصول فلسفة الحق لـِهيجل, ظاهريات الروح لـِ هيجل,محاضرات في تاريخ الفلسفة لـِ هيجل,استعباد النساء، لـِ جون ستيوارت, الوجودية لـِ جون ماكويى,موسوعة العلوم الفلسفية لـِ هيجل).