القاهرة 10 مايو 2020 الساعة 07:43 ص
الشبح الأكبر الذي جعل إسرائيل تصرخ في مجلس الأمن
أمير الشهداء الذي أطلقت إسرائيل طلقات الهاون الكاشفة احتفالا باستشهاده
أقسم على الانتقام لاستشهاد الجنرال الذهبي وبر بقسمه
السيد حسن
هل يمكن أن تتجسد معارك مصر الحديثة في رجل؟ وكيف تتحول سيرته الذاتية إلى خريطة حية لمعارك الوطن ومعادل بشرى لبطولاته ؟! كان هذا هو السؤال الذي تشكل في ذاتي وأنا أتابع لاهثا سيرة أمير شهداء الوطن، وقائد أشباح النصر والرعب.
كلما قرأت عن واحدة من ملاحم العسكرية المصرية في العصر الحديث، أطل علىَّ وجه هذا المقاتل المصري المدهش «إبراهيم الرفاعي». وسط هدير طائرات دول العدوان الثلاثي، وقصف مدافعهم في بورسعيد عام 56 طالعني وجهه فتيا مشرقا يبدأ رحلته مع البطولات المستحيلة الممكنة في عمليات موجعة خلف خطوط العدو. وبين جبال اليمن ووهادها تشتد قامته ويستوي بطلا يدهش الجميع بروحه المقدامة وكفاءته العسكرية المذهلة، ولا يعود من هناك إلا وسيرته تسبقه وبطولاته تنبئ عنه .
وما إن تضع حرب يونيه أوزارها حتى تبدأ فصول الذروة في مسيرة البطل ورجاله الأكفاء. ففي أغسطس 1967 ... تبدأ العمليات مستحيلة التصديق، لقد تشكلت المجموعة الأولى صاعقة التي ستحمل بعد ذلك اسم المجموعة 39، وصار عبور القناة من الغرب إلى الشرق متعتها اليومية، ولم تكن تعود إلى الغرب إلا بعد أن تضرب ضربة موجعة عصية على التصديق. هذا هو القطار الإسرائيلي المحمل بالضباط والجنود يتحول إلى شظايا متطايرة في سماء الشيخ زويد
. وهذا هو البطل ومجموعته ينظرون إلى مخازن الذخيرة التي تركها الجيش المصري في يونيه وقد حولتها عمليتهم المعجزة إلى بركان من النيران ظل مشتعلا لثلاثة أيام، فقد أقسموا على أن يحرموا منها العدو، مهما بدت المهمة مستحيلة.
وهذا هو الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض يكلف الرفاعي ومجموعته بالعودة من الشرق بواحد من الصواريخ أرض أرض التي نصبتها إسرائيل لدراسته والتعرف على قدراته!!! نعم طلب منه هذا الطلب المعجز وهو يثق أنه لا يعرف المستحيل، ولم يفاجئه الرفاعي بتحقيق ما طلبه، بل أدهشه بأن أحضر ثلاثة صواريخ بدلا من واحد.
حتى حين لا تكون هناك مهام كبيرة محددة كان البطل إبراهيم الرفاعي يأبى أن يعود من سيناء بيد فارغة، ففي إحدى جولات عبوره المتكررة يعود بالملازم دانى شمعون بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة أسيرا. كانت هذه العمليات تتوالى فترفع معنويات الجيش المصري الذي يستعيد بناء ذاته إلى السماء، ويبث الرعب في قلوب الإسرائيليين الذين أطلقوا على المجموعة اسم الأشباح .
وحين يستشهد الجنرال الذهبي وسط جنوده في المقدمة، يقسم الرفاعي على أن يبيد موقع المعدية 6الذي انطلق منه الصاروخ الغادر، ويبر بقسمه فيدمر الموقع، ويرفع العلم المصري عليه، بعد أن يبيد كل من به، والذين بلغ عددهم أربعة وأربعين عنصرا إسرائيليا، إلى حد يجعل إسرائيل تصرخ إلى مجلس الأمن . وما إن توشك ملحمة العبور المجيدة على أن تنطلق ظهيرة السادس من أكتوبر حتى يكون البطل ورجاله قد سبقوا ضربتها الجوية بالعبور خلف خطوط العدو ليبدؤوا سلسلة المهام البطولية الخالدة، فمن تدمير آبار بترول "بلاعيم"، إلى ضرب مواقع العدو في شرم الشيخ ورأس محمد، إلى الإغارة على مطار الطور وضرب الطائرات في مرابضها
. وهكذا تتواصل البطولات حتى يحين ميعاد عرس الشهادة، في التاسع عشر من أكتوبر، ليقف شامخا وسط رجاله وهم يستهدفون قوات الثغرة، ثغرة الدفرسوار بضرباتهم الموجهة، رافضا التقهقر أو التراجع
. وما إن تعلم القوات الإسرائيلية بإصابة الشبح الأكبر حتى تطلق قذائف الهاون الكاشفة متصورة أنها تعبر عن بهجتها غير مدركة أنها إنما تزين عرس روحه الصاعدة إلى السماء وسط الأضواء الملائكية، لتحتفل الأرض كما احتفلت السماء بعرس أمير الشهداء. لم يدركوا أن أسمى أمنيات البطل قد تحققت حين نال الشهادة واقفا شامخا وسط رجاله الأبطال، لتختتم ملحمة البطولة ختاما يليق بها، بعد أن صارت المسيرة تجسيدا لمعارك المجد المصري في بورسعيد أو اليمن أو سيناء. ولم يكن اختياره رأس النمر شعارا لمجموعته مصادفة أو عبثا فهو الشعار ذاته الذي اتخذه البطل أحمد عبد العزيز من قبل في فلسطين، لنتواصل فصول الأبطال المصريين فصلا في إثر فصل.